وأنا أقرأ كتاب الله تعالى توقفت كثيراً عند سورة القدر التي يقول الله تعالى فيها ( إنا أنزلناه في لية القدر* وما أدراك ماليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر *
هذه الليلة العظيمة التي أثنى الله عليها في كتابه وخصها بنزول القرآن الكريم ليكون كتاباً يهتدى به عند كل البشر وقال عنها تعالى إنها خير من ألف شهر وقال عنها أنها ليلة سلام حتى مطلع الفجر
وعند العودة إلى التراث العالق بذاكرتي الذي علمونا إياه في مدارسنا وكافة منابرنا عن هذه الليلة المباركة وجدت الكثير من التساؤلات التي تتناثر أمامي عن كل ذلك التراث فوجدت أن الكثير من التفسيرات التي أوردها الفقهاء والمتفيقهين والحكواتيين عن هذه الليلة وجدت أن الكل يدلي بدلوه عن عظمة الأجر الذي فيها وعن وقتها وزمنها لكن الكثير منهم أغفلوا أثناء تفسيراتهم وتحليلاتهم الكثير من الثوابت التي لايمكن تجاهلها عن هذه الليلة العظيمة وعلى ما يبدو أن النقل المتتابع عن طريق العنعنة دون تمحيص وتدقيق قد أنحرف بتلك التفسيرات المتناقضة عن حقيقة هذه الليلة العظيمة فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد البعض قال أنها في رمضان دون تحديد والبعض الآخر قال أنها في العشر الأواخر منه والبعض قال انها ليلة 27 من هذا الشهر الكريم والقليل منهم قال انها في غير رمضان وأنه رآها في وقت غير شهر رمضان ومن وجهة نظري أن الجميع تقريباً خالفوا الصواب والأسباب التي أستند عليها في هذا الرأي هي :
⁃أن الله تعالى قال أن القرآن أنزل فيها وهنا نقول أن القرآن أنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو في مكة قبل فرض صيام شهر رمضان الذي فرض في السنة الثانية للهجرة وأن 82 سورة من القرآن الكريم نزلت بمكة قبل أن يفرض رمضان فكيف نربط بين هذا وذاك؟
⁃أن الله تعالى قال (سلام هي حتى مطلع الفجر) فأي فجر ونحن نعلم أن الأرض كروية وكل لحظة على الأرض فيها فجر ؟
⁃أن الأحاديث التي رويت عن ليلة القدر فيها تناقض فالحديث الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها في البخاري ومسلم يقول تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وحديث آخر لابي هريرة في مسلم ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال أريت ليلة القدر ثم ايقضني بعض اهلي فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر فهل الرسول ينسى أمر مثل هذا في التشريع والله تعالى يقول (سنقرئك فلا تنسى )وقوله تعالى ( واذكر ربك اذا نسيت )
وحديث آخر في مسلم عن ابن عمر يقول ان أناسا منكم قد رأوها في السبع الأول وأري اخرون انها في السبع الغوابر
وحديث آخر عن ابن عمر في مسلم قال تحروا ليلة القدر في التسع الأواخر
وحديث في البخاري قال أنها في خامسة تبقى في سابعة تبقى وحديث آخر رواه البخاري يقول هي في تسع يمضين هي في سبع يبقين .
والحديث المروي عن البخاري عن عبادة بن الصامت قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحا اثنان من الصحابة فقال خرجت لاخبركم بليلة القدر فتلاحا فلان وفلان فرفعت
ودون شك ان هذا الجدل المروي عن رسول الله صلى الله عليه لا يقبله عقل ولا حتى منطق لتناقضه عن أمر هام جداً في حياة المسلم.
وأنا على يقين أن الكثير منه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يترك أمته في جدل مستدام مثل هذا عن ليلة عظيمة مثل هذه حتى يوم الدين.
⁃أما العقل المتدبر لمجموع آيات سورة القدر فيقول أنها ليلة واحدة كانت ولم تتكرر كانت هي الليلة التي نزل فيها القرآن على رسول الله لأن الله تعالى قال في آية أخرى ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) والله سبحانه وتعالى قد بين أن كل أمر من أمور الحياة حتى يوم الدين قد كتبه الله وقدره في اللوح المحفوظ قال المفسرون أن المقصود ب ( حكيم) أي محكم لا يبدل ولا يغير .
⁃أما الأمر الذي لايمكن تجاوزه والذي أستوقفني فهو أن نزول القرآن كان في ليلة واحدة وهي ليلة مباركة كانت في زمن محدد بحدث لايتكرر وهو نزول القرآن وهذا يمكن أن يقاس عليه لو عرفنا تلك الليلة التي نزل فيها القرآن وحتماً لن تكون في رمضان لأن نزول القرآن كان قبل فرض شهر رمضان فكيف بما يحدث للتقويم الهجري الذي بدأ يتغير مكانه كل علم 11 يوم بعد حذف الخليفة عمر لأيام النسيء فأصبح شهر رمضان يأتي مرة في الصيف ومرة في الشتاء ومرة في الخريف ومرة في الربيع وهذا يجل الحركة الثابة التي تحكم الزمن كالفصول والنجوم تتعارض مع حالة التقويم الهجري المتغير.
وفي الختام أود الإشارة إلى أن ليلة القدر ليست زمن يتم اصطياده بل هي سلوك قويم ومعاملة فاضلة ممتدة عبر ساعات اليوم والشهر والعام تجعلك ضمن دائرة (المتقين) ليتحقق حكم الله تعالى (إن أكرمكم عند الله اتقاكم)