تابعت حوارا ساخنا على إحدى القنوات الفضائية حول القضية الجنوبية، والقناة من تلك التي أتت بعد الثورة اليمنية وتتبنى مواقف انتقادية من السياسات الرسمية اليمنية السابقة والراهنة بل وتطالب بإسقاط حكومة الوفاق بتهمة الفساد والفشل.
كان السؤال الرئيسي هو:"من فوض الحراك الجنوبي ليقول عن نفسه أنه ممثل الشعب الجنوبي؟ وقد حاول الضيف وهو صحفي من نشطاء الحراك السلمي الجنوبي أن يقنع المذيع أن المليونيات المتتالية هي من يثبت أن الحراك هو الإطار الواسع المعبر عن كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي لكن المذيع يعود مرة أخرى ليعيد نفس حجة الجناة التي سمعناها آلاف المرات وهي أن الحراك الجنوبي مفكك وغير موحد ولا يحق لأحد الادعاء أنه يمثل شعب الجنوب".
وزير الإعلام (الثائر) علي العمراني استخدم أكثر الألفاظ بذاءة في وصف مطالب المواطنين الجنوبيين الرافضين لوحدة الضم والإلحاق والاستباحة والنهب، وكان يوجه حديثه باتجاه الذين نقلوه من كتلة علي بعد الله صالح إلى صف الثورة وبين عشية وضحاها صار وزيرا يعبرعن الثورة التي قال ذات يوم أنه على استعداد للتضحية بها من أجل الحفاظ على الوحدة.
الذين يستنكرون رفض الشعب الجنوبي لنتائج حرب 1994م ونضاله ضد السلب والنهب والاستباحة والعبودية ويربطون هذا بالشرف والمشروعية والمستقبلية والعزة لا يحدثوننا عن شرف ومشروعية ومستقبلية وعزة اللصوص الذين نهبوا الجنوب وحولوا أرضه وثرواته ومنشآته وأملاك أبنائه إلى غنائم حرب تقاسموها كما يتقاسم اللصوص مسروقاتهم ، وأحالوا مئات الآلاف من أبناءالجنوب ومعظمهم من الخريجين الجامعيين إلى ما يشبه المتسولين، والذين يواصلون نهب ثروات الجنوب عن طريق اللصوصية والنصب والاحتيال، لم يقل لناهؤلاء كلمة واحدة عن شرف هؤلاء ووطنيتهم ومستقبليتهم.
كان حسن اللوزي يتدخل في تحديد ضيوف البرنامج التلفيزيوني أو تعديل توقيته أو عنوان الحلقة لكنه لم يتدخل في تحديد الأغنية التي تجوز إذاعتها والتي لا تجوز لكن الوزير علي العمراني (المؤتمري سابقا والثوري حاليا) يتصل بالتلفيزيون ليمنع أغنية معينة لأن إذاعتها قد تغضب الطرف الذي منحه حقيبة الإعلام ويستبدلها بأغنية أخرى لا تغضب ذلك الطرف واليوم يأتي ليتبجح بالحديث عما إذا كان الشعب الجنوبي يتمتع بالشرف أم لا، ويعتبر الشعب الجنوبي لن يكون شريفا إلا إذا أذعن لمن ينهبون حقوقه ويقتلون أبناءه ويستولون على موارد ثروته ولن يكون ذا مستقبل ومشروعيةإلا إذا قبل أيادي لصوص أمواله وأرضه، ذلك هو مفهوم الشرف عند وزير الإعلام اليمني الثوري.
يذكرني ذلك بندوة عقدت في صنعا في العام 2010م كنت أحد المتحدثين فيها وكان إلى جانبي أستاذ جامعي يحمل شهادة دكتوراه اتهم الحراك الجنوبي بأنه يدعو إلى عودة الاستعمار بل ودعوة اسرائيل معتمدا على بيت شعري في قصيده عامية لأحد الشعراء الشعبيين، وعندما تقول لهم إن الحراك السلمي هو الحامل الذاتي للقضية الجنوبية يقولون لك ومن فوضه، لكنهم يعترفون بأن خالد باراس ويس مكاوي يمثلون شعب الجنوب بينما ينكرون على الملايين الذين يحتشدون في عشرات المناسبات رفضا للسياسات القائمة ويستكثرون عليهم تمثيل الجنوب.
الذين يقولون أن الحراك السلمي غير موحد لا يقولون ذلك حرصا على وحدة الحراك بل رغبة في استمرار الانقسام، وحرصا على البحث عن تمثيل هجين مصطنع للجنوب يدعي انتماءه للحراك وتمثيله لشعب الجنوب لكن بشرط أن يخضع لما يمليه عليه لصوص المال وناهبو الثروات ، ومع ذلك هم لم يقولوا لنا هل عبد الله الناخبي وخالد باراس ويس مكاوي موحدون؟
الذين يناقشون القضية الجنوبية من منطلق نتائج حرب 1994م لم يتعلموا من فشل الرئيس السابق بل إنهم يكررون نفس العجرفة الغبية التي تعتبر الجنوب هو با سندوه وعبد ربه منصور ومحمد ناصر أحمد، ويتجاهلون مئات الآلاف والملايين الذين لم يملوا الاحتشاد في الساحات ولم يرعبهم القتل المتواصل من قبل قوات السلطة وأجهزتها الأمنية ودراجاتها النارية.
نقول لهؤلاء اتعظوا من أسلافكم واعملوا عقولكم وانظروا إلى إصرار الملايين على التمسك بمطالبهم أو على الأقل نفذوا ما تتشدقون به من وعود لمعالجة القضية الجنوبية لتبرهنوا فعلا أن الأخلاق والشرف والمشروعية تعني لكم شيئا من المضامين وإنها ليست شعارات فارغة من المحتوى ترددونها ادعاء وزورا وبهتانا.
برقيات:
*لا يرغب أعداء القضية الجنوبية رؤية الحركة السياسية الجنوبية موحدة حتى وإن اننتقدوا ظاهرة التفكك التي يعاني منها لأن مصلحة هؤلاء تكمن في استمرار هذا التفكك وليس فيوحدة قواه السياسية حول موقف سياسي واحد وواضح.
* لكن هذا لا يعفي القيادات الجنوبية وزعماء المكونات السياسية من الالتفاف حول الدعوة إلى مؤتمر جنوبي جامع يخرس أصوات المزايدين من أنصار استمرار الحرب ويؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ الثورة الجنوبية، والين يعرقلون انعقاد هذا المؤتمر لا يختلفون عمن ينادون باستمرار نتائج 1994م.
* قال الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان:
اقفزي من قـمة الطود لأعلى الشهبِ وادفعي في موكب النور مطايا السحبِ
واستغلي كوكباً يزهو بأغـــلى موكبِ فلـــــــقد مزقت عن نفسي كثيف الحبِ
ولقد حطـمت أصنام الدجى المنتحبِ وانبرت بي في الدجى أجنحة من لهبِ
* عنوان الموضوع الاصلي : متى يفهم هؤلاء؟