الإبداع الحضرمي في فن العمارة .. ‘‘منارة المحضار أطول منارة طينية‘‘

2015-10-04 09:45
الإبداع الحضرمي في فن العمارة .. ‘‘منارة المحضار أطول منارة طينية‘‘
شبوه برس - متابعات - تريم

 

مسجد المحضار بمدينة تريم

تحت إشراف السيد عمر المحضار بن عبدالرحمن السقاف – أول نقيب للعلويين المتوفي في عام 833هـ / 1429م تم بناء مسجداً بتريم 63×93 قدم وقد وسع المسجد ( العام1333هـ) وجدد تجديداً حديثاً ولقد قام بالبناء والتصميم المهندسون والعمال التريميون عوض سالم عفيف وأخوانه

(وهذه المئذنة من تصميم الشاعر والأديب أبو بكر بن شهاب المتوفي في عام (1334هـ / 1931م)، وتنفيذ المعلم عوض سلمان عفيف التريمي وتعتبر أحد الشواهد الأثرية ومقصد للزائرين والباحثين عن معالم مدينة تريم التاريخية.) ش ب .

مساحة المسجد :

(142) قدم شرق بغرب (126) قدم شمال جنوب داخل فيه المجاز , وعدد سواري المسجد (114) سارية .

منارة المحضار :-

تعد منارة المحضارة دليلاً على تقدم الفن المعماري في حضرموت وروعته وهي مبنية من الطين ومطلية بالنورة وعلى شكل هندسي رائع وملفت ويتحدث عن نفسه وقد بلغ ارتفاع المنارة (175) قدم , ولقد تم تشيدها في أوائل القرن الرابع عشر الهجري وقام بالبناء المهندسون عوض سلمان عفيف وأخوانه التريميون

المعلم عوض سليمان عفيف باني منارة ومسجد المحضار الشهير في مدينة تريم – بوادي حضرموت …

المولد والنشأة :-

في حواري الغناء تريم ولد المعلم عوض سليمان عفيف وترعرع في كنف والده وكان الابن الأكبر للمعلم / سليمان عفيف ونشا في أسرة توارث مهنة البناء أبا عن جد فنشاء في رحاب مهنة البناء وفي هذا الوسط شب ليحترف هذه المهنة كغيره من أقرانه مع أخوته الثلاثة خميس – حميد – عبيد, إلا انه تميز عن الكثير من أقرانه من خلال العديد من الأعمال التي قدمته كمعلم محبا للعمل المتقن ومبدع صادق نزيه مع عملائه , حسن المعاملة والعشرة مع عماله دقيق وشديد المتابعة لهم في أعمالهم ، الأمر الذي أوصله إلى أن يكون صاحب اكبر فرقة عمل حينها , حيث بلغ عدد عماله ما يزيد عن 70عاملا مما جعل شهرته تتسع إلى خارج مدينة تريم وقام بتنفيذ العديد من الأعمال في جميع أنحاء أودية ومناطق حضرموت و دوعن وعمد .

- وكان المعلم عوض عفيف شخصية مهابة عريض المنكبين طويل القامة يغلب على لونه السمرة .

- وعاش عيشة بسيطة وابتنى له بيتا في حارة النويدرة وتزوج من امرأتين رزق منهن بثلاث بنات وخمسة أولاد – هما : سليمان , جمعان , مبارك , عبيد , عاشور الذي ولد بعد وفاة والده هاجر منهم عبيد وعاشور إلى سواحل أفريقيا واستقر بهم المقام هناك وتزوجوا عند أخوالهم آل ساحب.

- والمعلم عوض عفيف رغم مشاغله الكثيرة احد عقال حارة النويدرة البارزين فكان مقدما وسط الحارة أثناء الزيارات والرقصات والتجمعات المختلفة وكان مصلحا اجتماعيا ذا دور بارز في إصلاح ذات البين وحل العديد من القضايا العائلية والاختلافات والنزاعات وكانت كلمته مسموعة ومطاعة لدى الصغير والكبير ورغم كل ذلك ألا انه عاش حياة متواضعة رغم شهرته في أعمال البناء .

