كان الجنوبيون يحلمون بوحدة الأمة من خلال ما تشربوها من أفكار قومية واممية منذ ماقبل الاستقلال ، وقد توج هذا الحلم بوضع أول حجر أساس في جدار ذالك البنيان القومي المقدس الذي يتراءى في خيال كل فرد من هذه الأمة من المحيط إلى الخليج ، وما تلك الحجر الذهبية الوضاءة إلى الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية ، وما ذالك البنيان القومي المقدس إلا الاتحاد العربي من المحيط إلى الخليج .
لكن فجأة هوت تلك الحجر الذهبية الوضاءة الى قعر الجحيم ، فنئا الحلم الى ماوراء الافق وتلاشى الامل كالسراب في يوم قائض في صحراء قاحلة ، ربما لأننا أسرفنا في صناعته وتخيلنا تفاصيله وعشناه خيالا وكنا نظنه واقعاً في حين أنا كنا لا نملك أدوات تحقيقه ، فلم يكن كل ذلك إلا مجرد أحلام ليل تحولت إلى كوابيس مزعجه عندما أفقنا وليتنا لم نفق ولم نرَ الواقع بوجهه القبيح .
كان الحزب الاشتراكي اليمني هو الحزب الوحيد الذي يمتلك الفرص المتعددة والوافية لتحقيق هذا الحلم ولكن للأسف الشديد خذلته قاعدته في الجمهورية العربية اليمنية في معركته السلمية والمتمثلة في انتخابات 93 وفي معركته الحربية في صيف 94 التي تصدى فيها لغزو الجنوب من قبل جحافل اقطاع وكهنوت وعسكر الجمهورية العربية اليمنية والتي تكللت بانتصار هذه الجحافل في 7 يوليو 94 على الجنوب وبهذا الانتصار قضي على حلم الجنوبيين الذي لم يكن إلا حلم أمة تحمل أعظم رسالة في التاريخ حملها إياها الله إلى العالمين .
بعد انتصار ذالك الحلف الشيطاني الجاهلي والذي أتى متدثرا بكل جلابيب العصر الجاهلي وموروثاته وثقافته وبعد اصطياد ذالك الصيد المقدس في حفلة طراد حلف الشيطان له في صيف 1994 تم القضاء على حلم الجنوبيين الذي هو في الأساس حلم كل فرد من هذه الأمة من المحيط إلى الخليج لكن الجنوبيون لم يستسلموا بل إنهم عادوا كالعنقاء يبعثون من رماد محرقة صيف 94 في أوج قوتهم وعنفوانهم ، ليحددون الهدف من جديد ويضعون النقاط على الحروف من أجل الوصول إلى هذا الهدف .
ظهر المجلس الانتقالي الجنوبي كوريث شرعي للحركة الوطنية الجنوبية بعد وفاة الحزب الاشتراكي اليمني ، واستطاع أن يجمع أغلبية شعب الجنوب من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية لشعب الجنوب المتمثلة في استعادة الجنوب وبناء دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية فيه ، والتي تمثل للجنوبيين استراحة وقوف على درب تحقيق الأهداف الاستراتيجية للأمة العربية ، لقد اضطر المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الصمت حتى يحافظ على تحالفه الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ، ولكن لا نعلم بعد حوار جدة هل سيعيد المجلس الانتقالي الجنوبي يوسف ليعقوب أم أن الانتقالي سيعود بخفي حنين كما عاد سلفه الحزب الاشتراكي اليمني .
إذا لم يحسن المجلس الانتقالي الجنوبي استثمار نقاط قوته ونقاط ضعف خصومه ويستثمر نقاط تماس المصالح الاستراتيجية المشتركة مع كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فلن يصل إلى الأهداف الاستراتيجية لشعب الجنوب المتمثلة في استعادة الجنوب وبناء دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية فيه ، بل سيعود بما عاد به الحزب الاشتراكي في 94 ( خفي حنين ) وذالك لكون تلك القوى التي واجهت الاشتراكي في 94 هي التي تواجه الانتقالي اليوم .