وجهة نظر: تنظيم الدولة الإسلامية بين الماضي والمعاصرة

2014-07-15 14:08
وجهة نظر: تنظيم الدولة الإسلامية بين الماضي والمعاصرة

عمليات قتل جماعية تقوم بها داعش لمخالفيها

شبوة برس - متابعات

 

دعوة التنظيم لإحياء بواكير عصر ظهور الإسلام تبدو للكثيرين كأنها محاولة استعادة قيم العصور الوسطى

 

رغم أن تنظيم الدولة الإسلامية يزعم أنه يحيي نظام الحكم الإسلامي، إلا أنه يبدو في كثير من الأحيان "معاصرا" باستخدامه وسائل حديثة. مراسلنا جون غراي يقتفي أثر تلك المفارقة.

 

عند رؤية زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، في الموصل وهو يعلن الخلافة، يتبادر إليك أنك ترتد إلى الماضي. فالوحشية التي يتعامل بها الجهاديون مع معارضيهم تبدو وكأنها آتية من حقبة مضت.

 

وتبدو دعوة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الذي أصبح يطلق على نفسه بعد ذلك الدولة الإسلامية، لاستعادة بواكير العصر الإسلامي لدى الكثيرين بمثابة محاولة لاستعادة قيم العصور الوسطى.

 

وأعتقد أن ذلك مؤشرا على نظرة التنظيم لنفسه، فلا يوجد وجه للشبه بين الدولة القمعية التي أسسها التنظيم في سوريا والعراق، وبين دول الإسلام في العصور الوسطى، مثل الأندلس التي قدمت نموذجا للتسامح في الوقت الذي امتلأت فيه أوروبا بصنوف الاضطهاد.

 

ويسعى التنظيم من خلال تدمير الأضرحة والمساجد القديمة إلى محو أي أثر للتقاليد الإسلامية. وهي غالبا أكثر قمعا من طالبان في أفغانستان، فهي أشبه بدولة شمولية في القرن العشرين منها لأي نوع من أنظمة الحكم التقليدية.

 

والمثير للدهشة أن التنظيم يتسم بالمعاصرة إلى حد كبير. ومثله مثل تنظيم القاعدة من قبله، ينظم هؤلاء الجهاديون أنفسهم كأكفأ المؤسسات. وسرعان ما أصبح التنظيم ذاتي التمويل بعدما كان يعتمد في البداية على تبرعات الأثرياء.

 

وأصبح تنظيم الدولة الإسلامية من أغنى المنظمات الجهادية في العالم، عن طريق عمليات الخطف، والاحتجاز، وبيع الآثار، والاستيلاء على النفط من الأراضي التي يحتلونها، والاستيلاء على الاحتياطي الذهبي وغيرها من الموارد من البنوك، بالإضافة إلى بعض المعدات العسكرية الأمريكية التي يجدونها أثناء زحفهم.

وتشير بعض التقديرات إلى أن ثروة التنظيم تزيد على ملياري دولار.

 أبو بكر البغدادي

تقدر ثروة التنظيم بأكثر من ملياري دولار، وتستخدم في تقديم خدمات في المناطق الخاضعة لسيطرته

 

دولة على الطراز الحديث

 

ويستخدم التنظيم ثروته لدعم قاعدته الشعبية، إذ توفر الخدمات العامة، وتصلح البنية التحتية الخربة في المناطق الخاضعة لسيطرته.

 

كذلك يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بمهنية شديدة، فتنشر الدولة الإسلامية على مواقعها الالكترونية تقارير سنوية بها حسابات دقيقة لما استحوذت عليه وعملياتها كالتفجيرات والاغتيالات والعمليات الانتحارية التي نفذتها.

 

كما يستخدم التنظيم الإنترنت ببراعة لإظهار الطريقة القاسية التي يتعامل بها مع الأعداء. فقسوته ليست وليدة اللحظة، بل تشير الشواهد إلى أنها خطة طورت على مدار سنوات.

 

ويبعث التنظيم بعدة رسائل بنشره مقاطع ذبح أو إعدام المعارضين بالرصاص؛ فهي ترهب الأعداء، وتظهر للمجتمعات الخاضعة لسيطرته مغبة الابتعاد عن التفسيرات الأكثر تشددا للإسلام، ونشر الفوضى في المجتمع بوجه عام.

 

ولا توجد صلة بين العصور الوسطى وما تقدمه الدولة الإسلامية من خلط بين مجال الأعمال والترويج للوحشية والجريمة الدولية المنظمة. كما أن العمل على بناء مجتمع جديد من الأساس يجعل التنظيم أكثر شبها بالحركات الثورية في العصر الحديث.

 

ورغم تأكيد البغدادي الدائم على العودة للتاريخ الأول للإسلام، إلا أن المجتمع الذي يريده لا مثيل له في التاريخ. فهو أشبه بالمجتمع الفاضل والمستحيل الذي رسمه الثوريون الغربيون للمستقبل.