عوض عفيف ودوره في العمارة في حضرموت :-

- يعد عوض سليمان عفيف احد عمالقة الجيل الثالث من المعماريين في حضرموت الذين ولدوا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وقد تلقى علومه بالممارسة التطبيقية فكان رائد جيله وبديع زمانه وهو ما جعل أفكاره تقوده لينقل العمارة الطينية في حضرموت من طور إلى طور جديد متطور وأفضل .

أشهر أعماله :-

ما قام به المعلم عوض عفيف من أعمال كثيرة جدا لا تعد ولا تحصى كانت عبارة عن ثمرة لرحلة عطاء كبيرة وطويلة ومتنوعة ولهذا نوجز أهم وأشهر أعماله العظيمة في شقين هما:

أولاً : أعمال البناء للمساجد ودور العلم والأضرحة :-

أظهر المعلم عوض عفيف براعة فائقة في أعمال البناء لمثل هذه المباني والمواقع ومعها اكتسب شهرة واسعة في هذا المجال وقدم رصيدا كبيرا في مثل هذه الأعمال التي انتشرت على طول مناطق وادي حضرموت والمتمثلة في تنفيذ أهم الأعمال التالية :-

1- مسجد المحضار بتريم سنة 1333هـ

2- مسجد باهارون بمنطقة النويدرة بتريم سنة 1329هـ .

3- مسجد شهاب الدين

4- مسجد الزهرة سنة 1348هـ .

5- مسجد الزاهر .

6- مسجد الصفاء سنة 1345هـ

7- مسجد السكران سنة 1328 هـ .

8- مسجد شيخ عيديد سنة 1318هـ

9- مسجد الرياض بسيئون سنة 1316هـ .

10- مسجد آل طالب بحريضة .

11- مسجد خربة باكرمان بوادي عمد

12- مسجد بحر النور بمنطقة الرشيد بدوعن عام 1368هـ

13- قبة الحبيب علي الحبشي بسيئون سنة 1334هـ

14- قبة الحبيب شهاب الدين بن احمد بن سالم بن الشيخ أبي بكر بن سالم بمنطقة عينات بتريم سنة 1335هـ

15- قبة الحبيب حسن بن صالح البحر بمنطقة ذي صبيح بمديرية شبام .

 

ثانياً :- أعمال البناء والتشييد للبيوت والمباني السكنية والمصالح العامة :-

كان المعلم /عوض عفيف رجل ذا حنكة ودراية كاملة مكنته على العمل في مختلف الظروف وتلبية مختلف الحاجات . وفي جانب أعمال البناء والتشييد للبيوت والمساكن والمصالح العامة كان له باعا لا يقل عن عمله وإبداعه في تشييد المساجد والقباب فقد عمل في بناء الكثير من البيوت والقصور والمضالع (السدود) ومن أهم وابرز تلك الأعمال والمواقع هي : -

1- بيت السيد / عمر بن علوي الكاف بمنطقة مولى العرض .

2- قصر آل الجنيد المسمى (بخيته) بمنطقة المجف .

3- قصر الكاف المسمى (خميرانه) الواقع شرقي مسجد الصفاء بمنطقة المجف .

4- بيت عبدالقادر بن الشيخ الكاف وبنقلته الشرقية .

5- دار آل الهادي المسمى (البطيحة)الواقعة نجدي باحواش بتريم .

6- مضلعة (سد) فضلون الواقع بالمسيلة (مجرى السيول) الواقع في طريق مشطه – خباية بتريم .

وطبعا كل هذه الأعمال التي ذكرناها تقع جميعها في إطار مديرية تريم وهناك أعمال غيرها واقعة في مدن ومناطق وادي حضرموت المختلفة .

الخصائص المعمارية لأعماله :-

- لقد تميزت أعمال المعلم / عوض عفيف بعدة مزايا وخصائص ميزته عن غيره من أقرانه وصنعت له اسما ومكانا في العلالي وتتلخص تلك الخصائص في النقاط التالية :-

1. قدرته على تكييف مادة الطين لبناء المباني ذات الارتفاعات العالية ويكفي مثالا على ذلك منارة مسجد المحضار الشهيرة .

2. استخدامه لمواد البناء المحلية – مثل النورة – الخزف – الطين وهو الملاحظ في جميع أعماله .

