حول عودة العسكريين الجنوبيين
د.عيدروس نصر النقيب
هناك فئتان تشعران بالسرور لتباطؤ الخطوات التي تسير عليها عملية تنفيذ النقاط العشرين المقدمة من قبل اللجنة الفنية للحوار الوطني، والتي وعد رئيس الجمهورية بتبنيها باعتبارها مقدمة ضرورية للسير نحو مؤتمر الحوار الوطني.
أتحدث هنا عن نقطة واحدة من العشرين نقطة وهي المتعلقة بإعادة العسكريين الجنوبيين المبعدين بعد حرب 1994م إلى أعمالهم، هاتان الفئتان هما: جزء كبير من المتنفذين العسكريين، بل والمدنيين، ممن صنعوا حرب 1994م واستفادوا من نتائجها، سواء بتبوء مواقع عسكرية ومدنية بديلا عن القادة المبعدين أو بنهب مستحقات الجنود والضباط والموظفين على مدى عشرين عاما أو من شاركوا في عمليات السلب والنهب وراكموا المليارات في أشهر بفضل سياسة الاستباحة التي تعرض لها الجنوب، أو ممن يشعرون ببقاء الكراهية الناجمة عما قبل وما بعد الحرب وهو السلوك الملازم للحروب أي كان طبيعتها وأسبابها ونتائجها.
تلك هي الفئة الأولى التي ربما ستعمل كل ما في وسعها من أجل الحيلولة دون الحل الجذري لهذه الجزئية الصغيرة من مكونات ما تعارف عليه معظم اليمنيين بـ"القضية الجنوبية"، أما الفئة الثانية فتتمثل في صف طويل من غير المواطنين والسياسيين الجنوبيين الراغبين في العودة إلى دولة 1990، وبالأصح الرافضين لدولة ما بعد 1994م والداعين إلى فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية، ويرى هؤلاء أن حل مشكلة الضباط والجنود الجنوبيين هو بمثابة حقنة مسكنة للحد من الحركة السلمية في الجنوب الرافضة لشكل الوحدة الراهنة.
الغريب في الأمر أن السير نحو إعادة هؤلاء المبعدين إلى أعمالهم يتم بسرعة أشد بطئا من سرعة السلحفاة، وإذا ما صح أن اللجنة المكلفة من وزارة الدفاع مهمتها استدعاء 450 ضابطا فإن هذا يؤكد فعلا أن المسألة لا تأخذ أي جدية وأنها أقل من مسكن موضعي، ذلك إن المبعدين هم جيش كامل بكل مكوناته من الألوية والوحدات والأسلحة والقوى وبكل التخصصات، وهو ما يعني أن أي قرار بإعادة هؤلاء إلى أعمالهم يستدعي التعامل مع الجميع وعدم استثناء أحد، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن خطوة كهذه يجب أن تعلن للملا وبقرار من رئاسة الجمهورية يشمل الجميع لا أن يتم بشكل سري وفي ظل كتمان أشبه بمن يتسلل إلى منطقة ممنوعة أو من يهرب مواد محرمة، ويتم من خلال قرار كهذا ليس فقط إعادة الجميع إلى أعمالهمم بل وتعويضهم عن كل الخسائر التي ألحقت بهم سواء ما يتعلق منها بالترقية أو التأهيل أو ما يتعلق بالحقوق المادية التي حرم منها هؤلاء طوال عقدين من الزمن وكان في الغالب يستحوذ عليها المتنفذون.
الذين يرفضون السماح للكوادر العسكرية الجنوبية من المتنفذين المشاركين في حرب 1994م يبرهنون أنهم لم يتخلصوا بعد من الشعور بالظفر في حرب عبثية دمرت كل شيء في اليمن وأنهم ما يزالون متمسكين بمنطق المنتصر والمهزوم، الذي يرى فيه المنتصر في المهزوم عدوا لا يجوز له العودة إلى الصف الذي تحارب معه رغم ما أظهره الضباط العائدون بعد 2007م من المهنية والكفاءة والإخلاص، . . . والرافضين من الجنود والضباط الجنوبيين المستدعين للعودة ومعهم عشرات الآلاف من المواطنين يرون أن القضية هي سياسية ويجب أن يقترن أي حل لها بالاعتذار عن الحرب والاعتراف بخطأها، والأهم من هذا الإقرار بالطابع السياسي للقضية الذي اقترن بتدمير الدولة وما استتبع ذلك من تعميم سياسات النهب والسلب والاستحواذ وما اقترن به من تعامل متعال مع كل ما هو جنوبي، ناهيك عمن يربط أي حل باستعادة الدولة والعودة إلى ما قبل 1990، وهو شعار يرفعه قطاع كبير من المواطنين والسياسيين الجنوبيين.
