تحت هذا العنوان " ليته صمت .. " كتب الزميل لطفي شطارة أنه بعد خروج البيض من عمان جرت لقاءات في النمسا وكان شطارة شاهدا على اللقاءات التالي :
في حديث الاستاذ علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني ونائب الرئيس اليمني الأسبق لقناة " بي بي سي " امس لفت انتباهي عبارته التي قال فيها انه ٢٠٠٩ كان في اجازة في النمسا ومن هناك استجاب للحراك الجنوبي الذي كان قد انطلق قبل خروجه بعامين ، وانه تواصل مع قيادات جنوبية حول ذلك.
أتذكر اني من أوائل من أجرى البيض اتصالاته ابلغني انه في جنيف وانه يتعرض لتهديدات من قبل جهات لم يسميها في صنعاء ، حينها لم يكن هناك موقع او منبرا إعلاميا يتحدث عن القضية الجنوبية باستثناء موقعي الإخباري الذي أسسته في لندن عام ٢٠٠٦ اي قبل عام من انطلاق الحراك السلمي في الجنوب وكان نواة الأساس للإعلام الجنوبي اليوم .. كنت اول من نشر خبر خروج البيض من عمان وعن تعرضه للتهديد ذلك وربما ما قصده البيض من مكالمة علي عبدالله صالح له حينها ..
بعد ايام طلبني البيض للحضور الى النمسا ووصلتها مع الدكتور محمد علي السقاف وكنا اول من التقاهم البيض وكشف لنا انه يستعد لعقد مؤتمر صحافي في ٢١ مايو ٢٠٠٩ للتأكيد على قرار فك الارتباط الذي كان قد أعلنه عام ١٩٩٤ ..
وساهمنا في الأعداد لذلك المؤتمر الصحافي الذي كانت القنوات مستعدة لبثه على الهواء مباشرة في الساعة السادسة مساء بتوقيت النمسا حينها ، ولكنه ولسؤ الحظ ألقى الرئيس الامريكي باراك أوباما كلمة عن الإرهاب في الشرق الأوسط وتحول اهتمام القنوات العربية الى واشنطن عوضا عن النمسا حيث كان التوقيت لبث المؤتمر الصحافي للبيض فتأجل المؤتمر الصحافي لأكثر من ساعة وحينها ارتأت القنوات وبعض مراسليها الذي جاؤوا الى مقر إقامة البيض الى بث مقتضب من كلمته لان الاهتمام الإعلامي تحول الى أوباما وتحليلات المعلقين على ما ورد فيها ، وهذه للأمانة كانت صدفة إعاقت الإعلان بشكل إعلامي واسع عن خروج البيض عن صمت دام ١٥ عاما ..
في اليوم التالي التقيت انا والدكتور محمد علي السقاف في الفندق الذي كان نقيم فيه عندما جائنا البيض ونجله عمرو وطلبنا منه ان كان جادا في العمل على وحدة قيادة الحراك ان يؤسس بعد التشاور مع بقية القيادات الجنوبية الاخرى في الخارج على ثلاث فرق ( فريق قانوني يعمل على أعداد وثيقة قانونية تؤكد أحقية الجنوب في استعادة دولته ، وفريق إعلامي يؤسس لإعلام محترف يتبنى القضية الجنوبية بمهنية ، وفريق سياسي يقوم على فتح قنوات اتصال دولية لشرح القضية وتأسيس لوبي للجنوب في أمريكا وأوربا يفتح أبواب مؤسسات صناعة القرار هناك وإقامة علاقات سياسية أيضاً مع المؤسسات الإعلامية الضخمة في تلك البلدان لنعبر عن قضيتنا عبرها .. وان نترك العمل السياسي بالداخل لقيادات الداخل .. احسسنا انا والدكتور السقاف ان هذه المقترحات لم ترتقي للأستاذ البيض لانه لم يطلب حتى مناقشة تفاصيل الفكرة او أعداد مشروع مقترحات لذلك ..
غادرنا بعد ثلاثة ايام من بقائنا هناك وكلنا أمل ان يأخذ الرجل وقته في لدراسة المقترحات ..
