في مقالة سابقة كنت قد أشرت إلى إنه إذا ما أحاط الرئيس هادي نفسه "بطاقم رئاسي مهني يجمع بين الاحتراف والنزاهة والوطنية وعلم الإدارة السياسية والاقتصادية وكف عن سياسات الاسترضاء وتقريب المقربين، فإنه يستطيع أن يغير المعادلة لكبح جماح القوى الرافضة لبناء الدولة والانحياز إلى الغالبية العظمى من الشعب الحالمة بمجتمع خالي من العصبيات والتمايز والعجرفة والهمجية".
واختتمت مقالتي بالتأكيد أنه إذا كان هادي " ينوي الإقدام على مشروع كبير مختلف عن المألوف التقليدي الذي لاكته الألسن في اليمن نصف قرن دون أن تُرى له صورة فهذا شيء وإما إذا ما استمر بالانشغال بمن معه ومن ضده وماذا قال فلان ماذا قالت علانة فإن وجوده في عدن أو في صنعا ، في البيت أو تحت الإقامة الجبرية، رئيساً أو مواطناً عادياً، حراً أو مختطفا، كلها أمور سواء".
وقد سألني كثيرون عبر وسائل التواصل المختلفة ماذا تريد من هادي أن يفعل، ووعدتهم بالإجابة من خلال هذه المقالة.
إن المطلوب من الرئيس هادي كثير وكثير جدا، خصوصا وقد عاش التجربة المرة خلال الوقوف وسط حلبة من المتصارعين المتعجرفين الذين حاول أن يسترضيهم وهم يمقتونه أكثر مما يمقتوا بعضهم بعضا، لكنني سأختصر حديثي على قضايا رئيسية في ما أتمنى من الرئيس هادي أن يفعله وأهمه:
1. الكف عن الرهان على مراكز القوى والتصرف كرئيس مستقل يمنحه الدستور والقانون ما لا يمكن لأي من مراكز القوى أن تمنحه من الحقوق والواجبات، ويعلم الرئيس هادي إلى أين وصلت به سياسات الرهان على مراكز القوى ومحاولة استرضائها.
2. التخلص من مستشاري السوء: إن مستشاري السوء هم مجموعة من المنتفعين التكنوقراطييين، أو عديمي الكفاءة ويتميزون بمجاراة الزعيم وتصوير الأمور له كما يتمنى أن تكون لا كما هي على الأرض، وهم الذين يقول عنهم العامة "يضعون النصع حيثما تحط رصاصة الزعيم" هؤلاء هم من تسبب في خراب الدول ودمار الامبراطوريات وانهيار الحضارات لأن استشاراتهم السيئة تترتب عليها صناعة قرارات مصيرية كثيرا ما أدت إلى كوارث مدمرة، والباقي يفهمه الرئيس هادي.
3. التخلص من أصحاب التاريخ الملوث، وما أقصده هنا أن من بين المحسوبين على الرئيس هادي، وللأسف بعض المقربين منه لهم سجل قبيح من السمعة السيئة، وهم ليسوا فقط شركاء في النهب والسلب والبسط والقمع والإجرام، بل وفاعلين رئيسيين في صناعة هذه الظواهر، وما يزالون مستمرين في هذه الممارسات، متكئين على علاقتهم أو قرابتهم بالرئيس، وهم أكثر من أساء إليه واستخدمهم خصومه في مهاجمته، والتخلص من هؤلاء لا يعني إعدامهم من الوجود لكن حرمانهم من السلطات التي وصلوا إليها بفضل فخامته، أما إذا ما تمكن من تقديمهم للمحاسبة فهذا لن يكون إلا محل ترحيب من غالبية الشعب، ولسنا بحاجة إلى تسمية المقصودين بهذا فالرئيس يعرفهم حق المعرفة.
