الأستاذ المؤرخ حسن صالح شهاب ورحلاته الملاحية العلمية

2015-03-15 10:08
الأستاذ المؤرخ حسن صالح شهاب ورحلاته الملاحية العلمية
شبوة برس- خاص - سيئون - وادي حضرموت

 

في يوم الثلاثاء 11 ديسمبر 2012م فجعت الأوساط العلمية ليس في اليمن فحسب بل في عمان والكويت والإمارات العربية المتحدة بموت قامة من قامات البحث العلمي وفارس من فوارسه جال وصال في حلباته الواسعة وخصوصا في مجال الملاحة البحرية والفلكية الذي لم ينازعه فيه أحد، تلك القامة العلمية التي عاشت بعيدة عن الإعلانات والدعايات لأنه لم يكن من أولئك الذين يتسابقون إلى الظهور الذي يقصم الظهور كما يقول السابقون.

إنه الأستاذ المؤرخ والعالم البحري المرحوم حسن بن صالح شهاب اللحجي مولدا العدني مسكنا كان ميلاده في مديرية تبن من محافظة لحج عام 1931م وعاش واحدا وثمانين عاما قضى معظمها في البحث والتأليف حتى قضى نحبه في منطقة دار سعد بمدينة عدن.

 

كان أول لقاء لي مع شهاب في كتابه الأول أَضواء على تاريخ اليمن البحري ثم تتابعت اللقاءات بيننا من خلال مؤلفاته ومقالاته القيمة التي يكتبها في المجلات العربية ، أما اللقاء الشخصي فقد كان في مطار صنعاء الدولي يوم الجمعة 5 فبراير 2010م عندما دخل بوابة المطار ذلك الرجل المرتدي بدلة متواضعة وعليه عمامة على طريقة أهل الكويت وكنت جالسا مع الأستاذ عبدالرحمن الملاحي ود.أحمد بن بريك ود.عبدالله الجعيدي على أهبة الاستعداد للسفر إلى العاصمة العمانية مسقط للمشاركة في الندوة الدولية عن التبادل الحضاري العماني اليمني ومن حسن الحظ كان الأستاذ شهاب أحد المشاركين، فدخل علينا ذلك الرجل وسأل عن الأستاذ الملاحي ولما رآه احتضنه بحرارة فهو منذ السبعينات لم يلتق به ومن هنا تعرفنا عليه ولم يخطر في بالي أنه ذلك العالم الكبير وحاولت أن أعرف سر تفوقه ونبوغه ومؤلفات خير شاهد على ذلك، واقتربت منه شيئا فشيئا ثم في مطار البحرين وفي العاصمة مسقط وألححت عليه بالأسئلة حتى أتعبته فعلا ولكنه كان لقاء حميميا ورحلة ممتعة، وقد أخبرني أنه لم يكن له كثير تلقي للعلم فقد تلقى تعليمه على أحد مشايخ مدينة الشيخ عثمان بعدن فيما يعرف بالكتاتيب وأتقن اللغتين الانجليزية والفرنسية بالممارسة ، وكان يمتلك قلبا عقولا ولسانا سؤولا – كما قال ابن عباس- وثقف نفسه بنفسه من خلال القراءة والسؤال.

 

عمل في ميناء عدن ثم سافر مع السفن الشراعية إلى إفريقيا والخليج العربي فيما بين 1959 – 1964م والتقى في رحلاته تلك بالعديد من النواخذة اكتسب منهم خبرة وعلما كثيرا لم يهتم به أحد من اليمنيين سواه وتعرف على جماعة من نواخذة حضرموت من خلال سفره في سنبوق القادري الشهير تتلمذ عليهم فيما بعد في فنون الملاحة البحرية ولعل من أبرزهم النوخذة محمد بن عبدالله باعباد والنوخذة احمد سعيد باهيال ثم التقى بهما في الحامي عام 1976م أثناء زياراته البحثية لموانئ حضرموت، وقرأ عليهما بعضا من مؤلفات ابن ماجد والمهري ودائما ما يشير إليهما في كتبه الملاحية، وكان معجبا أيضا بتصرفات وعلوم بعض البحارة المتقدمين من أمثال الربان المعلم عوض بن احمد بن عروة (ت بالحامي1914) الذي أهدى إليه كتابه القيم (فن الملاحة عند العرب) وكتب مقالا عنه بعنوان ( من عجائب أسرار الملاحة العربية في المحيط الهندي) نشره في مجلة آفاق الثقافة والتراث بدبي في العددين (29،30) 2000م ودائما ما يشير إليه في نقاشاته العلمية ويقول عنه إنه يمثل امتدادا للعلوم البحرية التي تركها الربانان الشهيران أحمد بن ماجد وسليمان المهري. كما التقى بغيرهم أمثال الشاعر محمد بن احمد باوزير (بو سراجين) والمقدم عبيد بن قطن الشحري ومن بحارة عمان جمعة بن علي وعبدالله محمد وعلي بن سعيد ومحمد مبارك وسالم بن علي بن محمد ومحمد بن ناصر بن محمد ويعتبرهم بحق أساتذته في علم الملاحة البحرية كما يحدثنا في مقدمة كتابه المعجم المفصّل.

