الآن وبعد أن دخلت الأمور مرحلة جديدة قد تحمل في طياتها سلاما او حرباً، ولم تعد قابلة للبقاء ضمن تفاصيل بين النقيضين (السلام والحرب) هل آن الأوان لأن يعيش الشمال سلاماً واستقراراً بعد سيطرة حركة الحوثيين القوية على محافظاته بمقابل سلام واستقرار في الجنوب الذي يسيطر الحراك الجنوبي على محافظاته أيضا؟.
قولنا هذا تظهره مؤشرات عديدة، بدأت تتشكل في الواجهة، حيث يمكن أن يكون الاستقرار من خلال فتح المرحلة لكل الأبواب التي كانت مغلقة لحل القضايا الرئيسة، وفي مقدمتها قضية الجنوب وبشكل جدي، غير أن المكابرة على ذلك قد يدفع بالأمور إلى ما لا تحمد عقباه، وتنقلب إمكانية صنع الاستقرار والسلام إلى صراع طويل الأمد، ولكنه ليس سلميا مثلما كان سابقاً، بل سيتجه نحو أخذ السلاح والدخول في أتون بؤر صراع مستمرة، ولعل المتابع عن كثب للتطورات المتسارعة الأخيرة يدرك حجم الخطورة التي آلت إليها الأمور، نتيجة تراكم القضايا الوطنية والأخطاء على مستوى اليمن شمالاً وجنوباً، لا سيما بروز دعوات لحشود وحشود مسلحة مضادة يسعى كل منها بالإصرار على مواقفها حتى وإن كانت على باطل.
إن أي انزلاق نحو أخذ السلاح في الجنوب الذي صبر طويلاً واستمر بثورته السلمية يمتص جرائم ومجازر ارتكبت بحق أبنائه، وخاصة الأخذ غير المنظم للسلاح سيؤدي ليس إلى انفراج في المشهد، وإنما إلى اللحاق بما آلت إليه الأمور في الشمال نتيجة حمل السلاح والتقاتل الذي بات يدمر كل شيء هناك.
وحمل السلاح في الجنوب إلى جانب التقاتل به في الشمال بين الفصائل المتصارعة هناك لن يكون لمصلحة الجنوب ولا للشمال، بل قد تصل الأمور بالجميع إلى منزلقات وقعت فيها دول أخرى كــ(سوريا والعراق وليبيا)، ولن يستطيع بعدها أحد الخروج أو مغادرة المشهد والعودة بالأمور إلى الوراء.
يملك الجنوب قضية عادلة، ومن حقه نيل استقلاله، هذا كلام لا جدال فيه، لكن على الجنوبيين أن يعوا أن ثورتهم السلمية يجب الحفاظ عليها، لأنها السبيل الوحيد للخروج من المشهد الشمالي المسيطر بأقل الخسائر وبنتائج مضمونة، وبالأخص مع توسع رقعة المواجهات بالشمال، وترقب لانفجارات أخرى للمعارك في مأرب وتعز، وانطلاق دعوات خلال الأيام القليلة الماضية لتشكيل حركات مسلحة لحماية ما تسمى “الوحدة اليمنية” بما يعني اقتحام مليشيات شمالية للجنوب بمساندة قوات الجيش الشمالي المتواجدة بالجنوب.
من حق الجنوب ومن حق الشمال أن يعيشا بسلام واستقرار بعد معاناة طويلة مع الصراع (الشمالي الشمالي والجنوبي الجنوبي والشمالي الجنوبي)، وذلك لن يتحقق إلا بحصار السلاح ومنعه من الانتشار، وعدم الاندفاع إليه باعتباره وسيلة وحيدة لتحقيق الأهداف، لكون المرحلة لا تزال قابلة للحل السلمي لقضية الجنوب، وكذلك لقضايا وصراعات الشمال الداخلية.
من هنا يمكن القول إنه يكفي صراعات وحروب وقتل، فالأمراض وحدها التي تفتك بالجميع ويزج بالآلاف إلى المستشفيات هي أكبر حرب، إلى جانب الفقر والعوز والتدهور التعليمي والصحي والمعيشي.
لهذا فإن الأمن والاستقرار في الشمال والجنوب ومنع فتح جبهات حروب جديدة، وإيقاف الصراعات الدائرة يجب أن تكون كإجراءات عاجلة يشارك بها الجميع، فالإنسان هو أساس الحياة وتدميره أو قتله وترويعه يعني تدمير الحياة والعيش في غياهب مظلمة لن يكون الخروج منها قريباً.
* الأيام