 

 مقاتلوا داعش

استخدام العنف كوسيلة للتغيير ومكافحة ما يعتبر بمثابة "فساد أخلاقي" ينبع من الحركات الثورية الحديثة في أوروبا

 

منبع فكري أوروبي

معظم المفكرين الذين تبنوا فكرا إسلاميا ثوريا يعرفون بتأثرهم بمذهب الفوضوية الغربية وبالاشتراكية، خاصة فكرة إمكانية تغيير المجتمع بحرس ثوري عن طريق العنف الممنهج. فكل من اليعقوبيين الفرنسيين، والبلاشفة الروس، والخمير الحمر في كمبوديا، والحرس الأحمر في فنلندا، لجأوا إلى استخدام العنف كوسيلة لتنقية البشرية مما اعتبروه فسادا أخلاقيا.

 

وتشبه الدولة الإسلامية هذه الحركات الثورية الحديثة أكثر من أي حكم إسلامي قديم. فطريقة تنظيمها وأهدافها المثالية تعود بالفضل للنظام الغربي الحديث.

 

كما أن التدخل العسكري الغربي أتاح لهم الوصول إلى السلطة، فتحت حكم صدام لم يكن هناك وجود للتنظيمات الجهادية في العراق. ومع كل جرائم حكمه، كان يطبق قانونا علمانيا، كما أحرز بعض التقدم في مجال تمكين المرأة.

 

ومن وجهة نظري، كانت الإطاحة بصدام مرتبطة بالقضاء على هذه الدولة العلمانية ودولة العراق نفسها. حتى ولو لم يرتكب المحتلون بقيادة الولايات المتحدة خطأ تفكيك الجيش وحل الحزب الحاكم، كان العراق سيتفكك في نهاية الأمر.

 

وأسس البريطانيون العراق في عشرينيات القرن الماضي من محافظات تابعة للإمبراطورية العثمانية القديمة، ونصبت الأقلية السنية على رأس الحكم.

 

وكان السنة قد حكموا البلاد منذ عام 1638، بعد استيلاء العثمانيين على بغداد من الفرس.

 

وسعى الأكراد في الشمال، الذين ضموا لهذه الدولة لحرص البريطانيين على جمع كل موارد النفط، إلى الاستقلال كلما سنحت الفرصة.

 

وبغض النظر عن إخفاقات حكومة المالكي، فإن تقديم نظام فيدرالي في هذه الظروف كان دائما صعب المنال.

 

 دبابة أمريكية

أعطى اجتياح العراق الفرصة لظهور الجماعات الجهادية، فنظام صدام، رغم قمعه، كان يتبنى قانونا علمانيا

 

الغرب وظهور التنظيم

وكما تنبأ بعض معارضي الحرب، فإن تغيير النظام في العراق هيأ الكثير من عوامل فشل الدولة. وهي نفس الظروف التي سمحت بظهور تنظيم الدولة الإسلامية.

 

ويرى البعض أن اجتياح العراق لم يكن لأسباب أيدولوجية، بل كان الاستيلاء على النفط هو الدافع الرئيسي.

 

ومما لاشك فيه أن الحسابات الجيوسياسية لعبت دورا، فالكثير من الساسة والمفكرين رأوا أن جميع المجتمعات الحديثة تتطور نحو نوع واحد من الحكومات، وهي الموجودة في الدول الغربية.

 

ورأوا أن إلاطاحة بالحكم الاستبدادي في العراق سيدفع البلاد نحو الديمقراطية، وسيتبعها في ذلك بقية دول الشرق الأوسط. وحتى شهور قليلة مضت، كان البعض مقتنعا بإمكانية حدوث عملية مماثلة في سوريا.

 

وتواجه الدولة الإسلامية معارضة شديدة من الكثير من الأطراف، ليس فقط المسلحين الشيعة، لكن أيضا من الجهاديين السنة، كالقاعدة التي انبثق منها التنظيم.

 

كما توجد مصالح متضاربة بين العناصر الذين جندتهم الدولة الإسلامية مؤخرا، ومن غير المؤكد إن كانت تستطيع حكم دولة على المدى البعيد.

 

كما أن ادعاء تمثيل بغداد لكل المسلمين يرفضه العلماء المسلمون ويرفضه معظم مسلمي العالم. وعلى الرغم من ذلك يشكل التنظيم خطرا حقيقيا، وليس على الشرق الأوسط فقط.

 

ويصعب تقدير حجم الخطر الذي يشكله التنظيم على دول مثل بريطانيا، فأهدافها الرئيسية توجد في الشرق الأوسط. وهناك خطر يتمثل في عودة المواطنين من دول الغرب، الذين انضموا إلى التنظيم في العراق وسوريا، ومعهم مهارات في صناعة القنابل وخوض المعارك.

 

كما أعلنت الدولة الإسلامية مؤخرا الحرب على الغرب والقاعدة. وفي هذه الحالة، قد تتجه بعض هذه الجماعات إلى تنظيم أعمال عنف لضمان مركز قيادة في الجهاد العالمي.

 

ومهما آل إليه الأمر لهذه الخلافة الانفرادية، فإن القوى المكونة لها لن تختفي. فتنظيم الدولة الإسلامية جزء من اضطرابات ثورية معاصرة، ولن نستطيع مواجهة هذه المخاطر حتى نقتنع بهذه الأزمة.

 

* بي بي سي