ويعترف بالفضل لهم وأنهم لم يبخلوا في شرح ما استعصى على فهمه من المصطلحات الملاحية ولم تضق صدورهم بكثرة أسئلته واستفساراته عن كل صغير وكبير من الأعمال والعادات التي شاهدها عندهم كما يحدثنا في مقدمة كتابه فن الملاحة عند العرب.

 

وقد عمل الأستاذ شهاب باحثا في المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف  بعدن وفي عام 1981 انتدبته دولة الكويت كباحث وعمل بها حتى الغزو العراقي عام 1990م وأصدر بها العديد من كتبه.  

 

آثاره العلمية:

يعد الأستاذ حسن شهاب من القلائل المكثرين في تأليف الكتب العلمية وخصوصا في مجال تخصصه الملاحة البحرية وما يتعلق بها وغيره من مجالات التاريخ، كما حقق وشرح العديد من الكتب والمرشدات الملاحية لنواخذة عمان والكويت وبالأخص مؤلفات الربان الشهير أحمد بن ماجد وقد أخبرني أن آخر عمل يقوم به هو تحقيق كتابه (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد).

 

وقد شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية، كما كان يكتب أيضا في العديد من المجلات العلمية المحكمة التي تصدر في الوطن العربي ومن أبرزها:

• مجلة الحكمة الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعدن.

• مجلة آفاق الثقافة والتراث الصادرة عن مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي – الإمارات العربية المتحدة.

• مجلة نزوى الصادرة عن وزارة الإعلام سلطنة عمان.

أما مؤلفاته العلمية فهي كثيرة وتمت طباعتها في بيروت واليمن وعمان والكويت والإمارات العربية المتحدة وهي كالتالي:

1. أضواء على تاريخ اليمن البحري، وهو أول كتاب ألفه وقد تعرض بسببه إلى السجن وذلك عندما سافر به من عدن إلى صنعاء لغرض طباعته في السبعينات، وقد طبع في دار الفارابي ، بيروت ، 1977م.

2. فن الملاحة عند العرب ، دار الفارابي ، بيروت ، 1982م.

3. طرق الملاحة التقليدية في الخليج العربي ، الجمعية الجغرافية الكويتية ، 1983م.

4. علوم العرب البحرية من ابن ماجد إلى القطامي، منشورات مجلة دراسات الخليج العربي والجزيرة العربية 1984م.

5. المراكب العربية – تاريخها وأنواعها، مراجعة وتقديم أ.د. عبدالله يوسف الغنيم، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، الكويت، 1987م.

6. أسطورة هيبالوس والملاحة في المحيط الهندي ، 1987.

7. الدليل البحري عند العرب.

8. العبادل سلاطين لحج وعدن.

9. عدن فرضة اليمن ، مركز الدراسات اليمني،  صنعاء 1990م.

10. البعد الجغرافي للملاحة العربية في المحيط الهندي قبل القرن السادس عشر الميلادي ، وزارة التراث القومي والثقافة ، سلطنة عمان، 1994م.

11.  البحار اليمني سليمان بن أحمد المهري مرشد الملاحة العربية في المحيط الهندي مركز الشرعبي للطباعة والنشر، صنعاء ، 2000م.

12.  يافع في عهد سلطان آل عفيف وهرهره، مركز الشرعبي، 2001م.

13.  الملاحة الفلكية عند العرب، مركز البحوث والدراسات الكويتية، 2001م.

14.  أحمد بن ماجد والملاحة في المحيط الهندي، مركز الدراسات والوثائق برأس الخيمة، الإمارات العربية المتحدة ، الطبعة الثانية 2001م.

15.  من تاريخ بحرية عمان التقليدية ، وزارة التراث القومي عمان 2001م.

16.  الأعراف البحرية وأحكامها في السفن العربية، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث (المجمع الثقافي)، الإمارات العربية المتحدة ، 2009م.

17.  عجائب الهند لبزرك بن شهريار بين الحقيقة والأسطورة، هيئة أبوظبي 2010.

18.  المعجم المفصّل في مصطلحات الملاحة العربية القديمة والحديثة في المحيط الهندي ، مركز البحوث والدراسات الكويتية، 2010م.

وأما تحقيقاته وشروحه على المخطوطات البحرية المعروفة بالرحمانيات فهي كالتالي:

1. فرجة الهموم والغموم في العلامات والمسافات والنجوم، لبحار مجهول، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1984.

2. قواعد علم البحر، لشعيب بن عبدالسلام، الجمعية الجغرافية الكويتية، 1986م.

3. أرجوزة تحفة القضاة نظم شهاب الدين احمد بن ماجد، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات 1991م.

4. النونية الكبرى مع ست قصائد أخرى، نظم شهاب الدين احمد بن ماجد، وزارة التراث القومي والثقافة ، سلطنة عمان ، 1993.

