‘‘كتاب‘‘ المعتمد البريطاني الكولونيل (هارولد فيتنون جاكوب .ك.س.آي) عـن إمارة الضالع قبل مائة عام..؟

2017-01-03 04:29
‘‘كتاب‘‘ المعتمد البريطاني الكولونيل (هارولد فيتنون جاكوب .ك.س.آي) عـن إمارة الضالع قبل مائة عام..؟
شبوه برس - خاص - الضالع -

 

مما راق لي تدوّينه من كتاب (ملوك شبه الجزيرة العربية ) لمؤلفه الضّابط السِّياسي والمعتمد البريطاني ــ الخبير السِّياسي في الشُّؤون العربيَّة ــ اللفتانت كولونيل ( HAROLD. F. JACOB, G.S.I. هارولد .فيتنون .جاكوب.ك.س.آي) والحائز على وسام جوقة الشّرف الفرنسي والذي عمل ما يزيد على عشرين عاما في عدن ومحمياتها الشرقية والغربية وكان فيها المساعد الأوّل للمندوب السّامي البريطاني، ثم كان معتمد بريطانيا السِّياسي في هذه المحميات وخلال الحرب العالمية الأوّلى شغل تباعا وظيفة المستشار الأوّل بمصر لكل المندوبين السّاميين البريطانيين.

وقد وضع المؤلف هذا الكتاب باللغة الإنجليزية سنة 1923م (The Kings of Arabia) من القرن الماضي، فكان من الكتب التي أحرزت الإقبال والرواج في الأوساط الغربيّة وغيرها ونورد من بين صفحاته بعض النقاط المهمة التي تطرق لها عن إمارة الضالع :" اعتقد اللفتانت كولونيل بتموورث هينس من البحرية الهندية التابعة للتاج البريطاني قبل وفاته في السادس عشر من شهر يونيو عام 1860م عن عمر ناهز الخمسة والثمانين عاما أنه من المضر بالمصالح البريطانية أن يصبح الإمام الزيدي أو إمام الزيدية ( بقايا الدولة القاسمية ) قريبا جدا من عدن، وقد دافع عن وجهة نظره القائلة بضرورة القيام بإعادة رسم خط للحدود الدولية (كحدّ) لمنع تقدم الزيود نحو الجنوب في إتجاه منطقة قعطبة، وهذا هو الحدّ الجنوبي المعين من قبل لجان الحدود البريطانية التركية الذي تم تخطيطه وترسيمه في الفترة ما بين عام 1902 ــ 1904م ومن الأمور التي أقترحها الكابتن هنس إنتداب مساعد اليوزباشي كروتندن Crutenden لمقابلة الإمام للاتفاق بهذا الخصوص على ترسيم الحدود الدُّولية.

وأضاف" في عام 1902م ذهبنا إلى الضالع التي تبعد مسافة ستة وتسعين ميلا إلى الشمال من عدن، لأن أمير الضالع (شايف بن سيف)كان يشكو من الغزو التركي الزيدي منذُ عام 1872م كما كان متذمرا من طغيان الأتراك على بلاده.

 أبتدأ الأتراك يتوسعون نحو الجنوب وطمعوا في جحاف الهضبة الجميلة التي تكثر بها المحاصيل الزراعية، ويوجد بها نحو ثلاثمائة وستين بئرا، وأرتفاعها عن سطح البحر يقارب ثمانية آلاف قدم، وتطل على نجد الضالع من جهة الغرب، وفي المدى المقابل تظهر في الافق مرتفعات جبل حرير الشاهقة والمماثلة، بينما يطل الشخص على نحو الشمال على أصقاع واسعة وخصيبة، ومن خلفها تقف سلاسل الجبال صفا وراء صف.

