صورة تعبيرية من ارشيف شبوة برس
السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة وفرسَانُ دعوة الإسلام (الجزء الثالث)
بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب
كلامهم في فضل الخلفاء الراشدين وترتيبهم:
قال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن عمر بحرق (ت 930هـ) في كتابه «مواهب القدوس في مناقب ابن العيدروس»، وهو ترجمة شيخه العلامة السيد أبي بكر العدني بن عبدالله العيدروس باعلوي (ت 914هـ): «وكان متمسكاً بالكتاب والسنة، حتى إنه كثيراً ما يقولُ، إذا جرى ذكرُ التفضيل بين الصحابة رضي الله عنهم: والله العظيمِ، لو بعث الله والدي الشيخَ عبدالله، وأستاذيَ الشيخَ سعداً، وذكَرا لي: أنّ سيدنا عليًّا أفضلُ عند الله من سيدنا أبي بكر، رضي الله عنهما، ما رجعتُ عن معتقد أهل السنةِ والجماعة، من أن: أبا بكرٍ، وعُمر، وعُثمانَ، أفضَلُ من عليٍّ، رضي الله عنهم أجمعين»، ونقل هذه العبارة عن الشيخ بحرق السيدُ العلامة المؤرخ عبدالقادر بن شيخ العيدروس (ت 1038هـ) في كتابه الشهير الذائع الصيت «النور السافر في أخبار القرن العاشر»(23).
قال الإمام عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في خاتمة «النصائح الدينية»، في (عقيدة أهل السنة والجماعة): «وأن يعتقد فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترتيبهم، وأنهم عدول خيار أمناء، لا يجوز سبهم، ولا القدح في أحد منهم. وأن الخليفة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوبكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان الشهيد، ثم علي المرتضى، رضي الله تعالى عنهم، وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين»(24).
وقال العلامة الجليل السيد علي بن حسن العطاس باعلوي (ت 1172هـ) في كتابه العظيم النفع «القرطاس شرح راتب الإمام عمر العطاس»، في شرح (الذكر السادس) وهو جملة: «بسم الله تحصنا بالله، بسم الله توكلنا بالله»: «الفائدة الثانية عشرة: قال الشيخ صالح بن الصديق النمازي في كتابه «الأنوار الساطعة في شرح العقائد النافعة»: قال محمد بن قتيبة: أجمع أهل الحديث على ستة أشياء، وهي:
1- ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن.
2- وعلى أنه خالق الخير والشر.
3- وعلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
4- وعلى أن الله يرى يوم القيامة.
5- وعلى تقديم الشيخين أبي بكر وعمر في الفضل على سائر الصحابة.
6- وعلى الإيمان بعذاب القبر ونعيمِه.
لا يفترقون في شيء من هذه الأصول، ومن فارقهم في شيء منها نابذوه، وبدعوه، وهجروه»، انتهى ما ذكره النمازي»، انتهى من «القرطاس»(25).
السيد أبوبكر بن شهاب الدين باعلوي
ومن المباحث المهمة، هذا المبحثُ في تقريرِ معتقد أهل السنة والجماعة، الذي دبجه يراع السيد الجليل، العلامة أبي بكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين باعلوي في كتابه «نوافح الورد الجوري شرح عقيدة الباجوري»، قال رحمه الله: «ثم أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام عند أهل السنة: الخلفاء الراشدون الأربعة، اتفاقا، وأفضَلُ الخلفاءِ عندَ جمهورِ أهل السُّنةِ، تبعاً لجمهُور من قبلَهم من السلفِ: أبوبكرٍ، ثم عُمَر، رضي الله عنهما، ولما نُقلَ عن سيدنا علي كرم الله وجهه، أنه قال: «خَيرُ هذِه الأمّةِ بعْد نبيّها أبوبكرٍ ثُم عُمَر». ثم الأفضل بعدهما على قول الجمهورِ: عثمانُ ثم علي كرم الله وجهه. وذهب قومٌ إلىٰ التوقف بين علي وعثمان، وهو مختار الإمام مالك رحمه الله. وجمعٌ إلىٰ تفضيل عليٍّ على عثمانَ، رضي الله عنهما، منهم أبوالطفيل من الصحابة، وهو قول أهل الكوفة، ونقل عن الإمام الأعظم أبي حنيفة من تبع التابعين، وهو أحد قولي مالك، وبه جزم الإمام اليافعي وغيره.
وأما ما نقله ابن عبدالبر من أن سَلمانَ، وأبا ذرٍّ، والمقدادَ، وخباباً، وجابراً، وأبا سعيدٍ الخدريَّ، وزيد بن أرقمَ، نصُّوا على أن عليًّا، كرم الله وجهه، أفضَلُ من غيره على الإطلاق، فقالوا: لم يثبُتْ بسندٍ صَحيحٍ. قال العلماءُ: «ولا يشكل الحكم في التفضيل المذكور بالذرية الشريفة، لأنه لا من حيث البضعية المكرمة»(26). أما باعتبار البضعية؛ فلا يفضل أحد على ذريته صلى الله عليه وسلم كائنا من كان اتفاقاً، والله أعلم.
وقال المحدث الدهلوي رحمه الله في «عقيدته»: «ولا نعني الأفضلية من جميع الوجوه، حتى يعم النسب والشجاعة والقوة والعلم وأمثالها، من التي كانت في علي بن أبي طالب مثلا، بل هي بمعنى عظم نفعه في الإسلام، فأميرا أمة النبي صلى الله عليه وسلم ووزيراه أبوبكر وعمر أفضل باعتبار الهمة البالغة في غشاعة الحق بعده، دون اعتبار النسب والعلم والشجاعة وغيرها، مما كان في غيرهما أكثر وأوفر منهما بإقرارهما، وبهذا يحصل التوفيق بين الروايات المختلفة، والأدلة المتباينة»، انتهى.
