تشهد الساحة العربية تدخل القوة الناعمة من اجل تفكيك الدول العربية وفق نظرية الدومينو حيث إن الدول العربية تفتقر إلى التكامل الذاتي ووحدة الهدف والمصير وتعصف بها أزمات داخلية معقدة ونجد مساحة رمادية بين سلوك النظام الرسمي العربي وتطلعات الشارع العربي , وقد فتحت أبواب الاختراق الناعم لتفكيك العالم العربي بشكل واضح دون معالجة تذكر .
أن القوة الناعمة تجد لها مناخا مناسبا في الدول التي تخلو السياسة من التخطيط للمستقبل وظهور رداءة بطانة السياسيين وهشاشة الدولة وكذبها على مواطنيها وتخلفها وفسادها وتفكيك منظمات الدولة .
فالدول الغير ناضجة تخضع بسهولة للقوة الناعمة مثل الدول التي ليس لها شعب حر واعي يحاسب قياداته وبرلمانه وليس لها قوة اقتصادية وليس لديها الخبرة في تسيير أمور البلاد.. ولا حكم رشيد ولا يحزنون .
أن القوة الناعمة تستخدمها الدول القوية في مجال تحتاجه دولة أخرى لكسب ولاءها في قراراتها وهي قوة خفية عن كثير من الناس وقوة جبارة في التأثير حيث إن دول العالم الثالث غافلة عنها وهي التي أطاحت بقادة اليمن , مصر ، ليبيا وتونس وهي التي قادت العالم إلى العولمة .
إن التفكيك الناعم هو تقسيم البلد الموحد إلى دول بشكل سلمي دون الرجوع إلى التصادم المسلح فيما بينهما . لقد تم تفكيك الاتحاد السوفيتي في 25 ديسمبر 1991م باستلام الرئيس بوريس يلتسن الحكم . وقد جاء تفكيك يوغسلافيا من منظور الجغرافيا السياسية جزء من إستراتيجية حلف الناتو للتمدد شرقا بعد انهيار دول المنظومة الاشتراكية فكان لابد من تفكيك يوغسلافيا وإسقاط نظامها كعائق جغرافي أمام الوصول إلى تخوم روسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي . أما الدول التي انفصلت دون أي تصادم مسلح فهي كالآتي :
• انفصال سنغافورة عن اتحاد ماليزيا عام1965 م
• انفصال سوريا عن مصر في 28 سبتمبر 1961 م
• انفصال الشيك عن سلوفاكيا عام 1993م
• انفصال ناميبيا عن جنوب إفريقيا
• انفصال باكستان عن الهند عام 1947م
• انفصال شمال جزيرة قبرص التركي عن الوسط وجنوب قبرص اليوناني عام 1974م
• انفصال جزيرة تيمور الشرقية عن اندونيسيا 2002م
وكلنا يعرف إن الوضع في اليمن معقد وشائك وصعوبة حلحلته نظرا لوجود القوى المتنفذه منها المناطقية والعسكرية والقبلية التي ترفض أي تغيير يمس بمصالحها الذاتية مما قد يؤدي إلى انفجار الصراع بين جميع مكونات المجتمع في اليمن والجنوب العربي وحضرموت , فأن بعض الدوائر الغربية ترى إن الخروج من ذلك المأزق من خلال مؤتمر الحوار الوطني وما ينتج عنه من قرارات ستفرض إقليميا ودوليا مما يتماشى مع مصالحها وإبعاد شبح الصراع المسلح بين القوى المتناحرة .
ونظرا لصعوبة تحجيم تلك القوى صاحبة النفوذ في الواقع اليمني فأن بعض الدول ترى من خلال إنشاء الأقاليم حلا جذريا للمشكلة.فأما التوافق فيما بينهما في استمرارية النظام كمخرج سياسيا للأزمة اليمنية مع استحداث بعض التعديلات من المركزية الشديدة وأعطى الأقاليم بعض الصلاحيات لتسيير أمورها الخاصة . لقد قال جمال بنعمر مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن أخيرا أن شكل الدولة اتحادي ولم يؤكد إن كان فدراليا أم لا . ويا ترى هل مشروع الإقليم الشرقي الفيدرالي سيرى النور لأن إقامة هذا المشروع هو اللبنة الأولى لإقامة دولة حضرموت المنتظرة إن شاء الله . إذا إن مجهود مؤتمر الحوار الوطني من مارس إلى أكتوبر 2013 أي ثمانية شهور في فندق خمسة نجوم راح في خبيط الرماد كما يقول المثل الحضرمي .
