دلهي تتغنى بمبانيها التي تعكس تاريخ الحكم الإسلامي في الهند

2014-01-28 07:49
دلهي تتغنى بمبانيها التي تعكس تاريخ الحكم الإسلامي في الهند

مقبرة همايون

شبوة برس - متابعات

دلهي: براكريتي غوبتا

في إطار استعدادات العاصمة الهندية دلهي للدخول ضمن مواقع التراث العالمي التي تشرف عليها اليونيسكو العام المقبل، لامتلاكها الكثير من القواسم المشتركة مع المدن التاريخية الأخرى مثل روما والقاهرة ودمشق، قامت صحيفة «الشرق الأوسط» بزيارة للمدينة، التي كانت عاصمة الهند الإسلامية في إحدى الحقب التاريخية.

في كل يوم من أيام رحلتي إلى مدينة دلهي، استمتعت بمشاهدة المباني الفخمة المهيبة التي بُنيت أثناء الحكم الإسلامي للهند، حيث تعكس تلك المباني التاريخ الماضي العظيم للحكم الإسلامي في الهند.

 

الأسواق التقليدية في محيط الحصن

 

وعندما عدت لزيارة الكثير من تلك الأماكن مرة أخرى وأخذت أنظر إليها من منظور الزائر السائح، أدت هذه الزيارات إلى تعزيز معرفتي الشخصية بالتاريخ الإسلامي لمدينة دلهي مما أجبرني على الاعتراف بإسهامات الحكام المسلمين في الجانب العمراني والثقافي للمدينة حتى وقتنا الحالي.

 

كانت دلهي موطنا للكثير من الملوك والممالك والسلالات الحاكمة، بيد أن حكم المسلمين لمدينة دلهي - بدءا من القرن الثاني عشر وحتى القرن التاسع عشر - أضفى على المدينة طابعا مميزا وجعلها أكثر جمالا من خلال العمارة الهندية - الإسلامية التي صمدت في وجه أعمال التخريب والتدمير على مر الزمان. ونتج من حكم الأتراك والمغول في شبه القارة الهندية دخول أساليب طراز العمارة الإسلامية الفارسية ومنطقة آسيا الوسطى إلى هذه المنطقة. وبحلول أواخر القرن الثاني عشر، بنيت باكورة الآثار - المصممة على هذا الطراز المعماري - في مدينة دلهي وحولها. كانت رحلتي الاستكشافية لمدينة دلهي متركزة فقط على الإنشاءات الخاصة بالحقبة الإسلامية، حيث تعتبر الكثير من تلك المباني بالفعل مواقع تراثية لليونيسكو وتمنح للسياح انعكاسا ساحرا بمدى تأثير الحكم الإسلامي العظيم على الهند.

 

وكانت أولى المحطات التي توقفت عندها في رحلتي هي حصن قطب منار في مدينة ميهرولي، وهي المنطقة الوحيدة في دلهي المشهورة بخضوعها 1,000 عام متواصلة للاحتلال. ويشتمل هذا المكان على أنقاض حصن لال كوت الذي بناه تومار راجبوتس في عام 1060 بعد الميلاد، مما يجعله أقدم حصن موجود في دلهي، بالإضافة إلى البقايا المعمارية من الفترة التالية للحكم الإسلامي والبريطاني. غير أن ميهرولي تحولت في العصر الحديث إلى حي جنوب غربي دلهي. وكانت محطتي الثانية هي الذهاب إلى قطب منار بعد أكثر من عقد من الزمان على الرغم من أني أعيش في دلهي.

 

الحصن الأحمر

 

* قطب منار تعد منارة قطب منار، أطول المنارات المبنية من الطوب في العالم إذ يبلغ ارتفاعها نحو 250 قدما، إحدى مواقع التراث العالمي. وتعد المنارة واحدة من أشهر المقاصد السياحية في دلهي، إلى جانب كونها مثيلة لبرج بيزا المائل في إيطاليا أو برج إيفل في باريس.

 

وتُحاط هذه التحفة المعمارية بحديقة خضراء خصبة ورائعة تعد من أكثر الأماكن المفضلة للسكان المحليين بمدينة دلهي لقضاء وقت فراغهم. يمكنك أن ترى السائحين والسكان المحليين يتجولون حول هذه المنطقة طوال فصل الشتاء في فترة ما بعد الظهيرة، وكذلك داخل هذا البرج.