4. أن يكون لديه مشروعا جديدا يتواكب مع مستجدات الحياة العصرية، سياسيا واقتصاديا محليا وعالميا، ثقافيا وأخلاقيا، فاليمن (شمالها وجنوبها) تستحق أن يكون لديها حياة تليق بأناس يعيشون القرن الواحد والعشرين، وهذا الأمر يتطلب زعيما جادا متميزا واسع الأفق مبتكرا منفتحا على المثقفين والمبدعين والمخترعين، والعلماء قادرا على استيعاب ما يعيشه العالم اليوم من ثورات عاصفة في علم الإدارة وتكنولوجيا المعلومات، والارتقاء بالخدمات، وتجريم الفساد، واعتماد الشفافية والمساءلة وإرساء مبدأ الثواب والعقاب، وغيرها من مقومات الحكم الرشيد الذي يحمي المجتمع من أوبئة مخلفات العصور الغابرة والتي ما تزال حاضرة بقوة في حياة اليمنيين.
5. التخلص من عقدة الخصومة مع الجنوب، فالشعب الذي تصالح وتسامح فيما بينه هو أقدر وأكفأ بأن يتسامح مع رئيس صاحب مشروع مستقبلي، وعلى الرئيس عبدربه منصور أن يعلم أن الجنوب لا يحاسب ما أخطأ في حقه إذا ما عاد وأحسن إليه، وبوسع الرئيس هادي أن يخرج من هذه العقدة، وأن يعلم أن الجنوبيين لن يكونوا أشد عداء له من أولائك الذين أحسن إليهم فجحدوا إحسانه، وإن الجنوب هو الحاضنة الحقيقية له ولأي مشروع نهضوي ينوي الإقدام عليه، وعندما يلمس الجنوبيون أنه يقدم ما يخدم مصالحهم ويحميهم من التمييز والإقصاء ويعيد لهم ما فقدوا من حقوق مادية ومعنوية واعتبارية فإنهم لن يقفوا إلا في صفة ومدافعين عليه أما إذا ما استمر في التعامل معهم تبعا لعقلية المنتصر في حرب 1994م أو المهزوم في 1986م فعليه أن يعلم أنه لن يجد مكانا لا في الجنوب ولا في الشمال.
6. أن يتجاوز عقدة المستمسكات التي يحاول البعض توظيفها ضده وابتزازه بها، والتي بدأت تتجلى في بعض ما سرب من مكالماته ولقاءاته، فهذه كلها بنت لحظتها ويعرف الجميع لماذا يجري تسريبها وما الهدف منها، وهي ستندثر من ذاكرة الناس تحت تأثير من ينتظرونه منه من الإنجازات.
7. هناك خطوة لها قيمتان تكتيكية واستراتيجية، وتتمثل في بناء تحالف عريض يمثل السياج السياسي الذي من المفترض أن يعتمد عليه الرئيس (أي رئيس) في إيصال سياساته إلى الناس، لقد راهن الرئيس هادي على لعبة التوازنات بين مراكز القوى، ولم يفلح في بناء تحالف عريض يكون الوعاء السياسي الذي يحمي السياسات التي سيتبناها، وهذا التحالف ليس بالضرورة أن يكون حزبا جديدا، بل يمكن أن يحوي جميع القوى الداعمة لمشروع الرئيس والمنحازة لخيار الدولة المدنية، ولعل الرئيس هادي يتابع هذه الأيام ما تبثه القنوات الفضائية وما يعتمل في مدن اليمن من حملات شعبية لتأييده، ولعله يعلم أن الآلاف ومئات الآلاف الذين يتظاهرون تضامنا معه ورفضا للانقلاب عليه معظمهم ممن لم يجنوا أي مصلحة منه، وأتصور أن قلة قليلة فقط من أصحاب المصالح التي حققوها بفضل الرئيس هادي يعلنون اليوم رفضهم للانقلاب عليه بل وأجزم أن جزءا كبيرا من هؤلاء قد اختاروا دعم الانقلاب وتخلوا عن هادي رغم ما قدم لهم.
لقد كان الرئيس هادي يعمل بدون غطاء سياسي فقد تخلى عنه حزبه الغارق في الفساد، وانفك من حوله أصحاب المصالح، وبقي وحده في وجه العاصة ولم يقف في صفه إلا الشرفاء من المواطنين العاديين والمثقفين والقادة السياسيين، ومنهم من ظل يتعامل معهم بارتياب وربما بعدائية، إن هؤلاء هم من ينبغي أن يبني الرئيس هادي تحالفه معهم وبهم ومن خلالهم.
فهل يفعلها هادي ويتحرر من عقدة الرئيس الموظف وينتقل إلى موقع الرئيس القائد!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحة الكاتب على الفيس بوك.