من أهم الأسباب لقيام العنصر اليمني ومن مشوا في ركابه لتصفية الرئيس سالم ربيع علي الذي شعر بخطورة اللوبي اليمني في مفاصل الحزب والدولة الجنوبية، واستشعر الخطر المحدق بالجنوب وأهله من خطورة ذلك اللوبي.
وقد شكل ذلك لديه هاجسا يشغل باله، وقد تنبه اللوبي اليمني لما يدور في ذهن سالم ربيع وسعى ذلك اللوبي إلى استنفار واستحضار كل اعوانه ومقدراته وسمح لبعض الأحزاب المشبوهة الولاء مثل:
"حزب اتحاد الشعب الديمقراطي" الموالي لموسكو، ومنظمة حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال الحوار الذي بدأ بينها وبين الجبهة القومية والتي توجت في فبراير عام 1975م بعقد المؤتمر التأسيسي لـ " التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية"
مما أدى إلى تقوية الشمولية كخيار سياسي وحيد وحضر التعددية السياسية نهائيا، وتطبيق التجربة الاشتراكية للمعسكر الشيوعي حرفيا، وكان ذلك الاندماج يشكل الجزء الأكبر من العنصر اليمني في ذلك التكتل الجديد.
وبعد تلك العملية بدأ الصراع بين التيار الجنوبي واليمني داخل النخب السياسية من أجل تشكيل "حزب طليعي من طراز جديد" !! والذي يحاكي أي حزب شيوعي في المعسكر الاشتراكي .
ومن اجل ذلك بدأ الصراع بين النخب السياسية وانقسمت الى تيارين متضادين يتزعم الأول سالمين والآخر عبد الفتاح اسماعيل .
وقد اتضح ان الرئيس سالمين قد استشعر الخطر خاصة وان أغلب العناصر اليمنية تشكل غالبية الاحزاب المنضوية في اطار التنظيم الجديد .
وهذا يعني في المحصلة السعي لتصفية العناصر الجنوبية في مراكز القيادة في الوقت الذي كان سالمين يسعى حثيثا للخروج بالجنوب من عزلته العربية والاسلامية مما جعل اعداؤه يتربصون به, وقاموا بحشد الرافضين لتوجهاته وحشد الناقمين عليه ليس من أجل ازاحته عن السلطة بل لإعدامه هو وبقية رفاقه في انقلاب يونيو 1978م، وتحميله اوزار واخطاء وسلبيات المراحل السابقة التي تمت في عهده وهو ليس الا شخص واحد في طابور طويل من القيادات الحاكمة، علما ان قيادة الحزب هي التي تضع سياسية الدولة وهي من يتحمل وزر تلك المرحلة.
واتهم الرجل بسلسلة من الاتهامات منها الانعزالية والمغامرة والانتهازية علما ان قيادات الحزب تتصف بتلك الصفات بل والنظام السياسي كله يتصف بها، واتهم سالمين بأنه من نقل التجربة للبلاد من البلدان الاشتراكية مثل:
التأميم، والانتقاضات الفلاحية، ومزارع الدولة وغيرها من التجارب المستوردة التي طبقت في الجنوب !!
كما جرى الصاق تهمة اغتيال الرئيس الغشمي بسالمين وذلك انتقاما من اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي الذي كانت تربطه بسالمين علاقات وثيقة وصداقه شخصية!!
وكان انقلاب يونيو 1978م وقصف دار الرئاسة في التواهي بسلاح الطيران دليلا فاضحا على تلك المؤامرة الدنيئة، ومن سلم من قيادات الجنوب في تلك المذبحة تم القبض عليه واعدم بطريقة مذلة ومهينة.
وسيق المئات من الجنوبيين الى المعتقلات بسبب انتمائهم الى جناح سالمين وفقدوا وظائفهم وتمت تصفية العشرات منهم، وبقي البعض في غياهب السجون!!
وقد أدى ذلك كله الى تقوية العنصر اليمني وفاعليته داخل الحزب والدولة.. بل واستفحل نشاط ذلك العنصر بالتوسع في تشكيل وحدات عسكرية ومليشيات مسلحة تحت مسميات عدة تابعه للجبهة الوطنية وحزب الوحدة الشعبية مما عزز من موقف عبد الفتاح اسماعيل الذي عاد الى هرم الدولة والحزب .
وذهب للقاء علي عبدالله صالح في الكويت عام 1979م للاتفاق على وحدة فيدرالية بين اليمن والجنوب وكلاهما يمنيان يقرران مصير شعب الجنوب العربي فيما بينهما !!
و ازدادت الفجوة اتساعا بين العناصر اليمنية والجنوبية مما مهد لاحقا لإرهاصات13 يناير عام 1986م.. حيث كانت مقدماتها تعيين عبد الفتاح اسماعيل رئيسا لمجلس الرئاسة وفي الوقت نفسه كان سكرتيرا للحزب الاشتراكي اليمني ويعتبر ذلك تقليدا سائدا في المعسكر الشيوعي !!
وبرزت أزمة جديدة داخل النخبة السياسية وهي ظهور عجز عبد الفتاح اسماعيل عن القيام بدوره و بواجباته في الحزب والدولة، وقد أدت تلك الأزمة إلى إسناد رئاسية الدولة إلى علي ناصر محمد الذي كان يشغل ايضا رئاسة الحكومة.
. وتردد الجنوبيون في ظل الانقسام الحاد بينهم في مسألة حسم الصراع مع العنصر اليمني.. ولم يحسموه معهم في قيادة الحزب..!
واستطاع العنصر اليمني ان يقنع الجنوبيين المترددين ان الأزمة الناشئة هي صراع ايدلوجي بحت !!
مما أدى الى وقوف نسبة كبيرة من الجنوبيين في صف عبد الفتاح اسماعيل رغم قرار ابعاده الى موسكو!!
وقد ترتب على ذلك الفصل من العمل السياسي والوظيفة او الابعاد والنفي خارج البلاد او الإعدام كما حصل لكل من :
محمد صالح مطيع، وحسين محمد قماطه.
وعند تولي علي ناصر محمد قيادة الحزب قدمت القيادة برنامجا اصلاحيا حاولت فيه تلمس اخطاء المرحلة السابقة ووضع الحلول المناسبة لمعالجتها وتحقيق تنمية حقيقية.
وعندما بدأت تظهر للعلن تلك التوجهات الاصلاحية الجديدة كان اللوبي اليمني حاضرا وبقوة وحشد انصاره وأوهم الجنوبيين المتعاطفين معه ان تلك الأعمال الاصلاحية تسيرها عناصر يمينية مما أدى الى تمزيق النخبة الجنوبية وانقسامها بين مؤيد ومعارض لتلك الاصلاحات واستخدم اللوبي اليمني ورقة المناطقية سلاحا حادا وعنوانا لمرحلة الصراع القادمة.
والى اللقاء في الحلقة الرابعة
بقلم : د.علوي عمر بن فريد العولقي
* للاطلاع على الحلقة الثانية : اضغـــــــط هنـــــــــــــا