على بعد حوالي ساعة إلا ربع من مدينة الحديدة تستقبلك أصوات محمية برع الفاتنة، وبمجرد أن تتخطى بوابة الدخول ستشعر بأنك وضعت راسك المثقل بالتعب لدى حراسة البوابة ودخلت إلى الجنة برأس شجرة متخففة من أوساخ البشر.
المحمية ساحرة ؛ والنوم فيها بصحبة أصوات الطبيعة مغامرة مغرية وتناصل الركب شوية .
في اليوم الأول دخلنا المحمية -أصدقائي الثلاثة وأنا - قبل الغروب بساعتين، ولم نغادر المكان إلا في ظهيرة اليوم الثاني بعد أن استيقظنا صباحاً على أصوات قطيع من القرود وهي "مركوزة" أعلى المكان الذي نمنا فيه وجلست تراقب حركتنا بحذر كأنها تبحث بيننا عن حفيد لها ضائع ؛ولم نكن نعرف أنها تنشن على حقنا "الصبوح"وفجأة " نبع " قرد "معرص" من إياهم وخطف كيس الفطور من يدي وهرب .
فعلة القرود لم تشعرنا أبدا بالوحشة.. كانت قروداً جائعة ؛ ما جعلنا نعود إليها الساعة السابعة مساء لننام فيها ؛ وهذه المرة اصطحبنا معانا طعاما للقرود؛ لكن حراسة بوابة المحمية اخبرونا أن موعد الزيارة انتهى !
قلنا لهم محناش قتلة ولا إرهابيين ولا قطاع طرق، نحن صحفيون هاربون من دوشة الحياة واجينا نربخ لنا يومين في مكان لابد أنه سيجعلنا نشعر بأن في بلادنا ما يستحق الحياة ، واستمروا بالممانعة.
هربنا بالسيارة من أمامهم بصراحة واتجهنا إلى ذات مكان الأمس..سننام فيه وننتظر استيقاظ القرود في الصباح لنطعمهم ونتصالح معهم ؛ في الغابة ما يكفي لأن يعيش الجميع بسلام بمن فيهم حراس المحمية.
كان الليل يومها موحشا وكئيبا وكملنا فجائع، عكس ما كنا عليه ليلة أمس من اطمئنان ومرح وسكينة . وكل شوية يطلع لنا عسكري بمتر يقلنا : غادروا المحمية الآن وإلا بنطلب لكم الأمن!
سيبدو الأمر مضحكا أن يأتي طقم شرطة للإمساك بشباب أرادوا أن يقولوا لليمنيين المتعبين: يوجد في بلادكم أماكن للاسترخاء.
هذا تحديدا ما جعلنا نرفض المغادرة .
لا أكتب الآن بلاغا ضد حراسة المحمية .. هم يقومون بواجبهم .. ومدير أمن السخنة الذي هرول إلى المحمية صباحا صحبة بضعة من الأفراد لمعرفة من الذي خالفوا القانون وناموا في المحمية؛ هو الآخر رجل ودود وكان يؤدي واجبه..لكنني أكتب بلاغا ضد الإنسان المتوحش الذي صرنا عليه.
كل حيوانات المحمية وأدغالها لم تشعرنا- في اليوم الأول بوحشة المكان ؛ الإنسان هو الذي تسبب في جعل الطبيعة موحشة ...! وأخشى على برع الخلابة من يد الإنسان ومن عقله المخفقن.
*اليمن اليوم