كتب : بلال غلام حسين
أهم وثيقة
مرت في أغسطس الماضي الذكرى الخمسين لإغلاق الحدود بين إتحاد الجنوب العربي واليمن, هذه الذكرى لا يعرف تفاصيلها الكثيرين حتى السياسيين الجنوبيين لكون الأحداث تمر من أمامهم مرور الكرام غير مباهين بأن التاريخ يعيد نفسه وأن علينا الاتعاظ منه والأخذ بالعبر. وها أنا ذا أضع بين أيديكم أهم وثيقة سطرها تاريخ الجنوب العربي الذي تمر عليه نفس الأحداث التي بسببها اتخذت الحكومة الاتحادية سابقاً قرار إغلاق الحدود ولندخل في تفاصيل ذلك الحدث الهام.
إجراءات استثنائية
على الرغم من التوقيع على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات لترسيم الحدود بين عدن ومحمياتها من جهة واليمن من جهة أخرى إلا أن التبادل التجاري وتنقل المواطنين ظل مستمراً بقوانين خاصة سطرتها تلك القوانين التي مُهرت بأختام وتوقيعات الطرفين اللجنة الأنجلو تركية بدأً من 1901 مروراً بمعاهدات 1906م وبعدها اتفاقية 1914م وآخرها 1934م, إلا أن الإجراءات الاستثنائية التي سمحت من خلالها حكومة عدن بإستقبال جموع أبناء اليمن في كنفها والسماح لهم بالعمل والتجارة وإعطاء اللجوء السياسي والإنساني للهاربين من بطش الإمام وممارسة كل أشكال الحرية الإنسانية التي تكفلها قوانين عدن سبب لها الكثير من المشاكل والمتاعب من قبل حكام اليمن من النواحي الأمنية والتدخل في شؤون عدن ومحمياتها الداخلية والتحريض على أعمال الإرهاب بالإضافة إلى التحريض الإعلامي من قبل إذاعتي صنعاء وتعز ضد الجنوب العربي وأبناؤه.
إرهاب يقلق حكومة عدن
وقد دأبت حكومة إتحاد الجنوب العربي باستنكار الأعمال الإجرامية والتحذير المستمر من قبلها لليمن غير أن نداءاتها لم تساعد على إيقاف أعمال الإرهاب واستمرت اليمن في تدخلها السافر في شؤون الإتحاد عامة وولاية عدن خاصة, وقد تدارس المجلس الاتحادي الوضع الخطير الذي وصلت إليه الأمور في عدن, ونظراً للإرهاب المستمر وقتل المواطنين الأبرياء والعداء الواضح من قبل السلطات اليمنية, جعل المجلس الأعلى الاتحادي ولمجابهة هذه الأعمال العدائية بتقرير الآتي:
• أنه إعتباراً من منتصف ليل 22 / 23 أغسطس 1966م إغلاق الحدود بين إتحاد الجنوب العربي واليمن.
• عدم السماح لمواطني اليمن بالدخول إلى أراضي إتحاد الجنوب العربي عبر حدودها البرية.
• إيقاف كافة الأعمال التجارية والتبادل التجاري ودخول البضائع بين إتحاد الجنوب العربي واليمن عبر البر والبحر.
وفي بيانها السياسي الصادر رقم: (1492/66) ذكرت حكومة إتحاد الجنوب العربي قائلة: " أن بقيامها بهذا العمل قد اتخذت الخطوة الأولى لتؤكد للسلطات في اليمن أنها لن تسمح بقتل أبناء الجنوب العربي دون فرض أي عقاب وأن حكومة هذا البلد مصممة على المحافظة على الأمن والنظام." وأفادت حكومة الإتحاد أنها تؤكد بأن اتخاذها هذه الخطوة أمر مؤسف له نظراً للروابط التقليدية والتاريخية التي تربط بين شعب الجنوب العربي والشعب اليمني, ولقد كان أمل حكومة الإتحاد أن تعيش بسلام مع أخوتها العرب في اليمن, إيماناً منها بأن السلاح العربي من رصاص وقنابل لن يستخدم ضد أخوتهم العرب في بلاد عربية في ظل حكومة عربية غير أن تشجيع استمرار أعمال الإرهاب وتخويف المواطنين من قبل أعداء الجنوب العربي في اليمن جعل الحكومة الاتحادية أكثر تصميماً على ضمان اتخاذ أقوى الخطوات لحماية أرواح المواطنين في الجنوب العربي. والحكومة الاتحادية تنذر مرة أخرى السلطات في اليمن أنه إذا ما أستمر الإرهاب فأن خطوات أشد سوف تتخذ. ولقد اتخذت الخطوة الأولى وستليها خطوات أخرى إذا ما أعيق تقدم وطننا الحبيب نتيجة لانتهاج سياسة العنف الخرقاء من قبل أعدائنا عبر الحدود."
وأضاف البيان: "أن المجلس الأعلى الاتحادي قد درس هذا الوضع الخطير ويدرك تمام الإدراك أن اليمن مع مزيد الأسف كانت ولاتزال المصدر الوحيد لجميع الأعمال الإرهابية والاغتيالات الإجرامية ولقد جعلت حكومة اليمن أراضيها قاعدة ينطلق منها الإرهابيون يحملون أسلحة الدمار الغادرة للفتك بالمواطنين المسالمين, ولم يقتصر دور حكومة اليمن على إيواء الإرهابيين وتزويدهم بالسلاح وتدريبهم على القيام بأعمال الإرهاب ضد إتحاد الجنوب العربي, ولم يكن لدى حكومة الإتحاد إلا سبيل واحد وهو اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأرواح مواطنيها وممتلكاتهم إيماناً منها القيام بواجبها نحو مواطنيها, وأن حكومة الإتحاد تدرك إدراكاً تاماً ما سوف ينجم عنه هذا الإجراء غير أنه علينا حكومة وشعباً في مثل هذه الظروف أن نتكاتف ونعمل يداً واحدة لنقابل التحدي."
إجراءات لحماية حدود الاتحاد
وبعد إغلاق الحدود البرية بين إتحاد الجنوب العربي واليمن قررت حكومة الإتحاد باتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية حدودها وامن مواطنيها فقامت في 24 أغسطس 1966م بأمر رقم: (س/2/49/19 ) صادر من السلطان صالح بن حسين العوذلي وزير الأمن الداخلي بإغلاق الحدود الجوية والبحرية بين الجنوب العربي واليمن وأمر مراقب الهجرة لعدن بمنع اليمنيين من الدخول إلى أراضي الإتحاد بحسب أنظمة قوانين الهجرة في عدن لعام 1963م.
ونتيجة لهذه الإجراءات حصلت انتكاسة في الحركة التجارية بين البلدين, حيث خسرت حكومة الإتحاد ضرائب كانت تحصل عليها من بعض الواردات من اليمن مثل القات والخضروات التي كانت تدخل من اليمن, وبالمقابل فقد حُرمت حكومة اليمن من دخل يومي مستمر من القات بقدر بعشرة ألف جنيهاً إسترلينياً. وقد دعت الحكومة الاتحادية مواطنيها بأن يقدموا بعض التضحيات التي يتحتم الواجب الوطني عليها, والتخلي عن بعض الكماليات القادمة من اليمن الأمر الذي سوف يساعدهم على التطوير والبناء الاقتصادي مستقبلاً.