تتردد جماعة "أنصار الله" في الإعلان عن موقف واضح من القضية الجنوبية، وتستخدم نفس العبارات الهلامية والمطاطة التي ظل علي عبد الله صالح وحلفاؤه يستخدمونها بشأن هذه القضية كالقول "نحن مع الحل العادل للقضية" أو "يجب رفع المظالم الواقعة على الجنوب" أو "لا بد من استعادة الناس لحقوقهم" وغيرها من العبارات الزئبقية التي تقبل عشرات التأويلات المتناقضة والمتباعدة، ولم نسمع حتى اللحظة رأي ولو غير مباشر يقول أنه من حق الشعب في الجنوب أن يقرر مصيره بنفسه، ويزيد الموقف تعقيدا الحديث عن تحالف بين علي عبد الله صالح و"أنصار الله" وهو ما يؤكده حديث كل الناطقين بالحوثية الذين يقولون أن صراعهم مع علي عبد الله صالح انتهى في 2011م وكتابات كتابهم وتصريحات ممثليهم الذين يتحاشون الحديث بأي كلمة عن "الزعيم الرمز"، وما يعنينا هنا أنه إذا كان تحالفهم يتعلق بتعديل ما أحدثته ثورة 2011م وبالتحديد الثأر من التجمع اليمني للإصلاح وحلفائه فإنه بالنسبة للجنوب لن يعني سوى أمر واحد وهو الإبقاء على نتائج حرب 1994م كما هي وإن جرى تعديل فلن يكون أكثر من إعادة تقاسم الغنائم التي صنعتها الحرب اللعينة على نحو جديد يتناسب مع التعديل الذي حصل في توازنات القوى في صنعاء.
لست ممن يصدقون كل ما تقوله الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن مراكز القوى وأصحاب النفوذ في صنعا يخططون لنقل صراعهم من صنعا وإب ورداع إلى الجنوب (وهذا ما تقتضيه وحدويتهم وتمسكهم بالتوزيع العادل لخيراتهم على الشمال والجنوب على السواء).
الحديث عن تدفق مجاميع من أنصار "أنصار الله" إلى الجنوب لتنفيذ مهمة ما يجعل الجنوبيين جميعا يلحون على طرح السؤال عشرات المرات: إذا كان الحوثيون مع الحل العادل للقضية الجنوبية فما هو الحل العادل في مفهومهم؟ وبتوضيح أكثر هل سيقبل الحوثيون (وهم اليوم صانع القرار الأقوى في اليمن) بمنح حق الاستفتاء لشعب الجنوب ليقرر ما إذا كان يريد استعادة دولته أو البقاء في إطار الوضع الحالي؟ وهل سيقبلون بنتائج هذا الاستفتاء إن حصل؟
لسنا ضد أن يتحالف الحوثيون مع علي عبد الله صالح فهذا شأنهم وشأنه، وإن كنا نتمنى أن يؤكدوا أو ينفوا حصول مثل هذا التحالف، ليبني العالم على هذا الأساس تصوره عنهم، لكن إذا ما كان علي عبد الله صالح يريد إدخال "أنصار الله" معه في الحرب على الجنوب بعد أن عجز عن إجبار شعب الجنوب على الخضوع له، فإننا نقول لهم: إنه يرسلكم إلى المحرقة، ليس فقط لأنه ليس لديكم قضية مع الجنوب وليس لكم حق عند الجنوب والجنوبيين، لكن لأن علي عبد الله صالح الذي قد يمولكم وقد يسهل لكم إسقاط بعض المناطق سيمول (أنصار شريعته) وسيسهل لهم إسقاط مناطق مقابلة ليقربكم وإياهم من بعض حتى يسهل إحراقكم بهم وإحراقهم بكم وبهذا سيتخلص منكم ومنهم معا، وقد يتخلص منكم ويبقيهم ورقة مستقبلية لأي ظرف كما حافظ عليهم منذ الثمانينات حتى اليوم فلستم بالنسبة له بالمقارنة معهم إلا حلفاء عابرين بعد أن ظل يكويكم بنيرانه ويغتال قياداتكم ويدمر أرضكم ومزارعكم ويصفكم بأقبح الأوصاف والنعوت.
لست بصدد شرح ما عانيتموه من علي عبد الله صالح ونظامه وحلفائه (سابقا) فأنتم أدرى بها مني، ولا في وارد وعضكم في ما ينفعكم وما يضركم، لكنني كواحد من أبناء الجنوب وممن رفضوا الحرب ضدكم طوال سنواتها البغيضة، أرفض أن تتحولوا من مظلومين إلى ظلمة أو شركاء للظلمة، وأبغض من هذا أن يكون ضحية ظلمكم شريكا سابقا لكم في المظلومية من نفس الظالم الذي تتحالفون معه اليوم.
أقول هذا ليس خوفا مما قد تفعلونه في الجنوب لأن نتائج الأفعال المغامراتية ليست دائما كما يخطط لها المغامر، ولظني أنكم لستم على هذا المستوى من التهور والطيش، ولكنها رسالة من مواطن يدرك أن العابثين وصناع المكائد لن يتركوا أحدا وشأنه وأكثر من هذا لن يكفوا عن محالات التخلص من القوى الفاعلية والمؤثرة على الساحة حتى وأن تحالفوا معها وأبدوا لها الود والحميمية "فكثير من الخنق قد يأتي عن طريق شدة العناق"، أما شعب الجنوب المسالم فهو لم يختر النهج السلمي خوفا أو ضعفا، بل لقد فضله كقيمة حضارية وكمنهج ثوري مدني حديث ومشروع وكثقافة تربوية تترسخ في وجدان الأجيال أثبتت أنها أقوى من جلاوزة القتل ومحترفي الإجرام وما يملكون من دبابات وطائرات وصواريخ، لكنهم إذا ما أجبرتهم الظروف على خوض حرب الدفاع عن الكرامة والأرض والعرض لن يترددوا في ابتكار كلما من شأنه التصدي لكل من يحاول المساس بحقوقهم وإعاقة طموحهم في الحرية والكرامة واستعادة دولتهم المشروعة.
برقيات:
* لا أدري لماذا يصر وزير الدفاع محمد ناصر على استحضار تجربة اللجان الشعبية كلما برزت مشكلة هنا أو هناك، بينما لديه عشرات الآلاف من الجنود والقادة العسكريين المدربين والمؤهلين يمكنهم أن يفعلوا عشرات أضعاف ما تقوم به اللجان الشعبية إذا ما تم استدعاؤهم للعودة للعمل وبدون عشوائية وفوضى.
* ثم لماذا لا يقوم وزير الدفاع بتحويل اللجان الشعبية إلى عسكريين رسميين يتم منحهم أرقاما وبطائق عسكرية وتأهيلهم تأهيلا كافيا حتى يتم فرز الطالحين منهم من الصالحين، واعتبارهم جزءا من المؤسسة العسكرية؟
* قال الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان:
أنا جراحٌ لم تزل تخضب الطريقْ
تعيش في انتفاض يومي وغدي المشوقْ
وكل عرقٍ من دمي يموّه الشروقْ
أنا الذي على جراحي أمتي تفيقْ
لوكنت تدري من أنا
أنا انبعاث يتمطى من قبور الأعصرِ
مزمجراً كالقدرِ
يمزِّق السدوف في انطلاقه المدمرِ
ويزرع الضياء في احداق فجري الأخضرِ