في رسالة من أحد الزملاء المشاركين في مؤتمر الرياض ومؤتمر الحوار الوطني علق على مقالتي السابقة والتي دعوت فيها إلى تحريم حمل السلاح قائلا: المشكلة إنه لا يوجد جيش ولا أمن ينفذ أي قرار تتخذه السلطات، والمقاومة يتسابقون على الزلط، وقد رددت عليه إنه لا يمكن أن يكون كل أفراد المقاومة باحثين عن الفلوس، فلا بد أن بينهم من يحترم الأمن والأمان ويسعى لإقامة دولة النظام والقانون.
لست من المتوهمين أن القادة الجنوبيين المكلفين بإدارة المحافظات المحررة يمتلكون عصا سحرية يعالجون بعها التعقيدات الضخمة والتركة الهائلة التي تركها لهم نظام علي عبد الله صالح ووكلاؤه في عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة وغيرها من محافظات الجنوب، لكنني مؤمن بأن الانفلات الأمني هو عملية مصطنعة قابلة للسيطرة والتغلب عليها بوسائل مبتكرة جديدة لا تقوم بالضرورة على القسوة والقمع والملاحقة وحدها.
إن الإمساك بالملف الأمني وإحكام السيطرة عليه يمكن أن يتم من خلال مجموعة من الآليات التي ينبغي أن تعتمد أولا على وسائل السياسة والتوعية والتعاون بين السلطة والمواطنين، لكنها بنفس الوقت تتطلب سياسة حكيمة في جذب الناس للدفاع عن مدينتهم وتحويل المواطنين إلى رجال أمن شرفاء يساهمون في حماية أنفسهم وممتلكاتهم ومدينتهم ومستقبل أبنائهم، وتقوم ثالثا على الاستثمار الأقصى لكل الممكنات المادية والبشرية والتقنية لملاحقة المجرمين والعابثين وكشف من يقف خلفهم ومن يمولهم ومن يخطط لهم وإلى ماذا يرمون من وراء نشاطاتهم الإجرامية.
من المؤكد أن عناصر الشر هي أقل بكثير من عناصر الخير وإن العابثين والمستهترين لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة إلى أعداد المواطنين الشرفاء لكن ميزة هؤلاء (المستهترين) أنهم لا يحترمون المعايير وغالبا ما يقادون من قبل أجهزة عالية التنظيم والدقة ، بينما الغالبية من الطيبين لا قيادة لهم ولا طريقة لتنظيمهم ولا حوافز مباشرة، ولو معنوية تدفعهم للانخراط في مواجهة هذا الغرور وهذا الاستهتار، ومن هنا فإن التغلب على حالة الانفلات الأمني الذي تشهده عدن وبقية مناطق الجنوب ينبغي أن يعتمد على التالي:
1. إن المقاومين الذين قدموا نموذجا رائعا في البطولة والتضحية ومواجهة العدوان، لا يليق بهم أن يتركوا ثمرة نضالهم في منتصف الطريق ليخطفها اللصوص والمجرمون والمستهترون والعابثون، وهؤلاء يمكن أن يشكلوا نواة ممتازة لجيش وأمن قادمين مطهرين من الفساد والأمراض الموروثة من نظام الفساد وتجارة الضمائر وهم من ينبغي أن يكونوا في مقدمة من يتصدى للجريمة ويسعى لتعزيز الأمن والاستقرار في عدن وغيرها من مدن الجنوب.
2. إن أبطال الجيش والأمن الذين عانوا من الاستبعاد والإقصاء على مدى ربع قرن، ما يزال الكثير منهم يتمتع بالقدرة الجسدية والذهنية للقيام بدور فعال في إعادة صياغة السياسات الأمنية والدفاعية والكثير ممن بلغوا سن التقاعد يمكن أن يكونوا مستشارين فعالين في رسم السياسات والخطط، وبالتالي الانتقال إلى إعداد البرامج ورسم الخطوات التنفيذية لاستعادة الأمن في عدن وغيرها من المدن الجنوبية.
3. سيكون على السلطات الشرعية أن تكون صريحة مع المواطنين ومع العاملين في أجهزة الأمن والدفاع حول القدرات المادية وإمكانية الإنفاق على العملية الأمنية ومواجهة الجريمة، وأتصور أن المواطنين ورجال الأمن والقادة الرسميين والمتطوعين سوف يبذلون كل ما في وسعهم لخدمة الأمن والأمان في أغلى المدن وأم المدنية (عدن) وهناك الكثير من العسكريين ممن سيتطوعون مجانا بما يقدرون لصالح تعزيز الأمن، لكن عندما يلمسون أن القيادة ومن يحيط بها تتصرف تصرف القادة والفدائيين من خلال الإقلال من النفقات واتباع الحياة البسيطة وعدم الإسراف في المظاهر البذخية واصطحاب الفيالق العسكرية من الحمايات الأمنية من الأقارب والأصحاب والسكن في أفخ القصور واقتناء أثمن المقتنيات بينما يعاني الناس من الحاجة والعوز والافتقار لأبسط مقومات الحياة.
ومن هنا فسيكون على رئيس الجمهورية ومحافظي المحافظات والوزراء أن يبرهنوا بأنهم يقدرون تضحيات الفدائيين الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم مجانا لكي يصير هؤلاء حكاما على الناس لا إن يتنكروا لتلك التضحيات ويتصرفون وكأنهم جاءوا إلى هذه المواقع منزلين من السماء فيعيشون حياة الملوك ولأمراء بينما يطالبون الناس بالتقشف ويتحدثون عن شحة الإمكانيات ومحدودية الموارد.
إن الملف الأمني ليس مهمة السلطة وحدها وليس مهمة الأجهزة الأمنية وحدها بل هو مهمة جميع المستفيدين من الأمن والاستقرار والسكينة وهو المدخل لتوفر الخدمات وحماية المصالح والسير خطوات على طريق التنمية والنهوض والبرهان بأن الانتصار على العدوان والغزو قد حقق نتائج ملموسة تخدم مصالح الوطن والمواطنين.
ـــــــــــــــــــــــــ
* رئيس مركز شمسان للدراسات والإعلام.