 

يشتمل البرج على خمسة طوابق مميزة يمتاز كل دور منها بوجود شرفة بارزة. الطوابق الثلاثة الأولى مبنية من الحجر الرملي، في حين بُني الطابقان الآخران من الرخام. وبالنظر إلى قطب منار، يمكنك ملاحظة الاختلافات الكلية في الفن المعماري للفترات المختلفة والسلالات الحاكمة المختلفة. ويشتمل المبنى على نقوش دقيقة وأناشيد مستوحاة من القرآن الكريم. ويمتاز الديكور والنقوش المنحوتة على قطب منار بكونها طرازا إسلاميا بشكل جوهري، بيد أنها تأخذ الشكل المهجن بعض الشيء.

 

وعلى الرغم من ذلك، فليس بإمكان أي شخص التشكيك بأن هذا البرج ليس واحدا من أروع الآثار في الهند وحدها فحسب، بل وفي العالم بأسره. وقد بدأ قطب الدين أيبك، أول حاكم مسلم لمدينة دلهي، بناء قطب منار في القرن الثاني عشر، لكن البناء لم يكتمل إلا في القرن الرابع عشر من قبل خلفائه.

 

تظهر المنارة بوضوح تطور الأساليب والتصاميم المعمارية، حتى على الرغم من اختلاف المواد المستخدمة في الإنشاء. وفي ضوء الكثير من الاعتبارات، كان قطب منار، أول آثار الحكم الإسلامي في الهند، علامة على بداية طراز جديد من الفن والهندسة المعمارية التي أصبحت معروفة بما يسمى الأسلوب الهندي - الإسلامي. وقد تم إغلاق السلالم المؤدية إلى الشرفات داخل البرج عقب وقوع حادث في أوائل ثمانينات القرن الماضي عندما سادت حالة من الذعر بين فتيات أثناء حفلة مدرسية جراء خفوت الإنارة، حيث أدى التدافع أثناء الفرار الجماعي إلى سقوط عدد من الضحايا.

 

 

أعمدة كتاب منيار

 

 

توجد الكثير من المباني والإنشاءات الأخرى المهمة والبارزة في مجمع قطب منار، بما في ذلك مسجد قوة الإسلام، وهو أول مسجد بُني في الهند.

 

عند قاعدة قطب منار، يوجد عمود حديدي لم يصبه الصدأ على الرغم من مرور ما يقرب من 2000 سنة! وللحديث عن الافتتان والسحر المعماري، يشتهر هذا العمود الحديدي البالغ ارتفاعه 723 قدما باسم «العمود المحقق للأمنيات». ومن المعتقد أنه في حال إمكانية تطويق ذلك العمود بذراعيك أثناء الوقوف والدوران بظهرك، فحينئذ ستتحقق أمانيك. ولقد ورد في الكثير من أفلام بوليوود تصوير هذا العمود عندما يحاول الأحباب تطويقه لتحقيق أمنياتهم.

 

ومن الجدير بالذكر، أن هذا العمود جذب انتباه علماء الآثار والمعادن، وأطلق عليه «برهان مهارة الحدادين الهنود القدماء» بسبب مقاومته للصدأ بدرجة عالية. ويزن العمود الحديد ما يزيد على 6511 كيلوغراما. ويرجع تاريخه إلى القرن الرابع، عندما كانت معرفة العالم بصناعة الحديد من ركاز المعادن لا تزال فكرة غامضة. ومن المدهش ملاحظة نعومة العمود التي أظهرت نقاء ونصاعة الحديد المستخدم في بنائه. ويجري تنظيم الأحداث مثل التصوير الفوتوغرافي والرسم والمعارض الموسيقية من وقت لآخر بالمشاركة مع هيئة المسح الأثري بالهند. ويستغرق مهرجان قطب، الذي يُنظم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) أو ديسمبر (كانون الأول) بوصفه حدثا ثقافيا وموسيقيا، ثلاثة أيام، عندما يأتي الفنانون والممثلون لأداء عروضهم معا.

 

يمكنك زيارة قطب منار طوال أيام الأسبوع ابتداء من الساعة السادسة صباحا حتى السادسة مساء. وتبلغ قيمة رسم الدخول 10 روبيات هندية للسكان المقيمين بالهند و250 روبية هندية بالنسبة للسائحين الأجانب.

 

وكان الموقع التالي الذي زرته أثناء رحلتي لاستكشاف الإنشاءات الإسلامية في دلهي هي مقبرة همايون، الواقعة في منطقة نظام الدين في نيودلهي. واتسمت الزيارة بالكثير الحماسة، بما أنها كانت زيارتي الأولى للمقبرة المبنية في القرن السادس عشر، التي جرى ترميمها مؤخرا من قبل هيئة المسح الأثري بالهند لتعود إلى شكلها الأصلي.

