شريعة الإخوان ليست شرع الله!

2013-02-05 12:34
شريعة الإخوان ليست شرع الله!
شبوة برس - متابعات

الثنائية في دور الخليفة كحاكم ورئيس ديني إلى الخلط في فهم الإسلام: عقيدة دينية أم حركة سياسية.

هكذا تريد الجماعات الدينية فرض شريعة الفقهاء، بينما انتهى التشريع الإلهي بموت الرسول.

 

تصر جماعات الإسلام السياسي على ضروة فرض الحكم بالشريعة الإسلامية، على اعتبار أنها "شرع الله" وقوانين منزلة من السماء يتوجب على البشر الإلتزام بها. ويعتبر الإخوان المسلمون أن الشريعة هي قوانين إلهية، بينما القوانين التي يصدرها المشرعون الذين ينتخبهم الشعب هي قوانين من وضع الإنسان.

كان النص على تطبيق الشريعة في الدستور المصري الجديد، من أهم نقاط الخلاف بين القوى المدنية وقوى الإسلام السياسي في اللجنة التأسيسة لكتابة الدستور في مصر، والتي انتهت بانسحاب القوى المدنية منها.

فهل حقا تمثل الشريعة الإسلامية – كما يحددها الإخوان في شعاراتهم – شرع الله أم أنها من وضع البشر؟

في 31 أكتوبر (تشرين أول) الماضي، نشرت جماعة الإخوان بياناً تحث فيه أبناء الشعب المصري الموافقة على أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للدستور، فما هو مفهوم الإخوان للشريعة الإلهية: "مما لا ريب فيه أن الشريعة الإسلامية هي أهم مكونات الشخصية المصرية، وأهم المكونات للهوية المصرية ... ومفهومنا للشريعة أنها نظام شامل للحياة... وإقامة الحكم الرشيد... مفهومنا نحن الإخوان المسلمين للشريعة الإسلامية، التي هي أهم القضايا التي ننشغل بها ونسعى لترسيخها في المجتمع، وتعرض إخواننا للاستشهاد والسجن والاعتقال في سبيل ذلك عبر عقود من الزمان، ولا يمكن بحال من الأحوال التفريط في المطالبة بهذه الشريعة الغراء.

لما كان الدستور هو القانون الأساسي الذي تنشأ عنه القوانين... فقد حرص الإخوان المسلمون دائما على أن تكون الشريعة في موضعها اللائق من هذا الدستور. ... من هذا المنطلق ... تم التوافق بين كل القوى السياسية (الإسلامية فقط) على إضافة مادة في الأحكام العامة تنص على ما يلي: مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".

فهل يعتبر آراء الفقهاء وتفسيرات الأئمة الأربعة جزءاً من "شرع الله"؟

بداية يجب أن نعرف أن النبي محمد لم يكن ثائرا سياسيا يطالب بإسقاط الحكم في مكة، وإقامة حكم جديد، بل كان رسولا نبيا يدعو لترك عبادة الأصنام والإيمان بوحدانية الخالق.

فالإسلام الذي جاء به محمد الرسول كان عقيدة وعبادة، وليس نظاما سياسيا.

وتقوم العقيدة الإسلامية على وحدانية الرب الذي لا يتمثل في صورة، وقيامة الأموات للحساب في الآخرة.

ونحن لا نجد في القرآن ولا في الأحاديث النبوية نصا واحدا يتحدث عن الإسلام باعتباره دولة، ولا عن الرسول باعتباره حاكما لدولة.

فمع أن النبي استطاع خلال حياته توحيد قبائل الجزيرة العربية في أمة واحدة، فهو لم ينشئ دولة سياسية ولم يشكل حكومة مركزية أو جيشا نظامياً.

كان اعتناق القبائل للإسلام يتمثل في النطق بالشهادة ودفع الزكاة، التي كانت توزع على الفقراء.

ولم ترد كلمة "حكم" في القرآن للدلالة على الحكم السياسي، وإنما جاءت بمعنى التحكيم: "فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم".

أما رجال السلطة – وكانوا عندئذ رؤساء القبائل - فقد أطلق عليهم القرآن تعبير: "أولي الأمر"، "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".

وهناك فارق بين الأمة والدولة.

فبينما تمثل الأمة جماعة من الناس تربطهم روابط الهوية والتاريخ والثقافة واللغة والأصل، فإن الدولة مؤسسة سياسية لديها وحدها الحق الشرعي لاستعمال القوة داخل حدودها، ولديها قوات مسلحة وجهاز إداري وبيروقراطية ومحاكم وشرطة.

