بدو أن النخبة السياسية بالثورة الجنوبية( الحراك الجنوبي) -أو بعضها - ما تزال أسيرة عواطفها السياسية الساذجة التي جبلت عليها منذ أمد طويل وهي تتعاطى مع منعطفات مصيرية وطنية كالتي نمر بها اليوم.
فتسليط الضوء منذ أيام في وسائل إعلام السلطة التي يهيمن عليها حزب الإصلاح على العربات القتالية بمنطقة المخاء الشمالية وهي ترفع علمَــيّ الجنوب والمملكة العربية السعودية وتغييب علم الجمهورية اليمنية عمداً, وتعمُّد إظهار وسائل إعلام هذا الحزب للفرحة التي غمرت كثير من نخب الجنوب إزاء هذا الحدث لا يدل عن دهاء العقل السياسي الشمالي وتفوقه على العقل الجنوبي فقط بل على عقم وضحالة تفكير العقل السياسي الجنوبي وقصر مسافة نظره الى الأفق السياسي التي لا تتجاوز في بعض المواقف أرنبه أنفه.
فحزب الإصلاح الذي ظل يعتبر رفع علم الجنوب داخل الاراضي الجنوبية جريمة وخيانة وكفر بــوّاح ليس من الغباء والسذاجة اليوم الى درجة أن يعلن معها رفضه أو سخطه من رفع العلم الجنوبي في المخاء , ولن يفعل ذلك اليوم حتى وأن تم رفع هذا العلم فوق كل سارية وعلى كل بيت ومرفق ومعسكر, بل وحتى فوق بوابة القصر الجمهوري بصنعاء ذاته طالما وهو أي حزب الاصلاح ما زال اليوم بحاجة للبندقية الجنوبية وللدم الجنوبي وللمقاتل الجنوبي لينوب عنه بهذه الحرب ويوفر عنه الخسائر البشرية والمادية والأسلحة التي يدّخرها لمرحلة ما بعد دخوله صنعاء سواءً كان هذا الدخول بالحرب او بالتسوية السياسية . ولن يفـــوَت حزب الاصلاح وكل القوى بالشمال هذه الفرصة أي فرصة مشاركة الجنوبيين بالحرب بالعمق الشمالي من غير أن توظفها التوظيف الذي يخدم مشاريعها السياسية على حساب جوهر القضية الجنوبية. فحين يقول مثلا الإعلام الشمالي بكل تنوعاته واختلافاته أن مشاركة الجنوبيين بالحرب في الشمال هو دليل على سقوط المطالب السياسية الجنوبية وأنها مشاركة تشير الى انبلاج عهد وحدوي جديد فهنا يكون التوظيف العكسي للدم الجنوبي قد وصل ذروته وبلغت معها البلادة الجنوبية كل مبلغ. ولا عزاء للشهداء وتضحياتهم.
فما زالنا نتذكر المهرجان الجماهيري الحاشد الذي اقامه الحراك الجنوبي مطلع عام 2009 بمدينة زنجبار والذي رُفــع فيه علم الجنوب وعلم المملكة العربية السعودية ورفعت فيه تلك الرايات الخضراء كيف حشدت القوى الشمالية وحتى القوى الجنوبية النفعية المناهضة للجنوب وقضيته كل طاقاتها واستنفرت كل أدواتها لتمطر الحراك الجنوبي بتهمة استحدثتها لتوها في تلك الفترة وهي تهمة الحراك القاعدي الانفصالي واجازت اعتقال كل من يعثر معه على قطعة علم جنوبي, بل وفي حالات عديدة تم اطلاق النار على كل سيارة يخفق فوقها هذا العلم ,وعلى كل من يتجرأ أن يرسم ألوانه على الجدران والأبواب.
فالقوى التي رفضت بالسنين الخوالي رفـع علم الجنوب في الجنوب لا يمكن لها ان تقبله في عقر دارها حين تستوي سفينتها على جودي السلطة في قادم الأيام , وما نراه اليوم من مواقف شمالية مهادنة اليوم ليست أكثر من محاكاة لسذاجة وبراءة العقل الجنوبي الى حين تقضي منه وطرا, ولنا في هذا الشأن تجارب كان آخرها طُـــعم ثورة التغيير عام 2011م الذي ابتلعه الجنوبيين ببراءة لا تخلو من السذاجة , فللأيام ذاكرة لا تخون.
ليس مطلوبا من النخب الجنوبية اليوم أن تعادي الجميع ولا أن تتصادم مع حلفائها ,فالتحالفات ولو كانت تحالفات الضرورة المفروضة أمر لا بد منه كوسيلة من وسائل العمل السياسي للوصول للهدف الرئيس, بل المطلوب منها قليلا من الرزانة السياسية و عدم الانغماس والتماهي مع مشاريع سياسية لا تلبي الحد الأدنى من المطالب السياسية المشروعة في وقت ما تزال فيه القضية الجنوبية تراوح مكانها من التجاهل. وبالتالي فلابد من النظر الى أبعد نقطة بالأفق السياسي الذي يتشكل يمنيا واقليماً , والى ما وراء أكمة هذه الحرب التي دون شك ستنتهي بتسوية سياسية في نهاية المطاف, ولن ينال الجنوب منها غير الوجع والشعور بالخذلان أن هو ظل مطية للغير ,وعصاء غليظة يستخدمها الآخر ضد خصم بحرب مجهول النهاية, ليرميها بالنهاية بالموقد.
قفلة: بوسعي أن اتحمل غباء الغبي الى أبعد مدى, لكنني لا اقوى على تفاخره بغبائه.!