تمر بلادنا وشعوبنا بمرحلة بالغة الدقة والتعقيد, وتميزت بنوع من الغموض, لما يشوبها من أحداث لا تجد لها تفسيرات منطقية وعقلانية ولا حتى أخلاقية, فما نشاهده اليوم من حروب مذهبية بشعة وكراهية بين الشعوب. وتمزيق لنسيج المجتمعات والشعوب والدول , كل ذالك منشأه المخططات الإستراتيجية التي وضعت منذ قرون وهدفت الى خلق ودفع قوى التطرف الشيعية والسنية للواجهة والمواجهة والحرب, ويتم الأن تنفيذها, وأمة إقراء لا تقرأ ولا تبحث.
إن ما يحث في بلاد العالم العربي والإسلامي بعيد كل البعد عن ما هو في ذهن البسطاء من الناس, إن الاتصالات بـ تيارات الإسلام السياسي واختراقها وتجنيدها دائمة ومستمرة في الخفاء, كما حصل من قبل مع العديد من التيارات الغير متبنية الإسلام منهجا للتغيير, وتم توظيفها في حقبتها الزمنية وفقا للمخطط المراد لها وطواها النسيان.
بدأت العملية بترتيب الأمور لوصول بعض هذه التيارات الى الحكم, كحليف جديد وبشكل مختلف, ظاهره العداء لأمريكا وإسرائيل وباطنه التعاون الكامل معهما. تحت قاعدة حرب الأقوال لا تغير من الواقع شيئي.
وهكذا وصلت بعض التيارات الإسلامية الى الحكم , بهدف زرع الفتنة بين المسلمين وتقسيمهم وتفكيك الدولة المركزية والجيش والأمن. من خلال تبنيها المذهبية والطائفية أساسا لبناء الدولة. والهد ف النهائي هو تدمير الأمة الإسلامية والقضاء على الدور التاريخي للإسلام وتغيير الواقعين الجيوبوليتيكي والديني في المنطقة العربية لتعيش إسرائيل كدولة يهودية في المنطقة أمنة ومهيمنة.
قامت هذه الإستراتيجيات على فكرة الفيلسوف الإنجليزي برتنارد راسل والتي وضعها في كتابه (أثر العلوم في المجتمع) عام 1951م. حيث قال (( يتزايد سكان العالم حاليا بمقدار 58 الف نسمة في اليوم الواحد , ولم يكن للحرب حتى الأن اثر عظيم على الحد من هذه الزيادة لقد ثبت أن الحرب مخيبة للآمال في هذا الخصوص (انظروا ثقافة الحروب لديهم مؤدلجة لأهداف اقتصادية ) لذالك يجب أن نبحث عن وسائل بديلة للحرب بين الدول , حينئذ سيكون من السهل أن يتحول جزء كبير من العالم الى قطعان من الفلاحين التي خبرها الأجداد في القرون الوسطى و ويكون من السهل على الدول الصناعية الكبرى أن تقود العالم)).
فكرة ( ترييف العالم وتفكيكه) وجعله سلة غذاء للدول الصناعية الكبرى وتحويل البشر الى عبيد كل عملهم إعداد مائدة الطعام للسيد الصناعي الكبير, ما هي إلا تحويل فكرة راسل الى واقع معاش ومطبق. وهذا هو منهج المحافظين الجدد في أمريكا حيث تحولت هذه الفكرة عام 1975م الى خطة مكتملة الأركان في ثلاثون مجلد, وهي خطة المستقبل. وخرج الى العالم ما اطلق عليه ( مشروع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية لحقبة الثمانينات) وشارك في إعداد هذا المشروع كبار العقول الإستراتيجية .
اذا هناك العديد من الدراسات والاستراتيجيات والمخططات التي تستهدف تدمير المنطقة أهمها:
1- لماذا لا (why not).
2- مشروع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية لحقبة الثمانينات (30 مجلد) .
3- الإسلام الذي نريد ( (Modern Islam. ((Rand Organization
4- حدود الدم (Blood Borders ) لرالف بيترز مجلة القوة العسكرية الأميركية ("AFJ" Armed Forces Journal).
وتلخص كل هذه الدراسات الإستراتيجية و المخططات 3كلمات ( الترييف والتفكيك والتنظيف )
ملخص وأهداف هذه الدراسات والخطط :
1- إستغلال وتوظيف الموروث الثقافي (الديني, المذهبي, الطائفي, القبلي) لدى شعوب المنطقة في تأجيج الكراهية بين المذاهب والقبائل والمناطق وتفجير الصراع بين مكونات المجتمع.
2- تضخيم الروح العنصرية بين أبناء الدولة الواحدة.
3- تقسيم المسلمين الى سنة وشيعة وتقسيم السنة الى أنصار الدولة الإسلامية وخصومها ودفعهم لمقاتلة بعضهم البعض.
4- خلق ودفع قوى التطرف الشيعية والسنية للواجهة والمواجهة والحروب على أن تكون هذه الحروب لا تحكمها أي معايير دينية أو أخلاقية أو قانونية وذالك لتقدم صورة بشعة ومشوهة عن الإسلام ليدمغ ويربط في الأعلام بالوحشية والهمجية والإرهاب والتطرف.
5- إشاعة الحروب الأهلية والطائفية والعنصرية والقبلية في الدولة الواحدة. مما يترتب عليه إبادة بعظهم البعض بأيديهم.
6- ( التفكيك المنضبط) للدولة واقتصادها .
7- القضاء على مفهوم الدولة (الوطن) وخلق مفهوم جديد يقوم على المذهب والعرق والعنصر والقبيلة.
8- إشاعة الفوضى الاجتماعية والحروب الإقليمية بين الدول الجارة, من خلال إشاعة الفتن الدينية والعرقية والحدودية .
النتائج التي تؤدي اليها هذه الإستراتيجيات والخطط:
1- تصوير وتقديم الإسلام الى العالم بأنه دين الوحشية والتخلف والإرهاب ليسهل ضرب المسلمين والحد من انتشار الإسلام..
2- إدخال منطقة الشرق الأوسط في أزمات اقتصادية طاحنة تستنفذ موارده وثرواته.
3- تقسيم دول الشرق الأوسط الى مناطق صغيرة متحاربة قائمة على الكراهية والبغضاء والتناحر.
4- السيطرة على ثروات المنطقة.
5- التسويق والتدمير والتنظيف والتعمير [سنبيعهم السلاح ليتقاتلوا به والمنتجات ليعيشوا عليها لمزيد من القتال وهم يدمرون ونحن نعمر وننضف ما يدمرون ] (المنظفون (Cleaners .
فهل من يقراء من أصحاب القرار والسياسة والثقافة أم أننا في زمن ( من يرى لا يستطيع ومن يستطيع لا يرى
* الدكتور عبده سعيد المغلس - سياسي ومفكر يمني