ووقفَ بعضُهم عن القَول بالتَّفْضيل، وقال: لكلٍّ فضلٌ، ولا ندري من فَضّله الله على غيره، وليس أمراً يؤخَذُ فيه بالقياسِ والرأي، فوجبَ الإمسَاكُ عن الخوضِ فيه، انتهى. قال بعض أكابر الصوفية: وما بهذا القول من بأس، لأن تفويض ما لا يعلم حقيقته إلا الله إلىٰ علمه تعالى غير متنكر، ولهذا جزم الباقلاني وإمام الحرمين بأن التفضيل ظنّيٌ، وأنه في الظاهر فقط.
على أن هذه المسألة ـ أعني مسألة تفصيل التفضيل ـ ليست من الأصول التي يضل فيها المخالف عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضل فيها: مسألة الخلافة، فمن طعن في حقية خِلافَةِ واحدٍ من الأربعةِ؛ فهو أضلُّ من حمارِ أهْله»(27)، انتهى.
هذا كلام العلامة أبي بكر ابن شهاب الدين باعلوي، وهو كما يرى القارئ الكريم، ينضح علماً ومعرفة وتحقيقاً، فيا ترى، هل اطلع عليه أولئك الذين يرمونه بالتشيع والرفض، ويوغرون عليه صدور العامة!(28). لقد ألف ابن شهاب كتابه «النوافح» أولَ وصوله إلىٰ حيدرآباد، ليبيِّنَ معتقَده، وبراءته من عقائد الرافضة، وبهذا ينقطع الشكُّ الحائم حولَ سلامة معتقده، باليقينِ الثابت من كلامه هُو، رحمه الله.
أقوالهم في تعظيم أفراد الصحابة:
منها قول قطب الدعوة الإرشاد، الإمام عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في كتابه «النفائس العلوية»، في جواب رفعه إليه أحد الزيدية أيام غزوا حضرموت في القرن الحادي عشر، تحت قيادة سيل الليل الصفي أحمد بن الحسن الزيدي، وكان السؤال يتضمن الاستفهام عن موقف الإمام الحداد ممن قاتلوا الإمام علياً رضي الله عنه. فكان الجواب: «اعلم أن الذين باشر علي رضي الله عنهم قتالهم بنفسه في خلافته، بعد أن خرجوا عليه، ثلاث طوائف». الى أن قال: «وكلهم بغاة عندنا، ومنازعون، وخارجون بغير حق صريح، وصواب واضح. نعم، من خرج منهم وله في خروجه شبهة، فأمره أخف ممن خرج ينازعه في الأمر ويطلبه لنفسه. والله أعلم بنياتهم وسرائرهم، وسلامتنا في السكوت عنهم ﴿تلك أمة قد خلت﴾. وقال علماؤنا في شأن الزبير ومن مَعه، ومعاوية ومن معه: إنهم اجتهدوا فأخطأوا، فلهم عذر، وعلى كل حال، فغاية من خرج على الإمام المرتضى من أهل التوحيد المقميمن للصلاة، المؤتين للزكاة، أن يكون عاصياً، والعاصي عندنا لا يجوز لعنه بعينه»(29).
ومنها قول إمام الدعوة في عصره، السيد العلامة أحمد بن عمر بن سميط (ت 1257هـ) في «مجموع مواعظه وكلامه»، وهو من المواعظ التي وردت في أول ذلك المجموع: «.. ولقد أنصف سيدنا عمر بن عبدالعزيز، حين سئل: من أفضل، أنت أم معاوية؟ فقال: التراب الذي دخل في منخر فرس معاوية وقت الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر وآل عمر»(30).
وقال بمثل هذه المقولة، شيخ تريم، ورئيس علمائها، السيد العلامة عبدالله بن عمر الشاطري باعلوي (ت 1361هـ)، ففي «نفحات النسيم الحاجري»، وهو مجموع مواعظه، جمعه ابن أخته السيد العلامة عبدالرحمن بن حامد السري باعلوي: «وقال رضي الله عنه، في شوال سنة 1359هـ، أيام قراءتنا عنده في فن التجويد، بعد أن تكلم وأطال مع طلبة العلم من جهة ما جرى بين الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، وحذر وأنذر، وكان أن يقوم قائماً بعد أن كان قاعداً من فرط تحذيره من الوقوع فيهم، والخوض فيما جرى بينهم، ومن كلامه: «يا أولادي، احفظوا عني هذه المقالة: من أراد أن ينفع الله به وينتفع، ويكون متمسكاً بالطريقة الني نحن عليها معشر العلويين، ويكون من المحبوبين، فعليه ترك الخوض في الصحابة، ولا يجادل من خاض». ثم قال: «أيش تكون! ذرة بين جبال!!.
وما جرى بين الصحاب نسكت عنه وأجر الاجتهاد نثبت
قيل لابن المبارك: هل عمر بن عبدالعزيز أفضل أم معاوية؟ فقال: التراب الذي على منخر خيل معاوية، أفضل من عمر بن عبدالعزيز. وإن كان الحق المجمع عليه مع سيدنا علي، كرم الله وجهه، فلا ينبغي لأحد يخوض في هذا الكلام، إلا من سخف عقله»، الى آخر ما قال رضي الله عنه»(31)، انتهى.
* يتبع الجزء الرابع .
* للإطلاع على الجزء الثاني : اضغــــــط هنــا