 

* مقبرة همايون تعد مقبرة همايون أيضا موقعا تراثا عالميا يلهمك بروح أخرى من فن العمارة المغولي، بما في ذلك تاج محل.

 

استغرق الترميم ست سنوات وتضمن إزالة مليون كيلوغرام (1,000 طن متري) من الخرسانة وآلاف الأمتار من الإسمنت وإخراجها من المقبرة ومداخلها وسرادقها وسياجها. وبما أن بلاط السيراميك المستخدم في المقبرة كان من آسيا الوسطى، قام فريق من إيران وأوزبكستان بالبحث وصنع بلاط بنفس اللون الأصلي. وبالمثل، استُخدمت المواد التقليدية مثل الجص والجير.

 

وكان من المدهش رؤية ذلك الأثر الباقي بشكله الجديد، فقد رأيت الخرسانة الغنية بالمواد العضوية وحدائق بوار. ويجعلك هذا الأمر تشعر كما لو أن الزمان يعود بك إلى القرن السادس عشر.

 

وتعد مقبرة همايون أثرا ثقافيا ذا أهمية خاصة، حيث إنها أول مقبرة بها حديقة في شبة القارة. وتضرب تلك المقبرة مثالا على المرحلة التشكيلية من فن الهندسة المعمارية لدى المغول.

 

كان همايون ثاني إمبراطور مغولي في الهند. ورتبت أرملته بيغا بيغوم الأمور من أجل بناء المقبرة في الفترة من عام 1569 إلى 1570، أي بعد وفاته بأربعة عشر عاما.

 

وفي هذا الصدد، يعد ذلك المبنى ذو اللونين الأحمر والأبيض مثالا للتأثير الفارسي على الهندسة المعمارية الهندية. وهو إحدى المفاتن الرئيسة الجاذبة للسياح في المدينة، فيعد هذا الضريح مقبرة للكثير من المغول بعيدا عن الإمبراطور نفسه. ويحتوى الموقع على نحو 150 مقبرة للعائلة الملكية المغولية.

 

وعلاوة على ذلك، تعد مقبرة همايون بمثابة تحفة معمارية رائعة تستغرق نحو تسع سنوات من أجل إنجازها مع إنفاق ما يقرب من مليون ونصف مليون روبية. يبلغ ارتفاع الضريح 140 قدما مع وجود قبة مركزية. وتشتمل القبة، المكونة من طبقتين، على سطح خارجي من الرخام الأبيض، بيد أن الجزء الباقي من المقبرة مصنوع من الحجر الرملي الأحمر، مع وجود زخارف من الرخام الأبيض.

 

ويتحدث ويليام فين، وهو تاجر إنجليزي زار المقبرة في عام 1611، عن تلك الزيارة التي لا يمكن نسيانها واصفا السجاد الثمين والأشياء الأخرى الغالية، بما في ذلك سيف همايون وعمامته وحذاؤه.

 

صار من الصعب الحفاظ على الأرض المحيطة بالمقبرة والبالغة مساحتها 13 فدانا عندما قام المغول بتغيير العاصمة من دلهي إلى أغرا. وازدادت الأمور سوءا عندما أسر الإنجليز بهادر شاه الثاني في عام 1857، حينما استبدلوا الحديقة الأصلية بحديقة أخرى على غرار الحدائق البريطانية. وفي الوقت الحالي، تحاول هيئة المسح الأثري بالهند ترميمها لتسترد تألقها مثلما كانت في الماضي.

 

أُعيد زراعة نحو 12 هكتارا من المروج الخضراء، بالإضافة إلى ما يزيد على 2500 من الأشجار والنباتات، بما في ذلك المانجو والليمون وشجر أزداريشتا والياسمين في الحدائق. وعلاوة على ذلك، وجرى البدء في تركيب نظام جديد لدوران المياه في قنوات الممشى بالحديقة.

 

وعلى الرغم من أن الأثر الباقي الذي نشاهده الآن ليس سوى مجرد طيف من الماضي الرائع، فإننا نرى الحجارة الرملية الحمراء للمقبرة تتلألأ لامعة عندما تأتي عليها أشعة الشمس الذهبية، حيث إن سحر تلك اللحظة يجعل كل شيء جديدا. يمكنك أن تسمع صوت الأطفال وضحكاتهم البهيجة عندما يستمتعون برحلاتهم. ولا يزال بهذا المكان المزيد والمزيد من المتعة. ويستقطب هذا الأثر الباقي في دلهي الزائرين من الهند وكافة أنحاء العالم.