في نوفمبر ٢٠٠٩ كنت ضمن وفد جنوبي يتكون من الاستاذ حيدر ابوبكر العطاس والأستاذ محمد علي احمد والأستاذ صالح عبيد ، كما شارك في الاجتماعات التي عقدت في النمسا أيضاً الدكتور صالح محسن الحاج مدير مكتب البيض الذي ترك عمله معه بعد أشهر فقط لأسباب اتركها للدكتور نفسه توضيحها متى ما أراد .. استمرت الاجتماعات ثلاثة ايام زرنا خلالها المناضل حسن احمد باعوم الذي كان يتلقى العلاج بعد عملية اجريت له في النمسا ، وتوصلنا الى وثيقة لبرنامج عمل سياسي مؤسسي كان سيشكل الانطلاقة الصحيحة لقيادة جماعية للحراك تقوم بالعمل السياسي لقيادة قضية شعب الجنوب في الخارج ، الى جانبها تدعمها بالأفكار والاستشارات مرجعية جنوبية شملت كافة الأطياف بما فيها السلاطين وكبار الشخصيات السياسية الجنوبية التي تعيش في الخارج منذ ما بعد الاستقلال عن بريطانيا عام ١٩٦٧ ..
استشعرت ان خلافات تلك القيادة تجر نفسها عندما قال البيض انا لم اخرج لتمويل الحراك وأني لا املك أموال كما تعتقدون ..
حينها شعرت ان المال هو سبب خلاف القيادات خاصة وانه وضع امام كل واحد منهم ورقة فيها كم ولمن صرفت ما تبقى من أموال الدعم الذي حصلوا عليه اثناء حرب ١٩٩٤ ..
ولم يضع أمامي نسخة من هذه الوثيقة المالية باعتبار انه لا علاقة لي بما جرى في تلك الحرب وحمدت ربي اني كذلك ، لان البيض عوضا من ان يناقش الأفكار لتأسيس قيادة موحدة وعمل مؤسسي لقيادة قضية شعب اختزالها وكان من جاؤوه كان همهم المال الذي يعرفون عنه الكثير بحكم قيادتهم للجنوب سابقا ..
خرجنا كما جئنا دون التوصل الى نتيجة مع الرجل الذي كان واضحا انه يريد التفرد بالعمل السياسي وقيادة الحراك مع من اشتغلوا حملة عبر مقربين منه بأننا لم نأتي من اجل استقلال الجنوب ، ولم يشرح البيض لهم المشروع الذي جرى الاتفاق معه حول العمل القيادي المشترك ولم يكشف عن سبب فشل ذلك اللقاء ..
من يومها أيقنت ان الرجل خرج ليقود قضية شعب بدون رؤية سياسية او قيادة او عمل مؤسسي وقانوني ، مفضلا الانفراد بكل تفاصيل العمل السياسي والإداري والإعلامي وجعل الأمور تدار بيده وحده ، ناهيك انه يحمل أفكارا منذ عهد السبعينات ويحول الحراك الجنوبي السلمي كحركة تحرر تقاد بعقلية القرن الماضي ، للأسف بقيت القيادات الجنوبية على تواصل مستمر مع البيض وحثه باستمرار على التوحد ، ولم يفهموا الورقة التي وضعها أمامهم على الطاولة في النمسا ، ولهذا فشلت كل الجهود للتوحد لانه يريد الزعامة له وليس العمل عبر فريق سياسيي موحد ، كما انه لا يريد ان يخوض احدا معه في قضية أموال حرب ١٩٩٤ ولهذا وضع أمامهم في ٢٠٠٩ تلك الورقة التي لم يستوعبوها وظلوا وراءه حتى مزقوا الشارع وفتتوا المكونات وأضاعوا كل الفرص للتوحد والعبور بالجنوب الى بر الأمان عبر الأفكار الاولى التي اقترحتها والدكتور السقاف في مايو ٢٠٠٩ على البيض والتي دونت في المشروع الذي رفضه حينذاك وكانت البداية الحقيقية لشرذمة الحراك الذي كان أوجه ، وتحولت القضية الجنوبية من قضية شعب الى قضية فرد أدخلنا الوحدة متفردا بدون دراسة ، وادخلنا حربا بدون استعداد كافي لها ، وأراد تحقيق فك الارتباط بتفرده أيضاً.
اليوم وانا ارى كل هذا التمزق والتشرذم وفقدان الرؤية السياسية والقيادة الجامعة لقضية شعب أقول وبملىء الفم ليته صمت وصمتوا معه ، وترك الحراك كما انطلق عفويا وقويا يسير في الطريق الذي شقه لنفسه ضد عصابة الحكم في صنعاء ، لكان الوضع اليوم غير ، سياسيا وعلى الارض أيضاً .
* الكاتب والسياسي الجنوبي : لطفي جعفر شطارة
ناشر موقع : عدن برس