5. معدن الأسرار في علم البحار لناصر بن علي الخضوري الصوري، وزارة التراث القومي والثقافة، عمان ، 1994م.

6. القاموس البحري (مراجعة)، لبدر بن احمد الكسادي، هيئة أبوظبي (المجمع الثقافي) 2004م.

7. القواعد والميل والنتيجة وعلم البحر، لمنصور إبراهيم الخارجي، مركز البحوث والدراسات الكويتية 2006م.

8. رحماني النوخذة يوسف بن ناصر الخرافي، مركز البحوث والدراسات الكويتية 2007م.

وأما مشاركاته العلمية في الندوات والمؤتمرات فمنها:

• ندوة رأس الخيمة التاريخية الثانية 19 -21 نوفمبر 1988م( الصلات التاريخية بين الخليج العربي والدولة العثمانية) ببحث (البحرية العثمانية ومهمة التصدي للمخطط البرتغالي في البحر الأحمر والخليج العربي).

• الندوة العلمية لإحياء تراث ابن ماجد المنعقدة في الشارقة من 9 -12 يناير1989م  ببحث (رحلات جريئة لابن ماجد سنّ بها موسماً جديداً للسفر إلى جدة).

• الندوة العلمية (اليمن والبحر الأحمر) التي عقدت في باريس بفرنسا خلال الفترة 29- 30 نوفمبر 1993م.

• الندوة الدولية التبادل الحضاري العماني اليمني من 7 – 8 فبراير 2010م ، بجامعة السلطان قابوس، مسقط ، شارك فيها ببحث ( بين شيخي علم الملاحة عند العرب أحمد بن ماجد السعدي العماني وسليمان بن احمد المهري اليماني ).

قالوا عنه:

"لا أغالي إذا قلت أن المؤلف ممن شهد لهم بالدقة والشمول في كتاباته التاريخية القيمة التي جعلت منه بحق المؤرخ العربي الوحيد الذي نال قصب السبق في ترجمة كثير من الوثائق التي تخص منطقة الخليج العربي".

د. علي عبدالله فارس مدير مركز الدراسات والوثائق برأس الخيمة في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه احمد بن ماجد.

" ويعتبر الأستاذ حسن صالح شهاب من أبرز المهتمين بتراث العرب البحري وقد نشر مجموعة من الدراسات التي نالت تقدير الأوساط العلمية المهتمة بهذا الموضوع ... وأثرت المكتبة العربية وفتحت مغاليق هذا المجال المعرفي أمام أبناء المنطقة أو الباحثين المهتمين بهذا الموضوع".

أ.د.عبدالله يوسف الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، في تصدير كتابه الملاحة الفلكية عند العرب.

وبعد ذلك الكم الهائل من الآثار العلمية التي تركها المرحوم المؤرخ حسن شهاب وهي لاشك ستخلده في هذه الدنيا علما بارزا أشهر من نار على علم ، ولكن نقول: هل كرّم الأستاذ شهاب في وطنه بما يستحق؟ لقاء جهده ذلك الذي يفتخر به الجميع، ومنح على أقل تقدير درجة علمية كالدكتوراه كل ذلك لم نسمع بشيء منه .. أفلا يستحق ذلك؟!! بل أكثر وأكبر من ذلك فهو جوهرة ولكن بكل أسف وقعت على مزبلة وهكذا هم المبدعون في اليمن!!! وصدق الأخ نادر العمري عندما كتب عنه مقالا بعنوان (حسن صالح شهاب عالم ضيّعه قومه).

 نعم فقد احتفي به في دول الخليج العربي - وخصوصا في دولة الكويت - أيما احتفاء وانتدبته واستضافته ونشرت له العديد من دراساته كما تجده مفصلا أعلاه ، بل يجلونه ويحترمونه أيما إجلال كما شاهدت ذلك بنفسي في سلطنة عمان وأبوظبي، وقد كرّم في دولة الكويت من قبل أميرها المرحوم الشيخ جابر أحمد الصباح في عام1984م بجائزة إحياء التراث العربي والإسلامي في مجال (علم الملاحة عند العرب)، ومن طريف ما حدثنا به زميله د. احمد صالح رابضة أنه عُرض عليه أن يلبس ملابسا فاخرة تليق به لمقابلة رئيس الدولة، ولكنه أًصر على ملابسه المتواضعة وقال لهم هل أنتم تكرمون شخصي أم ملابسي؟!، وهكذا عاش متواضعا وفي بيت متواضع لايرى لنفسه - مع ذلك الكم الهائل من المؤلفات - أن له أي فضل على أحد، ولهذا لا تجده في مؤلف من مؤلفاته يتفاخر بنفسه ويكتب نبذة عن حياته الشخصية والعلمية كطريقتنا نحن المغترون بأنفسنا، وكذلك هم النوابغ يعيشون ويموتون متواضعين، ومن تواضع لله رفعه الله في الدنيا والآخرة ، فرحم الله شهاباً بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنته وأخلفه في أهله وذويه والوطن بالخلف الصالح.   

 

محمد علوي باهارون

[email protected]