وإلى جهة اليسار من الناحية الأمامية تداعب الرياح سطح المياه الفضية التي تعكس ضوء الشمس من نهر وادي تُبن الخصيب الذي وصل ذات يوم إلى البحر مارا بالشيخ عثمان، ولكن مياهه تغور الآن في رمال الصحراء بالقرب من لحج وقد طالب الأمير الشايف أمير الضالع بهذه الهضبة وأورد الحجج والأدلة بأنها تتبع أراضي إمارته وملحقاتها.

ولذلك كان البحث عن وجود مكان لإنشاء مصحة وفي العام 1881م تم وضع اليد على جبل الضُّبيات من إمارة الضالع والذي يقع في الهضبة التي يبلغ إرتفاعها ستة آلاف قدم للإجابة على كل مأرب وغاية ولتلبية الحاجة، وقمة هذا الجبل المرتفع في هذه الهضبة مُسطّحة الشكل ما عدا الجانب الشرقي منها، حيث يرتفع عليه قبر الولي حسن، وفي الأستطاعة مشاهدة هذا القبر الواضح المعالم فوق سطح الأرض من مشارف عدن، وذلك في يوم مشرق وصاف من أيام شهر نوفمبر السّاطعة والواضحة الرّؤية إذا ما وضع المرء على عينيه منظارا أو مُقرّبا (تلسكوبا) ونظر من خلاله صوب الضّريح أو تفحصه الرّائي من مكانه بعدن، وتبلغ مساحة أرض المخيّم حوالي ميلين مربعين والنّصف منها مازال تحت الحراثة، والمسافة من عدن إلى هذا المكان تبلغ خمسة وستين ميلا، وهذه الهضبة تخص فئة من السّادة ...

وتابــع بالقــول:" في عام 1903م تم ترسيم الحدود ورغم التدقيق في تخطيطها وتحديدها أبدى الأتراك بعض الملاحظات على ذلك مع شيء من الارتياب، ولكن بعد رحيلنا عن تلك المناطق وعودتنا من داخل البلاد إلى عدن في عام 1907م حاول الإمام نفسه بعد أن تقلص النفوذ التركي السِّيطرة عليها لا سيما وقد اصبح قويا بعد عقده مع الأتراك في عام 1911م وقيام هدنه بينهم البين.

وأگّـــد" إن أطماع الإمام ملك الدُّولة المتوكلية اليمنية وغاياته تكبر يوما بعد يوم ولازال يواصل الضغط للحصول على مطالبه وإدعاءاته، ونحن اليوم نجد قواته في داخل ما كان يُسمَّى ذات مرة الحدود التركيةً ــ الإنجليزية.

من الأشياء التي أنا متأكد منها أن إحتلالنا لعدن في يناير من العام 1839م وأقامتنا القصيرة فيما بعد في الضالع قد قوِّض النّفوذ التركي وقد عملت في إمارة الضالع معتمدا سياسيا لحكومة التّاج البريطاني في عدن.

وأردف قائـــلا:" حينما كنت معتمدا سياسيا للمناطق الداخلية أقمت حفلة عشاء وأقمتها على شرف الأتراك في معسكري الذي كان منصوبا في بلدة سناح ــ الضالع على الحدود مع مدينة قعطبة عندما كانت القوات التركية في عام 1905م تزحف صعودا في اتجاه صنعاء من أجل التأثير على نجدتها والعمل على إنقاذها من القوات الزيدية التي كانت محاصرة لها وقد طلبت من الجنرال غالب باشا ومن ضباطه أن يتناولوا معي طعام العشاء في (بلدة سناح) هذه وكان الجنرال التركي يتأهب للزحف من مدينة قعطبة في اليوم التالي في اتجاه صنعاء على نفس المنوال، ولهذا فأنه كان مشغولا إلى درجة لم يستطع معها تلبية الدعوة ولكنه أنتدب ستة من ضباطه وأرسل خطابا يعتذر فيه عن الحضور، وقد وصل أولئك الضّباط ومعهم حرس يتألف من مائتي رجل من الجنود الألبان وكانت الساعة السادسة والنصف موعدا للعشاء ووصل هؤلاء الضيوف عند الوقت المحدد لأداء صلاة المغرب تماما...

