جنوب وأزمة القيادة .. عود على بدء
اسكندر شاهر
في مقالات سابقة تطرقتُ لموضوع أزمة القيادة في اليمن عموماً مستعرضاً إياها في إطار كل المكونات الرئيسية شمالاً وجنوباً ، أو جنوباً وشمالاً أوشرقاً وغرباً .. إذ لم يعد فرق فيما لو التفتنا بعناية لكلمة الرئيس علي ناصر محمد وحدث المحظور الذي أشار إليه خلال اجتماعه وقيادات جنوبية أخرى بينهم الرئيس حيدر العطاس مع جمال بن عمر في القاهرة مؤخراً حيث قال ناصر : (نؤكد على أن طريق الحوار وحل المشاكل بالطرق السلمية ، هو الطريق الأفضل الذي لا طريق سواه، ونحن نتمسك بهذا الخيار ولكن في المقابل لابد من اجراءات لبناء الثقة ومرجعيات ضامنة ، ولابد من آليات تنفيذية للحوار والتفاوض يتم الاتفاق عليها وأيضاً من جهات دولية وإقليمية ضامنة ، ما لم فإن الأمر سينتهي بنا إلى الفوضى أو على الأقل إلى المجهول ولا أظن أن أحداً يرغب في ذلك لا في اليمن ولا في خارجه، واذا حدث مثل هذا لا سمح الله فلن يكون الجنوب جنوباً ولا الشمال شمالاً ... وسيكون تأثير ذلك كبيراً على المنطقة بأسرها في الجزيرة العربية وفي البحر الأحمر وباب المندب والقرن الافريقي لما يتمتع به اليمن من موقع استراتيجي مهم فاستقرار اليمن هو استقرار للمنطقة وضمان للمصالح الدولية) ..
في تناولاتي السابقة حول أزمة القيادة أوضحت بأنها فيما خص الحراك الجنوبي تتلخص بكلمة ( تعدد ) ، وفيما خص المشترك تتلخص بكلمة ( ترهل ) ، وفيما خص الثورة الشبابية الشعبية تتلخص بكلمة ( تبعية ) ، واستثنيت الحوثيين ( أنصار الله ) من أزمة القيادة باعتبار أنهم قد أجمعوا على قائد واحد في الحرب والسلم .
وفي هذه المناقشة (عود على بدء) ولكن هذه المرة في الشأن الجنوبي على وجه التحديد وقبل حدوث المحظور / المجهول الذي أشار إليه الرئيس علي ناصر محمد (أبو جمال) ، فالأخير وحسب مراسلات نشرت في الصحافة التقى بالرئيس علي سالم البيض في بيروت ثلاث مرات ، وكان ذلك بمثابة دفعة نوعية في تقارب الرؤى قبل الحديث أو الانخراط في الحوار الوطني المزمع الذي ينبغي أن يسبقه حوار جنوبي جنوبي وشمالي شمالي ، على أن البيض حسبما كشف ناصر تراجع عن اتفاق كان قد أبرمه ورفض اللقاء بالمبعوث الأممي الأمر الذي عزز من احتمال وجود رغبة في استمرار أزمة القيادة في الجنوب بحيث تبقى ماثلة بكل تعقيداتها بما يضاعف القدرة على اللعب في الورقة الجنوبية يمنياً و على صعيد دولي .
يمكن أن يستشف ذلك أيضاً من خلال انقسام يطل بين الحين والآخر بين المكونات الجنوبية كلا على حدة ، فثمة انقسام في القيادة الجنوبية المؤقتة أقل ما يعبر عنه ذلك البيان المشترك الذي ابتعد عن تقرير المصير الذي يشمل كل الخيارات ، وذهب باتجاه التحرير والاستقلال كسقف نهائي ومحسوم ، وضم الرئيس حيدر العطاس وهو جزء من القيادة المؤقتة المنبثقة عن المؤتمر الجنوبي القاهري وضم البيان أيضا الأستاذ عبد الرحمن الجفري ، وقد عُرفا بفيدراليتهما بل وأبوتهما لمشروع الفيدرالية ، فيما بقي الرئيس علي ناصر في خط سيره المعروف ونأى بنفسه عن التعرجات ما ضاعف وأكد تفرده في مجاراة قناعاته لا قناعات الآخرين ، وأظنه من سيكسب الرهان وفق المعطيات الراهنة وهنا أقصد خياره لا هو فقد قالها بصوت عال بأنه لم يعد يرغب بسلطة ولا جاه ، وأنه جرب السلطة من أدناها إلى أقصاها ، ومن جانب آخر فإن ثمة انقسام يطل هو الآخر في مكون التحرير والاستقلال أو فك الارتباط لا تخطئه عين .. فضلاً عن الاهتزاز وعدم التموضع الكلي الذي يشوب فريق أو مكون الوحدويين الجنوبيين أو من ينادون بحل القضية الجنوبية تحت سقف الوحدة الاندماجية التي تخلو اليوم من أي مظهر من مظاهر الاندماج .