يا سادة يا كرام لقد تبخرت تلك الأحلام الوردية .. أين الحكمة اليمانية وأين الشجاعة الجنوبية وأين الأمانة الحضرمية .. هذه الشعوب تموت وتحتضر من الفقر والجوع والمرض وجهل مريع.. فلا طعام متوفر للجميع ولا علاج بمعنى الكلمة من علاج ولا كهرباء مستمرة ولا تعليم متطور ولا أمن ولا أمان ولا استقرار ولا عيش كريم . يجب على هؤلاء الذين يحكمون أن يخدموا شعوبهم بكل أمانة وإخلاص من أجل تحسين الأوضاع المأساوية التي يعيشونها وأن لا ينظروا لمصالحهم الشخصية فهل الثروة التي جموعها من خيرات البلاد أعمت أعيونهم وهل السلطة والنفوذ قست على قلوبهم. دعونا نتسامح ونتصالح وننسى الماضي ونعطي كل ذي حق حقه . فأهل اليمن أهلنا وإخواننا وليس بيننا وبينهم أي حقد أو كراهية ويأخذوا مالهم قبل الوحدة وأهل الجنوب العربي أشقائنا وحبايبنا يحكموا بلادهم بأنفسهم وتعود المياه إلى مجاريها ونكون متحابين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, واطلب من الأخوة في الجنوب العربي الذين بيننا وبينهم رحم وعشرة عمر أن يكفروا عن غلطتهم الفظيعة التي الحقوا بها دولة حضرموت بالقوة في دولة الجنوب العربي التي لم تكن جزء من الجنوب العربي ودون أي مسوغ قانوني ودون أي استفتاء للشعب الحضرمي . لقد كانت حضرموت على موعد مع الاستقلال في 9 يناير 1968م ولكن خبث الجبهة القومية وغدر البريطانيين بتسليمهم حضرموت إلى الجبهة القومية وبالتواطؤ مع جيش البادية مقابل عدم الملاحقة القانونية لتبعات الاحتلال البريطاني حال دون ذلك فكان الشعب الحضرمي هو الضحية . ثم هل يعقل أن يحكم الجنوب العربي أبناء حضرموت الذين يملكون 80 % من مساحة الأرض بينما الجنوب العربي مساحته 20% . أي منطق هذا ؟ أنه منطق اعوج لأشخاص ما زالوا يحلمون بأيامهم السوداء . أما إذا يريد أبناء الجنوب العربي في إتحاد معنا فأهلا وسهلا بهم بشرط أن تكون الدولة اتحادية فيدراليه ومن إقليمين ولكل إقليم برلمان الخاص به بالإضافة البرلمان الفيدرالي في العاصمة. كذلك يكون لكل إقليم حكومته الخاصة بكل حقائبها الوزارية ماعدا الدفاع والخارجية ويعين لهما وكلاء في كل إقليم. كذلك يتمتع كل إقليم بدستوره الخاص ماعدا الدستور فيما يتعلق بالمسائل الاتحادية .
أن ما قاله السفير الأمريكي جيرالد فايرساتين في مقابلة مع قناة العربية أخيرا لم يراعي مشاعر أبناء الجنوب العربي وحضرموت .. حيث قال بكل عجرفة : (( إن القضايا التي تشغل الناس كثيرا في الجنوب، فهذه قضايا يمكن حلها بمنحهم مزيدا من حرية إدارة شؤونهم والحكم الذاتي )) . ما هذا الاستهتار بشعب ودولة كانت ذات سيادية وعضو في الأمم المتحدة . نفس الشئ عملته الجبهة القومية بدولة حضرموت حيث كانت حضرموت تحمل أعلامها الخاصة ولها جيوشها ولها عملتها ولها كل مقومات الدولة فحولتها الجبهة القومية إلى مجرد رقم أو محافظة .. وكما يقول المثل : كما تدين تدان .
وأقول للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة فيجب أن تفهموا أن التاريخ يعيد نفسه ويتركوا عقدة الانفصال التي يعانوا منها . فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية شهدت حربا أهلية مدمرة بين شمال وجنوب الولايات المتحدة في عهد الرئيس أبراهام لنكولن الذي قاتل بشراسة ضد مشروع انفصال الجنوب الأمريكي . وبعد حرب أهلية دامت أربع سنوات تم إرجاع الجنوب لحظيرة الولايات المتحدة الأمريكية , واستتبع ذلك الشطب الكامل والتاريخي لمشروع الانفصال .
لقد سمعنا عن الجدل الشائك الذي يجري في المملكة المتحدة حول استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة . ولنعيد التاريخ إلى الوراء .. نجد أن الوحدة بين اسكتلندا وانجلترا قائمة منذ عام 1707 م لتكوين المملكة المتحدة . الآن نجد أن هناك فئة ترفض الفكرة ككل وتشعر بأن هذا الاتحاد لن ينجم عنه إلا دمار اقتصادهم الوطني وحريتهم ومجتمعهم . لقد وعد الحزب القومي الاسكتلندي الذي فاز في الانتخابات الاسكتلندية عام 2011م بأنه سوف يتيح للشعب الاسكتلندي حق التصويت حول استقلالهم عن المملكة المتحدة بينما انجلترا خائفة من انفصال اسكتلندا عنها . إن السؤال الذي سيطرح لا يزال قيد النقاش ، إلا أنه بات من الواضح أن استفتاء سيعرض على الشعب الاسكتلندي قريبا . يعتقد الكثير في انجلترا أن اسكتلندا سوف تواجه أزمة اقتصادية كبيرة إذا ما قررت الانفصال عن هذا الاتحاد , بينما يأتي رد العديد من الاسكتلنديين بأن الأرقام تحكي عكس ذلك , وأن انجلترا قد استفادت بشكل غير عادل من نفط الشمال الاسكتلندي (الخاص بهم ) . فيا ترى هل هذه الدول معقدة من شئ اسمه انفصال أم ماذا؟ إن الحل الأمثل لهذه القضية هو تكوين ثلاث دول .. دولة اليمن ودولة حضرموت ودولة الجنوب العربي وغير ذلك فلا أمن ولا أمان ولا استقرار في المنطقة .. وأملنا في الله كبير أن يزيل هذه الغمة أن شاء الله .