وأشار في سياق مذكراته بالقول:" وفي سبتمبر عام 1907م عدنا إلى عدن وكان يوجد لدينا في الضالع بالسنة الأوّلى خمسمائة من جنود الفرقة الثالثة البريطانية، وأحدى الفرق الهندية، وقليل من مدافع الميدان وبعض الجنود المختصين بالهندسة المعمارية، وأعمال الحفر والتعدين، بالإضافة إلى واحد وعشرين جنديا من الجنود العدنيين المخصصين للقيام بحراستي.

وخلال السنة الثالثة نُقلت الحامية البريطانية وتأخرت أنا مع مائة وخمسين جنديا من رواد مدارس، ومدفعين آليين.

وقبل أن تُعطى الأوامر بأن نترك إمارة الضالع تقدمت بطلب للبقاء مع الحامية التي تم تخفيضها، لكن هذا الأقتراح قوبل بالرفض باعتبار أن تلك تجربة خطرة، وتم بعد ذلك سحب كل القوة.

وكان من السهل على الأتراك عند أنضمامهم إلى العدو في نوفمبر عام 1914م في الحرب العالمية الأوّلى، القيام بأعمال الكيد والدس مع العرب على طول حدودنا الدُّولية التي أصبح معتدى عليها بازدياد نظرا لغيابنا عن إمارة الضالع.

ومضـى يقــول:" لقد خسرنا بكل تأكيد الهيبة والكرامة بعد أنسحابنا من إمارة الضالع في عام 1907م، ومهما كان السبب فأن أولئك الذين كانوا واقفين خلفه مسؤولين عن الحركة التي أعلنت ضدنا وقامت لمناهضتنا، وقد خسرنا أيضا مصحة جميلة لجنودنا على قمة جبل جحاف...

في عام 1907م وقبيل عودتنا إلى عدن نصحنا أحدُ المشائخ بأن نقوي مركزنا وقد تنبأ الشيخ بعودة سيطرة الإمام ونفوذه بعد رحيل الأتراك وتركنا للمنطقة...

إن واجبات المعتمد السِّياسي في الضّالع كثيرة ومتعددة، ولم يمر يوم إلَّا وكان مثقلا بالعمل، ولقد جمعت ثروة من تراث القوم، وقصصهم، وفنونهم الغنائية والثقافية وأساليب تفكيرهم، وكان جريان الحبر لا يلائمني ومغايرا لطبعي.

لستُ شديد الأسف على رجوعي إلى عدن من الضالع وحتى بعد الجلاء التركي ما عدا الحسرة على فقدان مصحة جحاف الطبيعية التي كانت الحاجة إليها شديدة بالنسبة لعدن.

وقـال فـي سيـاق مذكراتـه:" وقبيل تركنا لمنطقة الضالع والمناطق الأخرى التي بالداخل عام 1907م كان قد أخبرني أحد العرب بأن الكتابات والأساطير القديمة عندهم قد حكت عن قدوم بني الأصفر (الأتراك)...

إن العالم القديم والجديد موجود هنا في بقعة واحدة . أنني أتمنى أن يسجى جسدي هناك هادئا مرتاحا وكلمات الشاعر العربي أبو العلاء المعري ترن في أذني:

عندما يحين أجلي؛ ويأتي وقت رحيلي.دعوني أضطجع متوسد الثّرى في زاوية من الأرض...

 

 

▫ المصدر كتاب : ملوك شبه الجزيرة العربيَّة KINGS OF ARABIA لمؤلفه:

هارولد . فيتنون . جاكوب.

 HAROLD. F. JACOB, G.S.I.

رابط الكتّاب :

https://dl.wdl.org/17232/service/17232.pdf

 

*- شائف الحدي

*- موضوع ذي صلة : اضغــــــــط هنــــا