أنا لا أكتب عادة عن مشاهدتي لرجال في منتصف العمر، تغطي أجسامهم رغوة الصابون. ولم أقصد الشرق الجزائري لهذا الغرض.
ذهبت إلى هناك بحثا عن الحمامات الرومانية في مدينة خنشلة، وفاتني أن يما يجذب الكثيرين من السكان المحليين ليست الهندسة المعمارية العتيقة، أو المحافظة عليها بدرجة عالية، وإنما وفرة الماء الساخن المتدفق في حوضين مكشوفين، مجانا.
تقدمت إلى حافة الحمام مرتديا كامل ثيابي، ولا أحمل منشفة، على كتفي، وهو ما جعل العيون ترمقني، وساد صمت مفاجئ، جعلني أتساءل ما إذا كانت زيارتي لائقة تماما.
في الكثير من مثل هذه الوضعيات، لم يكن هناك ما أخشاه. فالجزائر لا تختلف عن بقية البلدان في هذه المنطقة من العالم، من حيث الحفاوة والكرم الذي يحظى به الأجانب.
وبمجرد أن حاولت الكلام بفرنسيتي الضحلة، أو بالقدر الذي أملكه من اللهجة المصرية التي لا يفهما الجميع هنا، حتى تحلق حولي رجال بلباس الاستحمام مستعدين للرد على أسئلتي، بشأن الحمام وبشأن تاريخهم.
كنا واقفين قرب الحوض الصغير. إنه حوض دائري محفوف بصخور بيضاء كبيرة، تآكلت بفعل قرون من الاستخدام، وبه رصيف للجلوس، جعله يشبه مغطسا عتيقا.
هنف في أذني رجل يحمل قنينة غاسول: " لقد بناها الرومان، قبل ميلاد المسيح".، ورد عليه آخر: "لكنها تضررت في زلزال، ورممها العثمانيون بعد ذلك".
لقد وقع زلزال بالفعل في القرن 14. وعلى الرغم من عدم رصانة التواريخ التي أوردوها، لكنك لا تستطيع أن تغفل عن حماستهم وفخرهم المتأجج.
فطقوس الحمامات العامة لا تزال حية في خنشلة.
وبدا لي وأنا أتخطى الأجساد المضطجعة والسيقان المتدلية في مياه بزرقة البحر، أن شيئا لم يتغير، منذ أن بنيت هذه الحمامات في القرن الأول قبل الميلاد.
وحدها أشغال الطوب العثمانية، وأبواب غرف تغيير الملابس، والدلاء البلاستيكية بألوانها البراقة تفضح الأمر.
وتحتفظ الحمامات العامة بدورها الاجتماعي أيضا. فيها تناقش المسائل العائلية وتحل، وتروى النكت والقصص، وتتعالى الضحكات متناغمة مع صوت الضرب على الظهر أو اليد، مرحا.
والرياضة حاضرة بقوة في النقاش، في حين أن الحديث في السياسة أقل، فالتشكك فيمن يستمع ورثه الناس في هذه البلاد عن الحرب الأهلية، عندما كان الكلام المتهور يؤدي إلى التهلكة.
ولا يقدر أحد أو يتمنى أن يخاطر بنزاع آخر. وهذا من بين التفسيرات المنطقية لكون الربيع العربي لم ينبت في الجزائر.
وقبل أن أصل إلى خنشلة زرت آثارا رومانية أخرى في الجزائر، منها تيبازة وهي بلدة جميلة تقع على البحر الأبيض المتوسط، مشهورة بأطباق السمك.
تيمقاد، وهي مدينة رومانية نموذجية كانت تضم نحو 15 ألف ساكن.
جميلة، وتقع في أحضان واد كثيف الأشجار، وبها سوق كأنها يعود للقرن الماضي فقط.
ولكنني لم أتمكن في كل هذه الأماكن أن أتحدث لأي أحد.
ففي لمبيز، وهي قاعدة عسكرية تعود لعهد الروماني، كان رفيقي طائر اللقلق وقد وضع عشه فقو قوس النصر.
الآثار الرومانية متشرة كثيرا في الشرق الجزائري
وفي خنشلة ودعت الناس واستمتعت بضحكات أصدقائي بلباس الاستحمام، وكان الشباب منهم يرددون أسماء لاعبي كرة القدم الإنجليز الذين يعرفونهم، من أجل لفت انتباهي.
وقبل أن أغادر سألني واحد من الرجال الأكبر سنا: " هل ذهبت إلى خميسة؟"
وأجبته بلا، لأني لم اكن أعرف المكان الذين يتحدث عنه.
فرد، "ينبغي عليك الذهاب، فهناك مدرج روماني من أفضل الآثار التي تمت المحافظة عليها في البلاد، جميلة.
نظرت في الدليل السياحي الذي معي، فلم أجد أثرا لخميسة. فأشار صديقي بأصبعه على نقاط تدل على مواقع تاريخية مهمة، واحد من بين العشرات المنتشرة عبر البلاد.
ركبت السيارة، وحضرت نفسي لزيارة منفردة أخرى، وأنا سعيد بمن لقيت في الحمام.
* بي بي سي