إضاءة على نداء الناشطين الجنوبيين في الخارج

2016-03-18 03:41

 

ليس مألوف أن نقرأ نداءاً خارج النمط بصياغته ومهنيته السياسية واتساعه، وليس مألوف أن نستمع لنداء بإسم مجموعات من الناشطين الجنوبيين بصورته الموضوعية الشاملة المختلفة عن لغة البيانات الحادة.

لم يأتِ النداء بإسم مكون بعينه أو قادة أو جماعة ولا يحمل صبغة خاصة أو عنوان ، بل أتى جنوبياً كاملاً متكاملاً، وهذا هو الفعل الغير مألوف في سياق الاداء السياسي الجنوبي وهو مطلوب جداً، فالنداء، لمن قرأة وتمعن فيه، كان شاملاً يستجيب لضرورة محددة وحرجة ويدعوا الداخل والتحالف والعالم لتحمل المسئولية الكاملة لحماية الجنوب في هذه المرحلة الصاخبة مثلما دعا الجنوبيين الى التوحد وأن يملأوا الفراغ بارادتهم قبل أن يملؤه الآخرون ويوظفون الاحداث لخدمة اهداف معروفة.

 

لقد ساور الجميع القلق منذ البدايات الاولى أن الجنوب في حالة الفراغ الأمني لا يمتلك وسائل وآليات ليصنع البدائل الممكنة، خاصة وأن هناك سابقة في عام ٢٠١١ حين بادر آخرون لتشكيل مجالس بلدية وجمعيات ومنظمات وحتى مجموعات إعلامية عديدة تخدم في غالبها احزاب تتصادم أهدافها مع مصالح أهل الجنوب بشكل حاد. لهذا انتظر الجنوبيون للقيادات التي لا حصر لها في الداخل لتعلن عن حضورها، بعد التحرير، من خلال العمل الواعي لسد الفراغ المخيف ظناً منهم ان اللحظة الفارقة ستصنع ابداعات القوى السياسية، استجابةً للضرورات بحيث تتجاوز فعل المكونات الحراكية المتفرقة الناطقة بلغة الزجاج المكسور وشظاياه الجارحة... انتظروا لكن دون فائدة تُذكر.

 

الحقيقة المرة أن الجنوبيين مصابون باضطراب طيف التوحد وهي متلازمة مرضية، يعمقها فرسان التاريخ الذين يظهرون في المناسبات لإلقاء بيانات مكررة وميتة كالجثث النافقة ثم يختفون.

توحُّد الجنوبيين هو المشقة رقم واحد خاصة وأن القيادات تجيد فنون التجارة بالتجزئة وشد الفوارق لكي تتسع لابتلاع أي جهود صادقة.. والتجارب تخبرنا أن الجنوب ليس بحاجة إلى مواقف هوائية أو مانيفستو عظيم يحتوي مئات الصفحات، لأن الجنوبيين سيقضون نصف أعمارهم يختلفون حول حروف الجر ومواقع النقاط والفواصل ناهيك عن طريقة الصياغة والاتفاق حول المناهج والوسائل والآليات واشياء اخرى. لقد تعلمنا من العالم أن صياغة الاستراتيجيات العظيمة تتم في سطور مضيئة محدودة للغاية وحين يتم الاجماع حولها تبدأ الخطوة اللاحقة، لكن الشيطان الجنوبي كان ومايزال كامن في التفاصيل لأنها عند اهل الجنوب تسبق الغايات ولأن أهمية القائد ومواصفاته ومكانته مقدّمة على أي هدف آخر، فأصبحت القيادة ليست وسيلة متجددة بل هدف متجمد يتكرر في كل مرحلة، متناسين بأن ما يتكرر لا يحس به الناس ولو كان شجياً. 

 

نداء كوادر الجنوب والناشطين قي الخارج علّق في بعض مضامينه على أهمية تشكيل لجان ومجالس تنسيق تشارك وتتعاون مع المؤسسات الرسمية في هذا الظرف الطارئ والخطير وتسد كثير من الثغرات الخطيرة على الاصعدة الاجتماعية والأمنية والخدمية، ولو أن محافظة او مديرية بادرت وصنعت نموذجاً جنوبياً في المشاركة الواسعة باسم الحراك الجنوبي لكانت تجربة محمودة ومفيدة ستتناسل وتتكاثر وتصبح ملء الارض وصمام شعبي لدرء كل المخاطر الممكنة.

 

المكونات السياسية والمجالس التابعة للحراك الجنوبي لم يعد احد يتذكر عددها وأداءها وما تفعله في هذا الوقت، ولا يريد احد أن يعتبرها جزء من الماضي لكن المطلوب بالفعل أن تعيد التفكير في ديناميكية جديدة تتواءم مع المرحلة الحالية لأن الجنوب في سباق خطر وعسير مع الاحداث وأمامه تحديات كبرى ولا يعلم مآلات هذا الزمن المختلف وهناك قوى داخلية وخارجية لها أولوياتها وليس من الضروري عندها أن يكون الجنوب واحد من الاولويات إن لم يصنع الجنوبيون هذه الضرورة بأنفسهم.

 

أهمية نداء الخارج ليس فقط في ما احتواه، ولكن في كونه مبادرة صادقة و نموذج مهم ربما يبنى عليه في توسيع الفكرة الجامعة لتوحيد الصف الجنوبي تدريجيا في الميادين من خلال العمل معاً ليكتمل الفعل السياسي والشعبي مع فعل المقاومة.