انتقاء 450 من بين جيش قوامه أكثر من ثمانين ألفا فضلا عن ما يقارب المائة ألف من المدنيين ورجال الأمن، من ضحايا حرب 94م، هذا الانتقاء لا يمثل حلا لقضية المبعدين من أعمالهم، ناهيك عن أن يكون حلا للقضية الجنوبية بكل أبعادها السياسية والقانونية والتاريخية والثقافية والنفسية والأخلاقية التي لن تحل لا بعودة 450 ضابطا ولا حتى 180 ألف مدني وعسكري لكنها يمكن أن تلاقي مدخلا لحلول تدريجية من خلال استئصال ثقافة التعالي والازدراء، وتوطين ثقافة المواطنة لدى من يرون أنفسهم أكبر من مواطنين وأقرب إلى الأنبياء والرسل لولا أنهم يمارسون النهب والسلب واللصوصية (وأحيانا القتل)، وبالخطوات الملموسة يمكن اتخاذ قرارات شجاعة واستثنائية تعيد الإحساس لأبناء الجنوب بأنهم جزء فاعل في المعادلة السياسية اليمنية لا مجرد مهزومين أعفى عنهم المنتصرون وسمحوا لهم بالعيش على الأرض التي هزموا عليها، والمقصود هنا خطوات سياسية تعبر عن التحرر من عقلية مكافأة المنتصر حتى وإن كان من اللصوص والمجرمين، ومعاقبة المهزوم حتى وإن كان من الوطنيين المخلصين والشرفاء المشهود بنزاهتهم وكفاءتهم، وهي خطوات يمكن أن تخفف من تأثير نتائج الحرب وإن كانت لا تلغيها، وأهم هذه الخطوات: التوجيه الصارم بإعادة كل ما تم نهبه من قبل المنتصرين سواء من وقفوا في صف الرئيس المخلوع أثناء الثورة الشبابية أو من وقفوا ضده، لأن هذه الثنائية للأسف لم تترك أي أثر إيجابي يخدم حل القضية الجنوبية، ثم التوجه الجاد لجعل الجيش اليمني جيشا للشمال والجنوب، وللسهل والجبل وللأبيض والأسود، وفي هذا السياق سيكون من المنطقي إعطاء الأولوية لأفراد الجيش الجنوبي الذي قضى بعضهم نصف عمره والبعض أكثر أو أقل في الخدمة العسكرية، وإنصاف المتضررين من سياسة الإبعاد، وإعادة النظر في شكل الدولة وشكل نظام الحكم على النجو الذي يسمح بالتوزيع العادل والمنصف للسلطة والثروة بين المركز والأطراف، وبين الفئات والطبقات الاجتماعية المختلفة التي يفترض أن أفرادها متساوون في الحقوق والواجبات، وإنه ليس هناك من له كل الحقوق وليس عليه أي واجب وهناك من عليه كل الواجبات وليس له أي حقوق، وبعد ذلك يمكن الحديث عن قضايا تفصيلية أخرى في إطار إعادة تضميد اللحمة الوطنية مما ألحقتها بها سياسات الإقصاء والنهب والاستعلاء من جراح غائرة قد لا تعالج في عقد أو عقدين من الزمن.
برقيات:
* يأتي اغتيال الشهيدين محمد سالم العامري ومحمد سالم المنهجر في محافظة شبوة علي يد أفراد من الأمن المركزي ليؤكد أنه لا تغيير رئيس الجمهورية ولا تغيير رئيس الوزراء ولا وزير الداخلية ولا قائد الأمن المركزي ولا أركانه، يمكن أن يلغي سياسة القتل التي يواجه بها الجنوبيون، لقد استمرأ القتلة شرب دماء الضحايا بعدما لم يجدوا من يردعهم، ترى من الضحية القادم يا سيادة وزير الداخلية؟
* إذا ما صحت الأنباء القائلة بأن طائرات سعودية تساعد الطائرت الأمريكية بدون طيار في مطاردة المستهدفين على الأراضي اليمنية ، وقصف مناطق داخل اليمن، فإن هذا يعني أن الأراضي والأجواء اليمنية قد صارت مستباحة من قبل كل من هب ودب، وهو ما يستدعي تكوين رأي عام شعبي رافض لكل هذه الانتهاكات طالما عجز السياسيون عن القيام بواجبهم.
* قال الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري:
يا صاحِ! إن حـــاوَرْتَ آخرَ، مُشفِقٌ يَبغي رَشادَك، جاهِداً أن تسْكتا
كم بكَّتَ الموتُ الحريصَ على الذي يأتي، فسَـــــــحّتْ مقلتاه، وبكّتا
قد زكّت الـــــقَدَمانِ في غيرِ الهدى، ويَداه عــــــــــمّا حازه ما زكّتا
والنّفْسُ شكّتْ في يقـينِ الأمر، والــ ـكفّانِ، أن رمــــتَا، قنيصاً شكّتا
ما انفكــــــــّتا، ولديهما سَبَبُ المُنى، تتمـــــــــــسّكانِ به إلى أن فُكّتا
لم تشف ذنبي المـــــــكّتانِ، وإنّ لي شفـــتين، أخلافَ المعيشة، مكّتا