لسبر بعض أغوار هذا الموضوع الشائك,سندخل مباشرة بالإجابة على التساؤل الموجود بالعنوان بدون مقدمات,ونضعها على شكل نقاط:
-1- لأن الشعب بالجنوب لم يشارك بصياغة مشروع تلك المخرجات التي تتحدث عن دولة يمنية اتحادية من ستة أقاليم برغم مشاركته المحدودة بجلسات ذلك الحوار,والمتمثلة بفصيل (مؤتمر شعب الجنوب), الذي تقـــدّم برؤيته السياسية(المشروع السياسي) المرتكز على مبدأ حل الدولة الاتحادية من إقليمين بحدود عام 1990م, وهو المشروع الذي تم تجاهله كليا قبل حتى أن تنتهي جلساته مثلما تم تجاهل مشروع الحزب الاشتراكي اليمني المداني لمشروع مؤتمر شعب الجنوب, مما حدى باعضائه أي مؤتمر شعب الجنوب أن ينسحبوا باستثناء من تساقط منه على مائدة اغراءات المناصب والأموال.
هذا التجاهل أتى من قِـبل قوى الحوار اليمنية وبالذات تلك القوى التي انفردت بعد انتهاء جلسات ذلك الحوار بطريقة أقل ما يمكن وصفها بأنها بلطجة سياسية وعجرفة إقصائية متغطرسة,ولسان حالها يقول: (المخرجات أو الموت) لتتخذ قرار الستة الأقاليم بغرفة مغلقة,مُـسقطة بذلك مبدأ المناصفة الــــ50% -شمال -جنوب, الذي كان قد اُقر بقاعة الحوار ,وتستأجر شخصيات متكسبة لتنتحل أسماء مكوناتها وأحــزابها للتوقيع بأسمائها ولترتكب على اثر ذلك أحقر عملية تزييف للإرادة الشعبية الجنوبية,مع أن ذلك الحوار -على علاته - لم يحدد شكل الدولة بالضبط ولا عدد أقاليمها وأكتفى بالإشارة فقط الى انه من الممكن أن تكون عدد الأقاليم 2-6 يتم التشاور عليها مع الجميع.
مع ضرورة الاشارة هنا الى ذلك الحوار أفتقر لأبسط قواعد المساواة, حيث أحتوى نظامه الداخلي على شروط وقيود مستندة على أن يكون الاتفاق النهاية على أي نقطة من نقاط الحوار مشروطا بالنسبة العددية من الأعضاء المشاركين 80%,,وهي النسبة التي تهيمن عليها القوى الشمالية بحكم الغلبة العددية لسكان الشمال.أضف الى أن هناك كثير من الأسماء الجنوبية المشاركة بذلك الحوار محسوبة على الجنوب بحكم انتمائها الجغرافي فقط, وهي بالأساس لا علاقة لها بالقضية الجنوبية لا من قريب ولا من بعيد, بل أن كثير منها تناصب القضية الجنوبية الخصومة, تدين بالولاء المطلق لأحزابها ومصالحها الشخصية.
وعطفاً على ما تقدم ذكره فأن ذلك الحوار ومخرجاته قد تم تحديد نتيجته مسبقاً وبطريقة المكر والمخاتلة, ولم يبق إلا ما شاهدناه من فصول مسرحية بايخة. فكيف سيكون مشروع سياسي تم صياغته بهذه الطريقة المخادعة مشروعا سياسي عادلاً لقضية سياسية بحجم وعدالة القضية الجنوبية؟.
-2- إن قِــبلَ الجنوب الآن بمشروع الستة الأقاليم وانخرط بتكرسيه على الأرض كما يراد له أن يتم على يد شخصيات جنوبية منها الشيخ عبدالعزيز المفلحي الذي نكن لشخص كل التقدير, فهذا يعني بالضرورة قبول الجنوب مقدماً بالدستور اليمني للدولة الاتحادية المرتقبة دون أن يعرف حتى مادة واحدة من مواده ,وهذا أمر في غاية الخطورة, فوضع العربة قبل الحصان بمثل هذه الأمور تعني مأساة بكل المقاييس وانتحار سياسي مروّع.