من الواضح اليوم أن أزمة القيادة التي يعاني منها الحراك والذي يقول أنصار "حسن باعوم" بل هو يقولها بنفسه بأنه زعيم الحراك الأوحد تتماهى هذه الأزمة القيادية مع مصلحة خارجية وثيقة الصلة بما يحدث وفق المبادرة الخليجية التي استبعدت القضية الجنوبية العادلة ، وهذا الاستبعاد يقرأه الجنوبيون بطريقتين : الأولى أنه لمصلحة القضية الجنوبية والثانية أنه مضر بها ، ويستند أصحاب الرأي الأول على أنه لمصلحة القضية إذ يفصلها عن قضية الشمال مما يهيىء للتعامل مع الجنوب على نحو مستقل ويعزز احتمال الاستقلال في أية لحظة ، والثاني يستند على أنه ليس لمصلحة القضية لأنه تجاهلها أولا فقلّل من شأنها – فيما شأنها عظيم على أية حال - وأدرجها في إطار أزمة يمنية عامة وهي تبعاً لذلك ليست إلا ملفاً من ملفاته وإن كان الملف الأبرز وهذا ما يمكن تفهمه من خلال كلمة جمال بن عمر أمام القادة الجنوبيين في القاهرة مؤخراً ، كما أن اللافت في كلمة الأخير تعرضه لموضوع الحصانة ونفيه أن تكون الأمم المتحدة في مواثيقها تؤيد مثل هكذا إجراء يخالف المواثيق الدولية ، وهذه رسالة واضحة لمن منح الحصانة ومن مُنحت له .
وهنا تحضر العصا ، تارة بعد الجزرة ، وتارة قبلها .. على أن احتفالية الذكرى السنوية الأولى لتوقيع المبادرة الخليجية التي حضرها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وأمين مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني ، ومعهم جمال بن عمر بصنعاء والاحتفاء اللافت بالرئيس عبده ربه منصور هادي كانت كافية لإيصال الرسائل لكل الاتجاهات والمكونات شمالاً وجنوباً ، يختلط فيها الترغيب بالترهيب ، ولكن الأكثر أصالة هو أن الحرب الدولية على الأرض اليمنية قد تقررت وعلى كل طرف أن يثبت جدارته الواقعية لا أن يصدر بياناته المتهافتة .. أن يقبل الحوار ويتحمل مسؤولية قبوله أو يرفضه ويتحمل مسؤولية رفضه أو يقف على الحياد ويتحمل ما سيلحقه من أذىً (حميد ) في المستقبل المحكوم بمحاصصة ستمتد لسنوات عجاف ..
ما كان لكل هذا أن يحدث لولا أن الجنوب منقسم على ذاته نتيجة أزمة القيادة ، وكذلك لولا أن قوى الثورة لم تتخلص هي الأخرى من أزمة القيادة كما أنها لم تقم بإجراء حوار فيما بينها وبالتالي لم تتمكن من الانتقال من طور الانفعال إلى مرحلة الفعل ولم تصطف خلف مبادرة وطنية وقيادة موحدة ومرجعية محددة ، وهاهي بالمحصلة تنساق بإرادة أم بغير إرادة مع اعتبار المبادرة الخليجية إعلاناً دستورياً لابد من اتباعه كالزواج حين يوصف بأنه شر لا بد منه .
إيـماءة
عود على بدء ، لعل انعقاد اجتماع تحت مسمى (الحضارم ) في القاهرة ، والذي قيل بأن اسم اليمن لم يذكر فيه البتة ، وفي هذه الفترة شديدة التعقيد والتداخل يصب في النظرية الانقسامية المحتملة والمجهولة ذاتها التي تختزلها كلمة الرئيس علي ناصر ( لن يكون الشمال شمالا ولا الجنوب جنوباً )