من المؤسف أنه كلما طلت ذكرى التصالح والتسامح الجنوبي يطل المنزعجون من عليائهم لينفخوا بكير الفتنة ونار التشظي والتمزق، ليس انتصاراً لضحية أو إنصافا لمظلوم، بل هلعاً من أي تقارب جنوبيا مستقبلي.. وإلا لماذا فقط يتذكر هؤلاء المنزعجون الضحايا عشية الاحتفاء بيوم التصالح، وكلما سعى الجنوبيون إلى لمّ شتاتهم ودفن خلافاتهم.
فالصلح والتصالح هو قيمة إنسانية حضارية وشيمة راقية من شيم ورقي الدين الإسلامي قبل اعتباره أي شيء آخر له علاقة بشيطنة السياسة وألاعيبها.. (فالصلح خير) أولا وأخيراً، وبالتالي فالوقوف بوجهه يعد وقوفا بوجه العقل والقيم الإنسانية، سيما وأنه صلح ليس موجه ضد جهة ولا يستهدف أحد أو يسقط حقه القانوني والشرعي بمن فيهم الضحايا وذويهم.
فنقاوة هذا التوجه التصالحي موجود بين كل الجنوبيين أو على الأقل بين بسطائهم وعوامهم، إذا ما افترضنا جدلا سوء نوايا النخب والساسة.
وعطفا على ما سلف ذكره أسجل هنا دعوة صادقة مخلصة لكل الخيرين إلى إنشاء مركز علمي متخصص في أبحاث التصالح الجنوبي ليكون من خلاله التصالح الجنوبي موجودا على أرض الواقع قولا وفعلاً، وثقافة مكرسة بالأعماق وزراعة بالصميم.
قول البعض من الجنوبيين إن قرار إعلان الوحدة ظهيرة 22 مايو 1990م هو قرار فردي اتخذه شخص السيد علي سالم البيض وليس قرارا وقناعة جنوبية خالصة، فهذا القول يسقط حق الجنوبيين بتفاخرهم بأنهم هم من سعى لتلك الوحدة وهم من ضحى لأجلها، بل ويسقط حقهم بالمطالبة باستعادة دولتهم بعد أن انقلب الطرف الآخر على تلك الوحدة المقبورة عام 1994م.
فحقيقة إن الجنوب هو صاحب المشروع الوحدوي يجعل حجتهم أقوى وأوضح، ليس فقط عند من يتهمهم بأن قرارهم بالاستقلال واستعادة الدولة هو قرار عبثي، بل إن هذه الحقيقة المتمثلة في أن الجنوبيين شعبا وقيادة هم من سعى وضحى من أجل تلك الوحدة المدفونة تحت رمال دوفس والحرور تجعل حجتهم التحررية أكثر إقناعا داخليا وخارجيا بعد أن قدموا كل هذه التضحيات.
من يقنع البعض من بمن فيهم عدد من المشاركين بالحوار اليمني الذي عقد بفندق موفمبيك بصنعاء قبل عامين تقريبا أن مشروع الستة الأقاليم ليس من مخرجات ذلك الحوار بقدر ما هو قرار اتخذ بعد أن انفض ذلك الحوار بواسطة لجنة شكلت على طريق الفهلولة وهروبا من اعتراض بعض المحاورين غير المنصاعين لتعليمات المركز واستهدافا صريحا للقضية الجنوبية وتصفيتها.
وبالتالي فالحديث عن مشروع الستة الأقاليم على أنه من مخرجات الحوار وأن من يعترض عليه يعتبر معرقلا للعملية السلمية ويقف ضد مخرجات الحوار، وسيلهب ظهره سوط البند السابع، يعتبر مغالطة صريحة واستغفالا لمشاعر الناس واستخفافا بعقولهم قبل أن يكون استقواءً بالعصا الدولية.
اعتماد مبدأ (التعويض) الذي تنتهجه اللجان الرسمية المكلفة بحل موضوع الأراضي والممتلكات الجنوبية المنهوبة منذ عام 1994م يعتبر مبدأ ظالما ويؤسس لثقافة النهب والبسط والاستحواذ لكل منتصر ليس فقط بقانون القوة بل بقوة القانون هذه المرة.
فينبغي أن يكون مبدأ الحل أن كان ثمة جدية بمعالجة هذه القضية الشائكة هو إعادة الحقوق لأصحابها، ويكون التعويض حلا استثنائيا للحالات التي يصعب إعادة الحق لصاحبه بطريقة مباشرة.. فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.