فإن كان تغييب ارادة الجنوب بقرار الوحدة عام 90م قد أفضى الى مصيبة فإن تغييب ارادته اليوم بعد كل ما جرى له من مأسي سيفضي الى كارثة لا نظير لها من المعاناة. فالدستور المزمع إقراره يتحدث عن دولة واحدة بسكانها الثلاثين مليون وسيتم تفخيخه بكثير من المواد التي ستكون مأخوذة من مسودة تم اعتمادها بذلك الحوار لا مكان فيها للجنوب. وهذا يعني فيما يعنيه أن يخضع الكل للإرادة الشعبية اليمنية بحكم الأغلبية, التي هي كما نعلم ارادة شمالية طاغية بحكم النسبة السكانية العددية.
فحتى المواد التي من المتوقع أن تكون بهذا الدستور والتي ستتحدث بشكل بـــّراق عن حق الاقاليم بالثروة وحقها بالانضمام الى بعضها بعض, فلن تكون أكثر من طُـــعم يتم استدراج السمكة الجنوبية الى صنارتها.وسيكون تغييرها أي المواد الدستورية وشطبها بجرة قلم بعد أن تستعيد القوى الشمالية بكل اطيافها توازنها وقوتها وبعد أن تضمن خفوت الصوت الجنوبي وتتلاشى مطالبه السياسية. ولنا في دستور وحدة 1990م عبرة. فالغلبة العددية كان لها الكلمة الفصل بمسخ ذلك الدستور وافراغه من محتواه الوحدوي, الحافظ للجميع حقوقهم, من خلال الاستقواء بالديمقراطية العددية تارة, انتخابات 1993م أنموذج, والاستقواء العددي العسكري (حرب 94م ) أنموذج تارة أخرى. وبالتالي فالحديث عن دستور لا يكفل حقوق الاقلية هو أشبه بمن يحدثنا عن ديمقراطية أربع ذئاب وخروف مجتمعون على طاولة ليقرروا مَــن سيذبحون من بينهم على وجبة العشاء.!
-3- أن أوضاع الجنوب وكذا الشمال ما قبل حرب 2015م غير ما بعدها,أو بمعنى أوضح أن أوضاع اليوم السياسية والعسكرية ليست هي التي كانت قبل هذه الحرب. وبالتالي فمنطيقاً أن يكون تنفيذ مشروع سياسي تم صياغته قبل الحرب هو تجاهلا فاضحا لواقع اليوم ,واستهتارا بالتضحيات الجسام التي قُـــدمتْ بالجنوب ليس فقط بهذه الحرب ولكن منذ عام94م. وعوضاً عن تمرير هذه المؤامرة فأن المنطق والعدل يقولان أن يكون لهذا الوضع المستجد اليوم ولهذه الخارطة السياسية الجديدة الناشئة مشروع سياسي جديد ينسجم مع كل هذا المتغيرات, وليس فرض مشروع قد تجاوزتها الاحداث وتخطته الوقائع.
-4- فهل قبل منتصرو حرب عام 94م(حزب الاصلاح وقيادة المؤتمر الشعبي العام ومنها نائب الرئيس حينها عبدربه منصور هادي) أن يطبّقوا مشروع ما قبل تلك الحرب وهو مشروع (وثيقة العهد والاتفاق) الذي حاربوا لإفشاله, مع أنهم كانوا الشركاء الرئيسيين بصياغته.؟ فقد كان منطقهم بأن وضع بعد الحرب ليس كما قبله.وقضي الأمر حينها. فلماذا اليوم تستميت هذه القوى على تنفيذ مشروعها على الجنوب بعد هذه الحرب, وهو المشروع الذي تم صياغته خلسة عن الجنوب؟.ولماذايفترض على الجنوب وهو اليوم بوضع المنتصر أن يقبل بمشروع رفضه اصلا وهو في وضع المهزوم قبل الحرب؟
*قبل الختام ومن نافلة القول نذكّـــر بما قاله د.ياسين سيعد نعمان بأن الحوار ومخرجاته قد شطبا القضية الجنوبية شطباً كاملاً. فأن كان هذا رأي د. ياسين وهو أحد ابرز المشاركين بهذا الحوار علاوة على انه الشخصية الأكثر مصداقية وانصافاً التي لا يختلف حولها أثنان قد قال عن هذه المخرجات وهذا الحوار ما قاله. فماذا بقي إذاً بيد مَـــن يجادلوننا في ذلك؟.
- حكمة: أعدل الشهود التجارب.