الجنوب… بين المليشيات والمؤسسات

2016-06-28 08:58

 

بدون لف ولا دوران ولا مقدمات، لا مستقبل للجنوب -وعدن تحديداً-في ظل غياب الأمن واضطرابه، ولا أمن بدون استعادة المؤسسة الأمنية الجنوبية الرسمية وتفعيلها وإعادة تأهيل كوادرها ورفدها بدماء شابة جديدة مدربة، ولو بالحد الأدنى من التدريب في ظل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة. وأساس هذه المؤسسة الأمنية هي مراكز الشرط بالمحافظات والمديريات والدوائر الأخرى كالبحث والاستخبارات الأمنية وغيرها.

 

ما الذي يجري بالضبط على الأرض اليوم؟ ومن المتحكم واللاعب الحقيقي بالملعب الجنوبي وبالذات الملعب الأمني؟ قطعا ان اللاعب الحقيقي هو من يمتلك أدوات اللعبة وأسباب القوة وعوامل النصر ومن يوظف هذه الأدوات ويحسن استخدامها لمصلحته، وهو هنا من يمتلك المال والقوة والنفوذ(بمختلف انوع القوة والنفوذ). وللإجابة على هذا السؤال أكثر، ولمعرفة الوضع الأمني بالجنوب ووضع مؤسسته الأمنية الرسمية ووضعها بالوقت الراهن ومن يهمّشها ولحساب من وكيف, ومن هي القوى المحلية والإقليمية الأكثر نفوذها على الأرض, وعلاقتها ببعضها البعض سنعرج على بعض الوقائع على الارض ولو بشكل عابر:

 

ففي عدن والمكلا وعموم الجنوب نرى اليوم ان الوطن في هذه الاثناء قد تحول أو يوشك الى ساحة صراعات وتنافس إقليمي بنفَــس عقائدي وبأدوات محلية مختلفة. طرفيَّ هذا الصراع هما: حركة الاخوان ممثلة بحزب الإصلاح ,والتيارات السلفية ( بعد أن طردت حركة الحوثي وصالح من الجنوب وأنتهى التأثير الايراني المحتمل بالجنوب) وقوى أخرى يطول سبر أغوارها وأدوارها بهذه التناولة العابرة:

 

-(حركة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب الإصلاح اليمني) تتلقى جزء كبير من دعهما من دولة قطر ودول أخرى مثل تركيا ,ضمن علاقة هذه الدول بحركة الاخوان الدولية, ودعم اضطراري مؤقت من المملكة العربية السعودية. وحين نقول دعم سعودي اضطراري مؤقت, فذلك كون المملكة ليست على وفاق فكري وعقائدي مع هذ الحركة الاخوانية, ولها معها خصومة تاريخية معروفة ,ولكن الظرف الذي تمر به المملكة بحربها مع جماعة الحوثيين الخصم اللدود لحركة الاخوان اضطرت المملكة لنسج هذا التحالف معها من منطق (عدو عدوي صديقي), وهو تحالف سرعان ما ستبدده رياح وضع ما بعد استكمال التسوية السعودية الحوثية المتوقعة قريبا ,ولكنه بالمقابل يظل تحالف ودعم قائم بشكل واضح وفعّال حتى اللحظة, مكّن حركة الاخوان( حزب الإصلاح) من مجابهة خصومها بكل اقتدار ومنها قوى الثورة الجنوبية والتيار السلفي بمختلف تفرعاته, والذي هو أصلا الذراع السعودي العفّال الذي تعتمد عليه المملكة كركيزة اساسية في حكمها منذ عشرات السنين، وهنا يظهر وجه الدهشة بأوضح صوره حين تتصادم أدوات السياسة ببعضها بعض وتجتمع بيد واحدة.!

 

-التيار السلفي (في الجنوب نقصد) يتلقى دعمه بشكل سخي من دولة الإمارات وجهات سعودية غير رسيمة ليكون قادرا على التصدي في الجنوب لنشاط جماعة الاخوان المسلمين (حزب الإصلاح) الخصم التقليدي لها وعدم تمكينها -أي حركة الاخوان -من الاستفادة من النصر العسكري الذي تحقق على حساب حركة الحوثيين وصالح بالجنوب في عدن والمكلا (وبالشمال أيضاً) -على قلة المناطق المسيطرة عليها شرعية الرئيس هادي-. ويظهر هذا الدعم جلياُ من خلال تمكين الاماراتيين لهذا التيار من مواقع هامة أمنية وسياسية وحتى عسكريا بعدن وحضرموت بعد استعادة هذه المدن من سيطرة قوات الحوثي وصالح منذ عام.

