قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وهو يتحدث عن اليمن قبل أيام (اننا نسعى الى يمنٍ قوي وموحد...).
وقبله بيوم كان قد قال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ضمن كلمة له بمناسبة ثورة 11فبراير التي استهدفت اسقاط نظام على عبدالله صالح عام 2011م: (سنعود لمناقشة مسودة الدستور في الهيئة الوطنية من حيث توقفنا، وسنمضي في كافة الاستحقاقات من استفتاء عليه وإجراء انتخابات وتنفيذ ما تبقى من المبادرة الخليجية...).
وعلى إثرها عبّــرت أصوات جنوبية عن امتعاضها من هذين التصريحين، بل ان البعض ذهب الى أبعد من درجة الامتعاض وتجاوز مماس دائرة الغضب الى عمق الإساءة والتشنيع. وكأن السعودي وهادي قد سبق لهما أن وعدا ان يقدما للجنوب الاستقلال على طبق من ذهب وبلاتين.
ثمة مقولة تقول (لا تُلم الناس إن خذلوك ولُـمّ نفسك لأنك توقعت منهم أكثر مما ينبغي). هذه المقولة تنطبق على هؤلاء الساخطين من تصرح هادي والجبير. مع انهما أي -هادي والجبير -لم يخذلا الجنوب لأنهما أصلا لم يوعداه بشيء، وبالتالي فلا يمكن ان نقول عنهما انهما تنكرا للجنوب وخذلاه.
فمن أول يوم وصل فيه هادي الى عدن بعد هروبه خلسة من صنعاء من يد جماعة الحوثيين لم يصدر عنه أي وعد بانه سيعمل على استعادة دولة الجنوب أو تفوه بكلمة بأنه اتى الى عدن لنصرة الجنوب، أو حتى قال نص كلمة بانه سيعمل على منح الجنوب حكم فيدرالي من اقليمين. بل على العكس من ذلك، الرجل كان ولا يزال واضحا حيال الجنوب وحيال اليمن ككل. فهو يتحدث بلسانٍ يمنيٌ وحدويٌ مُبين. ولم يتصرف قولا ولا فعلا خارج سياق صفته كرئيس لليمن الموحد. إذاً كيف نقول عنه ان نكث بوعده؟ وكيف يحق لنا ان نغضب من خطابه الوحدوي كالذي قاله قبل أيام؟ فالرجل وللأمانة كان واضحا بموضوع الوحدة.
وكذلك الحال مع المملكة العربية السعودية فهي منذ وضعت الحرب أوزارها على الجنوب عام 1994م لم يصدرها عنها أي خطاب يشير الى نيتها بدعم الجنوب باستعادة دولته والتصادم مع صنعاء, بل انها انخرطت بتفاهمات مع السلطة اليمنية ما بعد 1994م وذهبت معها الى أبعد مدى من التفاهمات وشراكة المصالح بلغت ذروتها عام 2000م بتوقيع اتفاقية الحدود وإجبار معظم قيادات الجنوب الموجودة بالخارج للعودة الى بين يديّ جلاديها.
وحتى حين انطلق حرب عاصفة الحزم نهاية مارس العام الماضي كان موقف المملكة حريصا على بقاء الوحدة على وضعها الحالي، بلغ هذا الحرص بمشروع القرار الخليجي الذي تقدمت به دول الخليج لمجلس الأمن وأقره المجلس برقم 2216 في غمرة الحرب الأخيرة والذي يشير بأول فقرة له على ضرورة الحفاظ وبقوة على وحدة اليمن. ولم تعط المملكة للقيادات الجنوبية التي هي متواجدة بالرياض أي وعد علني ولا حتى ضمني أو اشارت لأحد من هذه القيادات بالخفاء من تحت الطاولة أو همست في اُذن أحدهم بانها ستعمل على استعادة دولة الجنوب بمجرد انتهاء الحرب على الحوثيين. فالمملكة أعلنت عاصفة الحزم لتنفيذ أهداف محددة وواضحة، وليس في أجندتها شيء اسمه جنوب. فالقيادة السعودية مثلها مثل كثير قيادات دول العالم التي تضع مصلحة شعبها فوق كل اعتبار. إذاً ان كان هناك من يستحق اللوم فهم الجنوبيين وليس هادي ولا الجبير ولا الملك سلمان.
لا تعتمد كثيرا على أحد في هذه الحياة فحتى ظلك يتخلى عنك إذا أظلمت بوجهك. هذا ما ينبغي على الجنوبيين ان يفهموك. فالاتكال كليا على الغير هو ثقافة بائسة وفشل معيب. فالبحث عن مكامن القوة في النفس والاستفادة منها هو الاسلم والاشرف. وللجنوب من عوامل قوة ما يكفيه ان فتش عنها في ذاته، فهي كفيلة بان تغنيه حاجة السؤال واستجداء المعونة من الغير.
*حكمة: لا تدع غيرك يلـوّن حياتك فقد لا يحمل بيده سوى قلمٌ أسود.