يثير مكوث اللواء الركن علي ناصر لخشع نائب وزير الداخلية اليمني في محافظة حضرموت للشهر الثاني على التوالي،وتحركاته المتواصلة على أكثر من صعيد،وتوجيهاته وأوامره التي تتحول إلى (فرمانات) و(قرارات جمهورية) لا تملك السلطات المحلية بكل مستوياتها في حضرموت إلا تلبيتها وتنفيذها،يثير ذلك كله استغراب الكثير من أبناء حضرموت الذين باتوا يطلقون عليه في مجالسهم لقب (بريمر حضرموت) مستدعين بذلك اسم (بول بريمر) الذي عينه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في 6 مايو 2003م حاكما أو (رئيسا للإدارة المدنية للاشراف على إعادة إعمار العراق) عقب احتلاله .
وفي الوقت الذي يسرب فيه بعض قيادات السلطة المحلية بحضرموت ما مفاده أن اللواء لخشع جاء إلى حضرموت بتكليف من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي شخصيا،وبحوزته تفويض كامل شامل لإدارة كافة شئون المحافظة وفي المقدمة منها الشأن الأمني وما يكتنفه من انهيارات مريعة ومتسارعة، فإن الوقائع تشير إلى أن الجنرال لخشع المقرب من الرئيس اليمني، قد جاء إلى المكلا في مهام أشمل وأبعد من مجرد الاشراف على إدارات الأمن بحضرموت،ولعل ما قام وما يقوم به طوال الأسابيع الماضية يشير فعليا إلى أنه قد أصبح الحاكم الفعلي لحضرموت،ويذكر في هذا السياق أنه من اتخذ قرار شن الحملة العسكرية على ديس المكلا يوم 21 ابريل الماضي،وهو أيضا من امر باستخدام المروحيات العسكرية لقصف مواقع في حارتي البدو وباسويد الآهلتين بالسكان بديس المكلا خلال تلك الحملة، راميا عرض الحائط بموقف عدد من قيادات السلطة المحلية الذين اعترضوا على استخدام المروحيات والدبابات في تلك المواجهة .
ويرى الكثير من أبناء حضرموت أن مهمة نائب وزير الداخلية اليمني في حضرموت بدأت منذ ديسمبر الماضي عقب اغتيال المقدم سعد بن حمد بن حبريش العليي رئيس حلف قبائل حضرموت ومرافقيه برصاص جنود نقطة أمنية مستحدثة غرب سيئون في 2 ديسمبر 2013م،وإعلان الحلف القبلي الحضرمي عن إطلاق الهبة الشعبية في 20 ديسمبر المنصرم للبسط على الأرض والثروة،إذ قاد لخشع محاولات وجهودا حثيثة لتفكيك الحلف واحباط الهبة الشعبية،ومضى خلال اقامته متنقلا بين سيئون والمكلا محاولا استمالة عدد من مقادمة القبائل الحضرمية واغرائهم بالأموال للانسلاخ عن الحلف وللتخلي عن مطالبه وللتراجع عن عهودها ومواثيقها وأدوارها في إطار تفعيل الهبة الشعبية،لكن مهمته فشلت فشلا ذريعا بعد تمسك معظم مقادمة القبائل الحضرمية بمطالبهم التي أجمعوا عليها في مؤتمر حلف قبائل حضرموت بوادي نحب مديرية غيل بن يمين في العاشر من ديسمبر 2013م .
المؤكد أن اللواء علي ناصر لخشع ليس حديث عهد بحضرموت إذ تولى لعدة سنوات – أواخر التسعينيات- منصب مدير أمن هذه المحافظة، واستطاع طوال تلك السنوات تكوين شبكة علاقات واسعة شملت قيادات سياسية واجتماعية ودينية وثقافية وشبابية في ساحل حضرموت وواديها ،لكن حضوره في دوائر صنع القرار الخاص بالمحافظة خلال تلك السنوات ظل محدودا إن لم نقل معدوما،خاصة أن هذه الدوائر كان يحتكرها جنرالات الحرب اليمنيين وفي طليعتهم قائد المنطقة العسكرية الشرقية آنذاك محمد اسماعيل المقرب من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح،فضلا عن صالح عباد الخولاني المحافظ اليمني لحضرموت،بل إن دور الجنرال لخشع في هذه المحافظة انقطع تماما غداة ابعاده من قيادة جهاز أمنها وتعيينه مديرا للسجن المركزي بصنعاء،إذ انتهى نفوذه فيها عقب مغادرته لعاصمتها وانتقاله إلى صنعاء .
يبقى القول أن مهمة اللواء الجنوبي الأصل الأبيني الكازمي القبيلة والجذور علي ناصر لخشع في حضرموت تتعدى الاشراف على الإدارة الأمنية في هذه المحافظة الحيوية والمهمة جنوبيا ويمنيا وإقليميا،لتشمل مهام قيادتها واحكام القبضة على مفاصل إدارتها ومجابهة الأخطار التي يرى حاكم صنعاء الانتقالي أن أكثرها تهديدا لعهده الجديد لن تهب إلا من حضرموت،فهي (الغنيمة الدسمة) التي تتصارع للاستحواذ عليها مراكز القوى اليمنية الحاكمة في صنعاء والمحتلة لحضرموت وللجنوب كله،وهي أيضا مهد الحراك السلمي الجنوبي وحاضنته ومصدر تعاظم زخمه،وفي موازاة ذلك تضطرم في ساحاتها وبين أبنائها نزعات الاستقلال عن اليمن وعن الجنوب،وهي بعد ذلك هدف لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يستميت لاسقاطها وتحويلها إلى (امارة اسلامية) وقاعدة انطلاق لمشروعه (الجهادي) العالمي .
ليس بخاف على أحد أن اللواء لخشع يعد من أبرز رجال عبدربه منصور هادي إن لم يكن الأقرب والأوثق له،ومن هنا يبدو واضحا أن مهمته في حضرموت لا تروم غير تحجيم سطوة مراكز قوى الحكم اليمنية التقليدية الناهبة لثرواتها،وفرض سطوة أخرى قوامها الشركاء الجنوبيين في حرب اجتياح الجنوب صيف 1994م الذين جاءت أزمة عام 2011م في اليمن والمبادرة الخليجية لتفسح لهم المجال لاعتلاء هرم العهد الانتقالي،أي أن مهمة الجنرال الجنوبي الأبيني هي اعادة اخضاع حضرموت لقوى يمنية جديدة ذات جذور جنوبية وليس تمكين حضرموت من أبسط حقوقها أو (أقلمتها) و(فدرلتها) كما يعتقد الواهمون والساذجون ..
فهل ينجح لخشع في مهمته الاحتلالية الجديدة؟ أم أن المعطيات على الأرض تبشر بانعتاق حضرموت والجنوب كله من قبضة الاحتلال اليمني ومن مطامع ومطامح (الوحدويين الجنوبيين) الذين يعتقدون أنهم جديرون بالتهام اليمن والجنوب من خلال فرض احتلال مهجن من طراز جديد ؟ ..