ومع ذلك فإن النبي محمد لم يكون حكومة للأمة الإسلامية، كما لم يتحدث عن أية حكومة في المستقبل، ولم يطلق عليه القرآن صفة حاكم "وما محمد إلا رسول".

أما السبب الذي أدى إلى اعتبار الإسلام دين ودولة، فيرجع إلى نظام الخلافة، الذي بدأ بعد وفاة الرسول مباشرة.

فقد نشب خلاف بخصوص مستقبل الأمة الإسلامية التي أقامها النبي بعد وفاته، بدا وكأن تحالف القبائل الذي كونه سوف ينهار.

وبينما أراد الأنصار الاستقلال في إدارة شئونهم في المدينة، رغب المهاجرون الإبقاء على تحالف القبائل تحت إمرتهم.

اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار رئيس لهم، وعندما علم المهاجرون بأمر هذا الاجتماع، نصح عمربن الخطاب أبو بكر بالذهاب إلى السقيفة، وتحدث أبو بكر إلى الأنصار قائلاً: إن رئاسة العرب يجب أن تكون في قريش.

ثم رشح عمر أبا بكر ليكون رئيسا للمسلمين، وتمت مبايعته ليكون خليفة رسول الله.

وصار الخليفة أبو بكر رئيسا مدنيا للعرب ورئيسا دينيا كذلك، مع أن النبي لم يعين لنفسه خليفة ولم يتحدث عن الخلافة طوال حياته، كما لم يتحدث القرآن عن خلافة النبي، فالنبوة مسألة شخصية لا تورث.

رفضت القبائل دفع الزكاة للخليفة، حيث اعتبرتها التزاماً للنبي وللفقراء فقط.

وفي محاولة منه لتحويل الزكاة – التي هي من الأعمال الخيرية – إلى ضريبة تدفع للحكومة الجديدة، كون أبو بكر خزانة حكومية لجمعها، ودخل في حرب مع القبائل لإجبارها على دفع الزكاة وقبول سلطة الخلافة المركزية في المدينة.

ومع هذا فعندما امتد نفوذ الدولة الإسلامية خارج حدود الجزيرة العربية، وصارت الخزانة الحكومية تحصل على الضرائب والجزية من الشعوب التي حكمتها، لم تعد الزكاة فرضا على المسلمين يقدمونها إلى الحكومة بل صارت تقدم للمحتاجين مباشرة، وهو الوضع السائد الآن في جميع الدول الإسلامية.

عندما امتدت حدود الدولة الإسلامية لتصبح إمبراطورية واسعة بين الصين في شرقي آسيا وإسبانيا غربي أوروبا؛ كان على الدولة الجديدة إعداد القوانين التي تنظم أمور الناس.

واعتمادا على القواعد التشريعية التي وردت في القرآن والسُّنة، قدم الفقهاء وجهات نظرهم وتفسيراتهم لما يعتبرونه تشريعا يتناسب مع الدولة الإسلامية، بما في ذلك اقتباسهم لبعض القواعد المطبقة في الدول التي فتحوها.

وعندما قام قضاة الدولة الإسلامية وحكامها الاعتماد على بعض هذه الآراء في الأحكام التي أصدروها، صارت هذه الاحكام تعرف باسم الشريعة التي جمعها العثمانيون وقننوها، أي القانون الذي يحكم الدولة الإسلامية. وكما نرى فإن هذه الشريعة ليست قوانين إلهية وإنما هي من صنع البشر.

وبخلاف قطع يد السارق، الذي عطله الخليفة عمر لسبب معروف، تكاد كل التشريعات التي وردت في القرآن – الخاصة بالزواج والميراث - تكون متضمنه حاليا في القانون المصري.

أما اعتبار شريعة الدولة الإسلامية جزءاً من الإسلام فهو سوء فهم. فعندما اتسعت الدولة الإسلامية خارج حدود الجزيرة العربية، كان ولاء الشعوب التي اعتنقت الإسلام في هذه الدولة للخليفة بصفته حاكما، وكذلك بصفته خليفة للرسول في شؤون العقيدة، كان من الطبيعي لهؤلاء الذين اعتنقوا الإسلام اعتبار الخليفة رئيسا لكل من الدولة والديانة.

وقد أدت الطبيعة الثنائية لدور الخليفة كحاكم ورئيس ديني إلى الخلط في فهم طبيعة الإسلام وهل هو عقيدة دينية أم حركة سياسية.

هكذا تريد جماعات الإسلام السياسي فرض شريعة فقهاء الدولة الإسلامية على المصريين، باعتبارها "شرع الله"، بينما انتهى التشريع الإلهي بموت الرسول.

 

أحمد عثمان أحمد

باحث مصري

* المصدر: ميدل ايست اونلاين