بالتصميم والإرادة يصبح المستحيل ممكناً، ولو كان هذا الأمر المستحيل هو الذي يجعله بعض من يعيشون معنا وحولنا سبباً في تكاسله عن أداء عمله، ولكن بيننا شباباً لا يؤمنون بالمستحيل ولديهم عقول قادرة على التفكير وتحويلالفكرة البسيطة إلى فكرة عظيمة، والفكرة المستحيلة إلى نموذج يتحدى كلمة المستحيل، وأمثال هذه الأفكار تحتاج إلى رجال ذوي عزيمة صلبة وإرادة قوية قادرة على تبني المبادرة وبث روحها في الفريق الذي يحمل على كاهله عبء التنفيذ لهذه الفكرة أو تلك.
تحدي المستحيل هو ما دفع أبناء قرية ماس وهي قرية ذكرت في النقوش القديمة بأنها أرض زراعية خصبة تابعة لليزنيين أبان حكمهم الذي استمر من القرن السابع قبل الميلادي إلى القرن الثالث الميلادي كان موطنهم في وادي عبدان في مديرية نصاب بمحافظة شبوة، وماس تقع في رأس وادي ماس ويسكنها قبائل آل خليفه (آل كازمي وآل مهـدي) والمـشايخ وهم أغلبية سكانها وهي تقع كذلك على ملتقى عدد من الأودية الصغيره واشتهرت بهدوئها ووداعتها وظلت مقصداً للنحالين في مواسم الزراعة.
ماس زاخرة بشباب ونشطاء من أبرز نشطاء الحراك السلمي الجنوبي ليس في عاصمة محافظة شبوة عتق بل على مستوى محافظة شبوة عموماً سخروا جل وقتهم وعملهم الطوعي للحراك السلمي الجنوبي وقضية الجنوب العادلة، ولم يجدوا ما يعبرون به عن حبهم لهذا الوطن الحبيب(الجنوب) ألا أن يغامروا برسم علم الجنوب في أعلى قمم الجبال التي تحيط بقرية ماس، وقد اختاروا مكاناً مسطحاً وبعيداً وفي انحدار شديد والمخاطرة بالصعود إلى هناك غير مأمونة العواقب، ولكنهم صمموا على تنفيذها مهما كانت النتائج، وخططوا لكل شيء ورتبوا أمورهم وقاموا بتوزيع المهام أعلنوا عن هذه الفكرة وسرعان ما انتشر خبرها بين السكان وقد لاقت هذه الفكرة قبولاً لدى أغلب السكان وسارعوا بجمع التبرعات المادية من الداخل ومن المغتربين الذين لم يقصروا بل دعموا الفكرة وشجعوا الشباب وظلوا على اتصال بهم حتى تنفيذها مذللين كل الصعوبات التي لاقاها هؤلاء النشطاء الأبطال، وتم شراء الطلاء اللازم بألوانه الأربعة وتم ترتيب كل شيء لهذه المغامرة التي انتظروا تنفيذها بفارغ الصبر.
وحان اليوم الموعود والمنتظر لصعود الجبل وتنفيذ هذه الفكرة وصعدوا إلى قمة الجبل بعد ظهر يوم الخميس 24 يناير 2013م وبعد مشاركتهم في مسيرة يوم الأسير الجنوبي في عاصمة المحافظة عتق على الرغم من التعب والإرهاق الذي لاقوه في هذه المسيرة إلا أن تصميمهم كان أكبر من أي تراجع عن الفكرة حتى تنفيذها، وبالفعل حملوا علب الطلاء وأغراضه بالتناوب ولم يثنهم بعد المسافة ولا مشقة الطلوع والتعب والإرهاق الذي عانوه في أثناء صعود الجبل حتى وصولا إلى حيث أرادوا وبدأوا في رسم دولة الجنوب بألوانه الزاهية.
وقد تمكننا من زيارة القرية أول أمس ورأينا أعلام الجنوب على قمم الجبال وفي السهول وعلى مدخل القرية وعلى سطوح البيوت وانتشرت فوق أغلب البيوت والتقينا ببعض النشطاء هناك الذين أخبرونا أنهم يريدون المشاركة في حملة رفع مليون علم وذلك من خلال عزمهم على توزيع الأعلام على أغلب البيوت في قرية ماس وإعادة رسم العلم الجنوبي بأكبر مرتين عن حجمه الحالي وقد راقت الفكرة لكثير من أبناء قرية ماس في الداخل والخارج الذين بادروا بكل سرور إلى تبني تكاليف هذا العمل الجبار وشجعوا على تنفيذه قبل أن يجف العرق عن جباه النشطاء الأبطال، وبالفعل لم يمض إلا أسبوع واحد على إعادة رسم علم دولة الجنوب المحتل، حتى عاود هؤلاء النشطاء الكرة مرة أخرى إلى قمة ذلك الجبل وأعادوا رسم العلم هذه المرة أكبر بمرتين عنه في المرة الماضية.
كانت المفاجأة التي رأيناها في هذا الرسم ليس فقط في مضاعفة الرسم مرتين؛ بل في حالة الرضاء عن هذا الانجاز الكبير الذي قام به نشطاء قرية ماس وبدعم سخي من مناصري الحراك السلمي الجنوبي هناك الذين كانوا سعداء جداً بما حققه هؤلاء الأبطال وكأن لسان حالهم جميعاً يردد بصوت واحد: حب الجنوب يجمعنا، ولن نتراجع لن نهدأ حتى طرد المحتلين.
اعداد مهدي الخليفي – تصوير: محمد عبد الرحمن باجمال