(من اجل فهم افضل لمصادرنا التاريخية )
في العصر الوسيط في حضرموت ، سادت المذهبية الاسلامية اجتماعيا و سلطويا ، ترافق ذلك مع استمرار التشكيلات القبلية التى كانت سائدة قبلا ، ممثلة بالاحلاف القبلية .
لاشك ان الافتتاح المذهبي في حضرموت بالمذهب الاباضي منذ ثورة الاباضية فيها في مطلع القرن الثاني الهجري يمثل ذلك الانسجام الوثيق بين طبيعة السلطة المذهبية الاباضية التي لم تكن تشبه الدولة في شيء ، و طبيعة التشكيلات او التحالفات القبلية كسلطة و مرجعية نافدة في البلاد .
غير ان المصادر الحضرمية تطلق لقب ( السلطان ) على حكام البلاد منذ القرن الخامس الهجري على الاقل ، و هو الامر الذي يتناقض مع طبيعة المذهب الاباضي او المعتزلي الذين يعتمدا نظام (الامامة ) و لا سواه ، كما يتناقض ايضا مع سلطة الاحلاف القبلية .
تورد المصادر الحضرمية الاخبار التالية تأكيدا على استمرار و ثبات وجود تلك الاحلاف و سلطتها في الوقت الذي تقول فيه بسطنة اولئك الحكام :
1-سنة 603هج : قدم فهد بن عبدالله ، قدمه ابوه –يقصد (السلطان)عبد الله بن راشد
– أي ان فهد تولى التقدمة القبلية بدلا عن والده عبدالله بن راشد .
2- سنة 757هج: قدم السلطان احمد بن يماني ولده محمد في تريم و في جميع ممالكه .- أي ان محمدا تولى التقدمة القبلية بدلا عن والده احمد بن يماني .
3- سنة 789هج : تخلى راصع – يقصد السلطان راصع بن يماني – عن التقدمة ، و قدم ولده محمد فيها .اي محمدا تولى التقدمة القبلية بدلا من والده راصع بن يماني .
1- سنة 855هج : توفى الشيخ عثمان بن سعيد باعيسى بقيدون و تقدم ولده – باعيسى : العمودي لاحقا-أي ان ولد عثمان تولى التقدمة بعد والده المتوفى .
.- هذا الخبر يعاني من عيب جوهري ، و هو ان (المشيخة ) ليس فيها (تقدمة ) ، و هذا يعزز الاصول القبلية لآل العمودي . (حوادث السنين المذكورة : انظر : تاريخ احمد عبدالله شنبل .).
هذه الاخبار تعني ان نظام ( التقدمة ) القبلية ظل سائدا فاعلا في البلاد طوال تلك القرون ، و هو لازال سائدا فاعلا الى اليوم .غير ان الاهم هنا القول ان تلك السيادية الفاعلة للنظام القبلي و تحالفاته تتناقض تناقضا فاحشا مع أي ادعاء بوجود نظام السلطنات كما نعرفه امس و اليوم مع مظاهره في الابهة و القصور و الخدم و الحشم ، ناهيك عن تناقضه مع الطبيعة (الديموقراطية ) للنظام القبلي .
الحقيقة ان ما تراه من تناقض في تلك الاخبار انما هو تناقض شكلي نشأ عن اختلاف المفاهيم بين تلك المصادر و ثقافتنا اليوم في معنى (السلطنة) ، ذلك ان لقب السلطان في عرف قبائل حضرموت انما يعنى به تحديدا (مقدم الطائلة أي مقدم الحلف و رئيسه) ، و لعل المؤرخ محمد بن هاشم –ت 1960م - يزيد الامر وضوحا عندما قال عن السلطان علي بن عمر الكثيري –ت 825هج - بانه (اول من نصب سلطانا على حضرموت ) ،و بغض النظر عن صحة ذلك الخبر او خطئه ، فان المؤرخ ابن هاشم هنا يضرب صفحا عن كل تلك الاخبار السابقة بوجود نظام السلطنة في حضرموت و لا يقول بها .- انظر – محمد بن هاشم : تاريخ الدولة الكثيرية -27 -
في مطلع القرن الميلادي العشرين ، حدثت ازمة عاصفة بين قبائل حضرموت خاصة حلف (الحموم) و السلطنة القعيطية المؤيدة من سلطات الاحتلال البريطاني . و في تلك الاجواء المضطربة يقول شاعر الحموم المرحوم احمد معلاق مرحبا بمقادمة احلاف قبائل حضرموت :
حيا سلاطين الزيا يلي تجلون الهموم ... الارض حزنت و البرور اتخوفت
و الناس حسبوها القيامة با تقوم .
هنا نجد ان الشاعر الحمومي يخاطب اولئك المقادمة باعتبارهم سلاطين ، و لكنه حدد مفهومه لتلك السلطنة بانها سلطنة بالمفهوم القبلي (الزيا : جمع زي و هو الحلف القبلي) ، و الجدير بالذكر هنا انه لازال يطلق على ابن حبريش بن قحطان مقدم حلف الحموم لقب سلطان الحموم او سلطان الجبل ، كما يطلق على آل باهبري لقب سلاطين سيبان أي حلف سيبان ، و هنا تجد لفظة (السلطان ) الواردة في المصادر التاريخية الحضرمية معناها و انسجامها مع طبيعة الاوضاع المذهبية و القبلية السائدة في البلاد حينها ، و هذا يعني ان ما يطلق عليه لقب (ملك حضرموت) في مملكة حضرموت القديمة ، انما هو مقدم طائلة لحلف قبلي كبير يمثل قبيلة حضرموت ..................
*- بقلم : سالم فرج مفلح – باحث ومؤرخ