الــحمــار الــوحــدوي

2014-10-10 06:50

 

 

لازلت أتذكر حكاية الرجل الذماري الأعمى الذي وقف على قارعة الطريق منتظراً أحد المحسنين أن يوصله إلى صنعاء.

 

جاءته فرصة العمر، إذ جاء رجل ومعه حماره وزوجته وابنه، وكان حمارهم محملاً بالحنطة والبن والشعير، أوقف الرجل المحسن الأعمى، وقال له ماذا تنتظر؟ رد عليه أريد محسناً يوصلني إلى صنعاء، قال له تفضل اركب حماري، ونحن سنسير على أرجلنا.

 

ظل الرجل الأعمى يتحسس فرج الحمار، ويسأل ما هذا؟ قالوا له هذه حنطة وهذا شعير وهذا بن.. وما اسم الطفل، قالوا ازال، واسم الزوجة، قالوا زيدية.. ولما انتهى من تساؤله ابتسم ابتسامة عريضة، وكأن السيناريو قد اكتمل.

 

وعندما وصل الجميع إلى صنعاء طلب المحسن من الأعمى أن ينزل من الحمار ويتجه صوب وجهته، فقد وصلا إلى المكان المطلوب، رفض الأعمى النزول من الحمار، وقال هذا حماري وهذي امرأتي وهذا طفلي.. وتلاسنا وتخاصما وتجمع حولهما المارة واستطلعوا الأمر، فوجدوا أن الأعمى المسكين على حق، وأن هذا المحسن يريد أن يظلم الأعمى، ويأخذ منه حماره وامرأته وابنه، وخذل الناس المحسن.. وهو يلعن (الودافة) التي قادته لهذا المصير المشؤوم.

 

ذكرتني تلك الحكاية بحكاية جيلنا الثوري الذي ظلت القوى المتحكمة تسقيه حليبه اليومي كل صباح، وهو يهتف بالنضال الثوري وتوحيد الوطن الأم، الذي يشرب من لبنها.

 

ظل جيلنا يحتفظ بحماره.. حتى جاءه الناصحون على تقديم الفضيلة، وطلبوا منه التكرم بحمل ذلك المسكين الذي ظلمته الإمامة، والعسكر والجوع، ولما كان جيلنا الثوري يمتلك تدفقاً عاطفياً، وقلباً أبيض وروحا ثورية، أعطى حماره، ولكن هذه المرة الحمار محمل بكنوز الذهب والنفط والمعادن النفيسة.. يهديها للأم التي كانت تسقيه حليباً مطلع كل نهار.

 

فلما وصلا إلى الخط النهائي حاولا أن يفترقا، ولكن أصوات الكثير من المتفرجين وقفت مع حليب الأم، وبعد تخاصمهما ظهرت للأم (جماعات) غفيرة هبت لنصرة الأم، وحملت السلاح، ودخلت الحواري والبيوت والحدائق والأرزاق، وطردت كل من كان يدعي أن الحمار حماره والأرض أرضه.. والسماء سماءه.

 

ووقف العالم كله يتفرج على الرجل المحسن الذي قدم كل شيء لجاره المسكين، واقتنع أن يعيش على لقمة خبز يابسة وبلا (خصار).. فكان حظه كما حظ الأعمى الذماري الذي تقمص العذر وتحصل على مراده دون مشقة أو تعب.

 

لكن في نهاية الحكاية أن الذماري مات ورحل وغادر الحياة، وبقيت الزوجة والابن والحمار.. فهل سيرحل صاحب الحمار، ويبقى النفط والذهب والمعادن النفيسة، والجيل نفسه الذي غدر به الزمان، وضيع كل ما يملكه، وهل سيستعيده بعد رحيل ناهب الحمار، ويلعن (الودافة) التي أوصلته لهذا المصير المشؤوم؟.

 * الأيام