 

وهذا الصراع المستعر اليوم بين هذه القوى كان ضحيته هو الجهاز الأمني الرسمي الجنوبي الذي حاول بالأشهر الماضية (وما زال) أن يقيل عثرته التي دامت عقدين من الزمن ويستعيد دوره ويلملم شتاته كنواة تحاول ان تبث الروح من جديد في جسد وزارة الداخلية الجنوبية المنتظر استعادتها ضمن استعادة الدولة الجنوبية المنشودة لولا هذا الصراع الذي عمل كل طرف من اطرافه الى استحداث له أذرع (مليشيات وكتائب) امنية خارج سياق المؤسسة الأمنية الرسمية، وتقويض عملية استعادة المؤسسة الأمنية لدورها الرسمي. ليتسنى بالتالي السيطرة عليها طالما وهي خارج سياق المؤسسة الرسمية, واستخدامها مستقبلا كحربة في خاصرة السلطة المحلية والأمنية الجنوبية أن تمردت على ما وضع لها من مسار.

 

فمثلا لواء (الحزام الأمني) في عدن المدعوم اماراتيا والمهيمن عليه العنصر السلفي يسعى منذ فترة ان يطغى على دور الأمن العام بالعاصمة عدن, ويحل نفسه بديلا عنها بقوة السلاح والمال ويتخذ قرارات مثيرة للجدل, وتتصدر قياداته عناصر لا علاقة بالأمن ولا توجد لديها الخبرة الأمنية والفنية والتأهيلية بذلك,بقدر ما تتمتع بثقل سلفي, يجعل من القضية الجنوبية في الدرك الأسفل من اهتماماته . فهل يعقل ان يتم فتح سجون متعددة خارج السجون الرسمية والقانونية بالمحافظة, يتم اعتقال العشرات من الناس خارج السياق القانوني وبسجون لا تحمل الصفة الرسمية وبأماكن مجهولة وبطريقة اعتقال تعسفي يفتقر لأبسط قواعد العمل الأمني؟ ثم هل يعقل ان يجعل وزير سلفي من وزراء حكومة اليمنية من نفسه مديرا لأمن العاصمة عدن ,ويكون هو الناطق الإعلامي لها وهو من يأمر وينهي ويقرر ويتصرف بتصرفات شتى في ظل وجود مدير أمن رسمي ناهيك عن سلطة محافظ وقائد منطقة؟ ويتخذ قرارات مرتجلة تضر أكثر مما تنفع, وتنفر ولا تبشر. وماذا يعني تعميم مسميات كتائب فلان ولواء علان, حتى وصل الأمر الى منتسبي المرور بعدن (كتائب……) لمصلحة من تتنازع عدن كل هذه المسميات والكيانات الدخيلة على مدنيتها وسلمها التاريخي؟. وهل يعقل ان نحارب المليشيات بمليشيات واللادولة باللادولة؟.هل يعقل ان يقوم البعوض بعلاج الملاريا ؟.

 

هل هي هذه ملامح دولة النظام والقانون التي ينشدها الناس؟. مع تقديرنا لمعظم منتسبي هذا اللواء( الحزام الأمني) ولدورهم الوطني والبطولي الكبير, لكن كثير منهم لا يعلمون ماذا يُـراد لهم, ويجهلون ان للسياسة أنياب ومخالب لا تعرف ولا تعترف بحُـسن النية وصدق النوايا. ولا ترحم من يكسًر مجاديفه بيده وهو في بحرٍ لجٌ.

 

فليس المستهدف من هذا هو مدير أمن ولا الأمن برمته بهذه المحافظة او تلك بل المستهدف أولا وأخيرا هو رأس القضية الجنوبية وبأيادي جنوبية تقوض الجهود المبذولة لاستعادة بقايا دولة مفقودة بقصد أو بدون قصد؟

 

فلم يبق لهذا الوطن المرزؤ بعد أن خذله ساسته في المضمار السياسية غير الثبات على الأرض والتمسك بالمنجز المحقق.

 

وحين نقول الثبات على الأرض نقصد التمكن من المؤسسات واستعادة حيويتها وروحها الوطنية المسلوبة, وعلى رأس هذه المؤسسات تأتي المؤسسة الأمنية كمؤسسة التي تملتك مفتاح الخير ومغلاق الشر بيدها أن سارت في سكتها الصحيحة.

 

*خاتمة: خذوا الحكمة من الأعمى فهو لا يضع قدمه على الارض حتى يستوثق من موضعه بعصاه.