3. استخدامه لأدوات بناء بسيطة مثل : القادوم – مقطف , فأس – السقاله (ألواح خشبية تستخدم في أعمال البناء في الأماكن المرتفعة ويتم تثبيتها من خلال أنابيب فولاذية أو أعمدة خشبية متينة )) والخرة (ألواح خشبية يتم ربطها بحبال متينة وتتدلى من الأعلى ولهذا يستخدمها عمال البناء في طلاء وصيانة الواجهات الخارجية للمباني )) . ويذكر انه يراقب دقة أعماله بالنظر إليها حيث يبتعد مسافة معينة وعندها يتأمل العمل بدقة ثم يتوجه لإجراء التعديلات اللازمة .

4. معالجته لبعض الواجهات باستخدام النظام الطولي الذي تتخلله أحزمة من الخيش وهو ما لاحظنا بجلاء في مسجد المحضار ومسجد الصفاء ومسجد جامع حريضة وقبة الحبشي.

5. وجود الوحدة الموضوعية في أعماله المعمارية .

6. قدرته البنائية على تغطية البحور الواسعة بالقباب وغيرها كما يلاحظ في أهم أعماله مثل الواجهة الشرقية لمسجد المحضار ومسجد الرياض بسيئون ومسجد الحبيب أبي بكر العطاس بحريضة وغيرها .

7. قدرته على تطويع خام الطين لتلبية متطلبات الواقع المعاصر حينها والأفكار الجديدة مثل المنارة المربعة وأفكار الزخرفة الخارجية التي قل الاعتناء بها في الأزمنة السابقة والحالية .

8. قدرته على التنوع في الأعمال وخصوصا المنائر فنجد انه قدم لنا مجموعه جميلة من المنائر يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع هي : -

أ‌- المنائر الدائرية الأصلية : مثل منارة مساجد الزهرة , شهاب الدين , باهارون ,شيخ عيديد والرياض بسيئون .

ب‌- المنائر المربعة : وفي مقدمتها أروع تلك المنائر (منارة مسجد المحضار ) ومنارة مسجد الصفاء والسكران بتريم .

ت‌- المنائر السداسية : – مثل منارة جامع حريضة .

9. معالجته لمتطلبات البناء ببعض الأفكار البسيطة في مضمونها العظيمة في فوائدها من خلال وضعه بين كل موفر (مراحل ارتفاع البناء) وآخر عيدان اليعبور (أخشاب شجرة اليعبور) وذلك للشد وإحكام الربط .

10. أول من طبق مفهوم المثمون (المسقط الأفقي) المثمن الأضلاع أحد أهم عناصر المئذنة الحضرمية) في مآذن حضرموت بالطين .

11. أول من استخدم القباب الأربع الطينية في نهاية المآذن .

12. اهتمامه بعمل البراويز والنتوءات بين كل طابق وآخر للتأكيد عليها هندسيا .

13. حرصه على استخدام العناصر الإسلامية خاصة في محتوى العقود والأعمدة في الاكساءات الخارجية .

14. حرصه الشديد على دقة وجودة إخراج الأعمال فظهرت معظم أعماله على مستوى عال من الدقة في التنفيذ الهندسي وكأنها قد نفذت حديثا وبوسائل حديثة .

إصابته ووفاته :-

ما ذكرناه وتطرقنا له أعلاه يعد عمرا زاخرا بالعطاء والذكريات الطيبة التي تركها المعلم (الأسطى ) عوض سليمان عفيف لدى معاصريه

وفي أواخر أيامه فقد بصره (احد النعم العظيمة) إلا إن ذلك لم يثنيه عن مسيرة العطاء , فضل ملاذا ومرجعا للكثيرين في كافة القضايا المعمارية الشائكة وبعد رحلة قصيرة مع مرض عضال سلمت روحه إلى بارئها وشجع جثمانه في جنازة مهيبة إلى مثواه الأخير في مقبرة الشيخ سالم اكدر عام 1345هـ وبوفاته طويت صفحة لعلم من أعلام هذه البلاد المعطاة وأسدل التاريخ ستارة على فصل من فصوله المضيئة .

 

*- منقول من RT