كثيرا ما تردد عبارة السياسة "فن الممكن!!" والممكن هنا منظور إليه من زاوية التعامل مع الواقع المعاش بكل ما فيه من ممارسات و مساومات لإعاقة القرار السياسي ..
وتوظيفه فيما يخدم تطلعات تلك القوي – المساومة و الراهنة دورها في الحياة السياسية وإدارة مقدرات البلاد و العباد وفق ما يخدم وسائلها على فرض هذا الممكن على رأس صانع القرار السياسي و من يتحمل مسؤوليات العبور بالبلاد كل موروثات الماضي إلي أفاق المستقبل !؟
اقصد هنا بمن يتحمل المسئولية التاريخية لبناء الدولة القادمة الرئيس : عبدربه منصور هادي ..
الذي يتعامل مع هذه العبارة من زاوية مختلفة، وان قلت من عدة زوايا وبدائل و خيارات لا لإحداث التغيير فحسب، وهو ممكن ويتجسد في قرار تجفيف بؤر الإرهاب.. الذي اتخذه و هو يدرك قوة و نفوذ القوي التي تقف خلفه و تستخدمه كورقة رابحة في مساوماتها و إعاقتها لفرض منظورها لفن الممكن .. او فهمها له .
أقول هذا الكلام في ظل المعارك التي تخوضها القوات المسلحة في عدة محاور في شبوة و أبين ، و هي مناطق تواجد من يطلقون على أنفسهم أنصار الشريعة و قاعدة الجهاد في جزيرة العرب ..
منذ سنوات غطتها أصوات المدافع وأجلت السكان عنها حركت الأطقم و جنازير الدبابات فضلا عن حركة الطيران بدون طيار وما تسبب فيه من ضحايا مدنية دون أن تهز للقاعدة قناة و لم تتسبب في غير تعملق أنصار الشريعة من حيث نوعية السلاح و العناصر المقاتلة ..
رغم كثافة المعارك وحجم المؤن و التمويل لتلك المعارك التي استخدمت فيها طائرات النقل الهيروكليز و الهيلوكبترات العملاقة – الأمريكية ،لإسقاط المؤن و الأغذية و ربما الأسلحة على المعسكرات المحاصرة من قبل مقاتلي القاعدة و الأنصار.. ومنها ما اسقط خلف خطوط المحاصرين للمعسكرات التي استسلم بعضها في تلك المعارك ؟!
الأمر الذي فتح المجال إمام القيادات المحركة لتلك العناصر إلي دفعها بها إلى احتلال قيادة المنطقة الثانية في المكلا و غزو العرضي مقر وزارة الدفاع في صنعاء ، في عمليات انتحارية ، لا تغيب أهدافها عن كل ذو بصر وبصيرة ، خصوصا وان تلك العمليات جاءت لتمثل تحد صارخ للرئيس وهو يعلن عن مخرجات الحوار الوطني و التوجه إلي بناء الدولة اليمنية – الاتحادية ،على أنقاض مرحلتي سبتمبر وأكتوبر ، بوضوح لا لبس فيه .
لا أقول ذلك مناصرة للرئيس هادي .. في ظل ارتفاع وتيرة الهجوم علية في بعض وسائل الإعلام المملوكة لبعض الجماعات و الأحزاب السياسية ومنها المشاركة في حكومة الوفاق من ذات الاتجاه الإيديولوجي الاسلاموي او تلك الحاملة لنعوش شعارات الفكر القومجي والانتماءات المناطقية و الاجتماعية المتدثرة بها .. وفي مقدمتها العاملة على استغلال الدين الحنيف في فرض رغبويتها على القرار السياسي من خلال التحليل و التحريم و إصباغ إجازة هذا التوجه و تحريم تلك السياسة.. وهو ما يمكن أدراجة ضمن دائرة الإرهاب الفكري المعزز للإرهاب الدموي الذي يمارس تحت تلك الشعارات ووفقا لبعض فتاوي قياداتها لتعبئة البسطاء في المجتمع من جهة ولفرض هيمنتهم على صانع القرار السياسي .
□ إلا انه و في الآونة الأخيرة .. لم تقتصر الحملة الإعلامية عبر مختلف الوسائل بما فيها التواصل الاجتماعي على تلك الجماعات فقط ، بل تجاوزتها إلى قوي سياسية و مجتمعية لا نجد بينها و بين تلك الجماعات أرضية مشترك ، الأمر الذي يدفعني إلي القول : إن الرئيس اتخذ قراره رغم كل مخلفات الماضي الملقاة على طريق عبور الراهن بكل وعورته و معيقاته وهو يدرك إن المعركة لا تقتصر على الجانب العسكري الذي لا يتجاوز تمهيد الطريق لمعارك سياسية هي أكثر أهمية بل وإلحاحا ربما من المعارك العسكرية .. ولكن نجاحها يتوقف على تجفيف هذا البؤر الإرهابية و إلغاء بل حرق أوراقها في أيدي المستفيدين منها .
□□ تلك المعارك تتمثل في وضع أسس الدولة الاتحادية و نظامها السياسي بل و الإداري القائم على التعددية السياسية و المجتمعية و حقوق المواطنة من خلال كفالة حق إدارة تلك المجتمعات في اختيار حكامها وممثليها إلي مجالس السلطات التشريعية و التنفيذي لأقاليمها وولاياتها فضلا عن انتخاب ممثليها إلي السلطات الثلاث للاتحاد .
كل ذلك يتوقف على الدستور القادم .. و الذي سيحدد نوع الفدرالية و طبيعة النظام السياسي للدولة إلي جانب حقوق المواطنة و توزيع السلطات بين المركز الذي ستتقلص سلطاته لصالح الأقاليم ، لا بموجب قوانين واسعة او ضيقة الصلاحيات ؟! بل بموجب دستور قوي وواضح ودائم على المدى البعيد .. يمثل المرجعية و السقف للتشريعات الإقليمية و المركزية وغير خاضع لأي رغبويات و تطلعات لأي جماعات حزبية او مجتمعية- مناطقية او جهوية.
□□□ هي معارك يخوضها الرئيس هادي من عدة زوايا لتأكيد أن السياسة هي فن التعامل مع الممكن من خلال تغييره إلى فن إدارة المجتمعات و الموارد .. ولكن كل ذلك يتوقف على فن إدارة المعارك في ميادين القتال.. ونتائجها التي يجب أن لا تكون خاضعة لأي مساومات حتي تشكل الأرضية لانطلاقة بناء الدولة التي تحدد بوضوح انطلاقتها من حضرموت الدور .. لثروتها البشرية لا الجغرافية .
* عيدالله عمر باوزير - كاتب سياسي
عضو المجلس المحلي لمحافظة حضرموت .