بعد انهيار الدولة والحزب الاشتراكي نتيجة أحداث 13 يناير المأساوية عام 1986م التي حصدت اكثر من 10 آلاف قتيل وجريح من ابناء الجنوب في حرب مناطقية مغلفه بشعارات رفعتها القبائل الماركسية، وخسائر مادية جسيمة.
وتخلي الحلفاء التقليديين عن النظام الماركسي في عدن وخاصة الاتحاد السوفيتي المنهار هو الآخر الذي بدأت ملامح تفككه تلوح في الأفق ومعه باقي منظومة بلدان أوربا الشرقية التي عادت الى هويتها التاريخية كجزء لا يتجزأ من أوربا بعد أن سكنت رياح الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي.
وبعد حرب يناير تنفس الجنوبيون الصعداء خاصة عام 1990م للخروج من خلف الستار الحديدي الذي فرض عليهم في الفترة من عام 1967م-1990م، وسابقوا احلامهم الساذجة للخروج من خلف قضبان الدولة الحديدية في الجنوب الى وحدة يمنية اعتقدوا بعواطفهم البسيطة وحسن نواياهم انها ستكون افضل من النظام الدموي القمعي في الجنوب.
وفي الوقت نفسه كان علي سالم البيض امام خيارات صعبة لم يستطع تجاوزها بسبب رؤيته السياسية القاصرة وعدم حنكته السياسية، وبدلا من أن يتجه للمصالحة مع المكونات الجنوبية في الداخل والخارج بما في ذلك الاحزاب السياسية وينهي حواجز الكراهية والعداء المزمن معها.. وهي منتشرة في دول الإقليم بدلا من التصالح معها واحتوائها بعد انهيار الدولة في الجنوب.. والعمل في الوقت نفسه على فتح صفحة جديدة تقوم على الثقة وحسن الجوار والاحترام المتبادل لسيادة الجنوب وتطبيع العلاقات مع دول الخليج.. وهي القادرة لمد يد العون للجنوب ومساعدته للخروج من محنته وإعادة إعماره ..!
إلا انه عاد للتمادي في أحلامه التي تراوده في اليقظة والمنام بأن حزبه الاشتراكي الطليعي سيتمكن من حكم اليمن بأسره بالإضافة الى الجنوب .. او هكذا كان يوحي له ازلامه اليمنيون ..!
وفي الوقت نفسه كان لزاماً عليه مهادنة حكومة علي صالح في اليمن التي تتربص به خاصة وهي تحتشد بآلاف العسكريين وكبار رجال الزمرة بقيادة علي ناصر محمد.. الذين سيستخدمهم نظام صالح لاحقا كورقة ضغط رابحة ضد رفاقهم من بقايا الطغمة المنتصرة في حرب13 يناير 1986م في عدن..
ورغم تحذير عدة شخصيات جنوبية للبيض من مغبة الاندفاع نحو الوحدة الاندماجية مع اليمن.. إلا انه أصر على رأيه وقبل بمقترح صنعاء بقيام وحدة اندماجية في مايو 1990م.
وقد زار عدن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي رحمه الله قبل اعلان الوحدة واجتمع مع اعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي وحذرهم من الوحدة الاندماجية المتسرعة مع اليمنيين، وقال لهم:
"عجنا وخبزنا الشماليين طوال "40" عاما، ولم ينضجوا تماما مثل اللحمة التي توضع في الرماد وانا احذركم منهم"!!!!
- فردوا عليه بالقول :
- الوحدة اليمنية قدر ومصير ولن نتراجع عنها !
- فقال لهم: اذن اجعلوا لكم مخرجا من هذه الوحدة اذا لم تناسبكم؟؟!!!
ولم يقبلوا نصيحة الأمير سعود الفيصل !!
و أبو واستكبروا في فورة الحماس والعواطف الجياشة !!
ثم زار عدن وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية ونصحهم بالتروي، ولكنهم كابروا وأبوا ..!
وتم التوقيع على الوحدة الاندماجية لفترة انتقالية مدتها سنتين ونصف على أن تجري في نهاية الفترة انتخابات عامه والفائز فيها يشكل الحكومة والبرلمان.
وتحالف المؤتمر والاصلاح معا وحققا الهدف وسيطرا على البرلمان والحكومة، وبعدها بدأت مأساة الجنوب.. عندما قام رجال الدين بتكفير الحزب الاشتراكي وبدأت اعمال الاغتيالات ضد كوادره حيث سقط منهم 150 رجلا، من كوادره وتأزمت الأوضاع بين شركاء الوحدة .
وذهب البيض للاعتكاف في عدن.. وتدخلت اطراف عربية عدة..
وكحل للأزمة تم صياغة وثيقة العهد والاتفاق في عمان وحضر ممثلو كافة الأحزاب اليمنية وعلي صالح والبيض، وتم توقيع الوثيقة برعاية الملك حسين عام 1994م،
وعاد البيض الى الرياض ثم الى عدن في حين عاد صالح إلى صنعاء وبدأ بشن الحرب في ابريل عام 1994م وتفجرت الحرب في عمران وذمار على الاولوية العسكرية الجنوبية وتمت ابادتها !!
ثم دارت رحى الحرب بين الشمال والجنوب واستمرت سبعون يوما.. وقام صالح بدفع كافة العسكريين من الزمرة المنهزمة التابعة لعلي ناصر محمد لديه منذ حرب 1986م في عدن بقيادة الحرب على الجنوب لتصفية حساباتهم مع البيض وجماعته وتم لهم مع القوات اليمنية احتلال عدن في 7 يوليو 1994م.
انتهى
* بقلم : د علوي عمر بن فريد العولقي
* للإطلاع على الحلقة الرابعة : اضغـــــــــــــط هنــا