في بلادنا الكمين، نعم الكمين، لا الوطن، لا الدولة، لا الجمهورية.
بلاد وضعت على الأرض كفخ كبير، كلما حاولنا أن نرفع رؤوسنا علقنا بأسنان مصيدة جديدة، معاناة تخرج منها حتى تواجه أخرى، وكأنه كتب علينا أن نتلقى الصفعات بالتناوب، وأن نصفق بعدها كي لا يتهمونا بالتمرد والخيانة.
لا تحدثوني عن الوطن قبل أن تمنحوني حقوقي فيه، وقبل أن تشهروا في وجهي فاتورة خدمة تطالبونني بدفعها مقابل العذاب المفروض علي.
أقف كل صباح أمام طوابير البحث عن أسطوانة غاز، فأرى الناس كالمتسولين أمام كل محطة، وكأنكم تصرفونها لنا مجانا من جيب أمهاتكم!
كرهتونا عبارة “الأمور طيبة” حتى بت أشك أن هذه العبارة سلاح نووي يستخدمونه كلما اشتدت علينا الهزائم.
كرهنا إنجازاتكم العظيمة التي تحققونها عبر إعلامكم الرخيص.
إنجازات من نوع “افتتاح حفرة جديدة لتبتلع سيارات المواطنين” أو “تدشين حملة لإعادة تدشين حملة سابقة”.
لو كان الجوع إنجازا، لكنا نحن قادة العالم، ولو كان الصبر على مساوئكم فريضة، فأنا أكفر بكم وبكل مشاريع التي تسوقونها علينا ليل نهار.
كم مرة يجب أن ننحني حتى ترضوا؟
كم مرة نبيع آخر ما نملك من دم وعرق وكرامة حتى يصفق أحدكم لنفسه أمام الكاميرا، ثم يمن علينا بابتسامة صفراء؟
كم مرة نجلد بسياط عبثكم وفساد مؤسساتكم قبل أن نفهم أنكم لا تريدون منا إلا أن ننهق كالحمير شاكرين؟
لقد تعودنا أن نضحك من بؤسنا، أن نسخر من قهرنا، أن نكتب النكتة فوق الجرح، لكننا اليوم، صرنا نخشى أن نفقد حتى هذه الموهبة، وسنرسم لكم بعدها تكشيرة"عبس وتولى".
فالوجع فاض حتى غمر الكلمات، وغمر قدرتنا على الضحك من قلب يعتصره الغضب.
في هذه البلاد، لا تسأل أين يذهب النفط، ولا أين تصرف المليارات، ولا أين تذهب الإيرادات، ومن يدفعها، ومن لا بدفعها لخزينة الدولة؟ ولا لماذا يهان الناس على أبواب المستشفيات، لأنك إن سألت كثيرا سيقولون لك: "لا تكن سلبيا، فوطنك يحتاج إلى صبرك" .
أي وطن هذا الذي يطلب من أبنائه أن يبلعوا ألسنتهم؟
أي وطن هذا الذي يجعل المواطن يعتذر لأنه جائع؟
أي وطن هذا الذي يحاسبك على أنك ما زلت تتنفس؟
أم أن الوطن تحول إلى قفصٍ كبير، إن حاولت الصراخ فيه، دفعوك ضريبة الصوت.
نحن لا نحتاج إلى خطابات جديدة، ولا إلى تعيينات جديدة، ولا إلى شقلبة في المناصب، ولا إلى لجان تعلق آمالنا على حبال الانتظار.
نحتاج إلى كرامة، إلى أبسط حقوقنا كبشر.
لكن يبدو أن الكرامة في هذه البلاد سلعة مهربة، إن وجدتها في جيبك فأخفها جيدا عن أعين السفهاء، حتى لا يخرج عليك أحد المترفين صارخا: "أمسكوه، لقد وجدنا بحوزته أداة جريمة".