 

* الحصن الأحمر (لال قلعة) يعد الحصن الأحمر (القلعة الحمراء) أحد المعالم الرئيسة المهمة لمدينة دلهي. وقد بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان، الإمبراطور الخامس من السلالة المغولية الحاكمة، عندما قرر إعادة العاصمة الإمبراطورية من أغرا إلى دلهي مرة أخرى في عام 1638. وخلال ثماني سنوات، أُسست مدينة شاه جهان آباد، التي يُطلق عليها الآن دلهي القديمة، على ضفاف نهر يمنا (على الرغم من تغير مسار النهر في الوقت الحالي) مع الحصن الأحمر، ثم كانت القلعة المباركة جاهزة بعظمتها وفي أبهى صور تألقها لاستقبال شاه جهان.

 

لقد عكس الحصن الأحمر قوة المغول في الماضي، ويعتبر الآن رمزا لاستقلال الهند. وفي الواقع، أن الحصن الأحمر كان شاهدا على تنوع التاريخ الرائع والعظيم للهند. وكان الأمر كذلك منذ عزل البريطانيين آخر حاكم مغولي، بهادر شاه ظفر، وهو ما كان إيذانا بنهاية فترة حكم المغول التي استمرت ثلاثة قرون. ونشر جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند، الراية الهندية ذات الألوان الثلاثة على أسوار هذا الحصن العظيم في 15 أغسطس (آب) 1947، كعلامة على نهاية الحكم الاستعماري البريطاني. ومنذ ذلك الحين، فعند الاحتفال بعيد استقلال الهند (في 15 أغسطس) من كل عام، تُعقد حفلة رسمية كبيرة في الحصن الأحمر، وهو المكان الذي نشر فيه رئيس الوزراء الهندي الراية الهندية ثلاثية الألوان وألقى خطابه من فوق أسوار ذلك الحصن.

 

ويعد الحصن الأحمر مثالا جيدا على الفن المعماري للحكم العسكري للمغول. وتعكس المتاريس العالية، وكذلك المداخل المحصنة للغاية والخنادق المائية المحيطة بالحصن وما إلى ذلك، مهارات الفن المعماري للحكام المغول. ويتطابق الطراز المعماري المتبع في بناء الآثار داخل محيط هذا الحصن مع نظيره الإسلامي مع وجود التأثيرات الليبرالية المحلية.

 

وعلى الرغم من التغيرات الكثيرة التي طرأت على الحصن في الوقت الراهن بسبب عمليات الهدم الموسعة أثناء الاحتلال البريطاني للحصن، فلقد بقيت تشييداته وإنشاءاته المهمة.

 

وعلاوة على ذلك، فإن الموطن الساحر لهذا الأثر المُشيد في عصر المغول في القرن السابع عشر، الذي يعد أحد مواقع التراث العالمي التي تشرف عليها اليونيسكو، واشتماله على السرادقات والقنوات والحدائق يضفي على هذا الأثر الكثير والكثير من الروعة والرونق والجمال.

 

وسيستغرق المشروع - المكون من ثلاث مراحل - 10 سنوات، وهي تقريبا نفس الفترة التي استغرقها بناء الحصن. ويواصل الحرفيون العمل في الوقت الحالي لساعات إضافية من أجل إزالة الصخور المغمورة الكريهة الخاصة بالفترات الأخيرة لكي يستعيدوا الماضي العظيم لهذا البناء المُشيد في القرن السابع عشر مع الاستمتاع بمشاهدة رونق هذا الصرح ليصير ذا لون أبيض تقليدي، متكونا من خلطة من الرخام والحجر الجيري، حيث كانت تلك الطريقة هي المتبعة لدى المغول لتكوين الجص الجيري الذي يتغلغل في الحجر الرملي ويجعله يتلألأ براقا مثل الرخام.

 

بُني الحصن الأحمر ومدينة شاه جهان آباد، أو دلهي القديمة، ككيان واحد. ويبلغ طول جدار الحصن نحو ثلاثة كيلومترات وله مدخلان. وينفصل الحصن عن المدينة من خلال مجموعة من بساتين الفاكهة حيث يتجول فيها الناس في فترة المساء. وبعد القضاء على المغول في عام 1857، دمر البريطانيون 80 في المائة من مباني الحصن، حيث دُمرت الأروقة والأفنية والكثير من السرادقات. ولم يعد الحاجز الحجري الذي كان يربط السرادقات بطول واجهة الحصن المقابلة للنهر موجودا هناك.

 

* الشرق الأوسط