قامت صحيفة «الأيام»..بالتفرد بنشر تقرير فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار:الجنوب كان أحد الأطماع الاستراتيجية لمراكز القوى والجمهورية اليمنية فشلت لأنها حولت الوحدة إلى كابوس والحصيلة السوداوية للوحدة كانت كافية لإسقاط يمننة الجنوب
" شبوه برس" يعيد نشر التقرير
«الأيام».. تنفرد بنر تقرير الحراك الجنوبي السلمي حول جذور القضية الجنوبية المقدم إلى فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني..انتقادات كثيرة بل واتهامات وجهت إلى فريق القضية المشارك في أعمال الحوار الوطني، قابلها في الجانب الآخر إشادات.. وبعيدا عن الانتقادات والإشادات ظل مضمون ما تقدم به فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار إلى المشاركين فيه وكذا إلى ممثي الدول العربية والأجنبية والمنظمات الدولية من وثائق ورؤى وأطروحات للقضية الجنوبية انطلاقا من جذور نشأتها حتى وقتنا الراهن وصولا إلى التطلعات المستقبلية المشروعة للشعب الجنوبي.. ظل مبهما عن المواطن الجنوبي وحبيس أدراج هذه الجهة أو ذاك المكون رغم ما احتواه من حقائق ومعلومات عن معاناة شعب الجنوب وقضيته الجنوبية، غاية في الأهمية.
لذا فـ«الأيام» تنشر عى حلقات النص الكامل لمحتوى وثيقة القضية الجنوبية المقدمة في 29 أبريل 2013 م إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل والدول الراعية للمبادرة الخليجية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
** الملخص التنفيذي **
فشلت الجمهورية اليمنية لأنها حولت فكرة الوحدة من اتحاد بين دولتين يهدف إلى تنمية البلدين وتحقيق الاستقرار وتحسين حياة الناس كما نظر لها الكثيرون إلى كابوس مرعب، فقد تحول هذا الحلم المثالي للوحدة بين الدولتين إلى مجرد ضم وإلحاق (عودة الفرع للأصل) دفع الجنوبيين للوقوف في وجه هذا المسعى الذي قادته مراكز القوى التقليدية في صنعاء ورجال دين، وبدلا من أن يتم تعزيز الوحدة وجعلها جاذبة للجميع جرى إقصاء واستبعاد الجنوب شعبا ونظاما وهوية وثقافة، وأبقوا عليه أرضا مستباحة، وهو ما دفع الشعب الجنوبي لأن ينتفض ويرفض الاستكانة لهذا المصير الذي أرادته هذه القوى المتخلفة له، وليخلع عنه وبصورة مستمرة لا لبس فيها يمننة قسرية لم يكن له أي رأي في اختيارها.
** البعد التاريخي **
أقل من قرن من الزمان منذ ظهور أول فكرة لليمننة السياسية في منطقة جنوب الجزيرة العربية، وذلك بإعلان قيام المملكة اليمنية المتوكلية في عام 1918 م. وفي هذا العام تحولت اليمن لأول مرة من جغرافيا إلى هوية، فاسم اليمن لم يكن قبل هذا التاريخ إلا دلالة على اتجاه جغرافي، ولم يكن يمثل هوية أو دولة. ارتكزت هذه الهوية على التوسع وضم كافة المناطق التي تقع تحت مسمى اليمن أسموها الفروع، وضمها إلى الأصل صنعاء.
وبعد انقلاب سبتمبر 1962 م شعر الائتلاف القبلي بموجة التغيير القادمة فركب الموجة واخترقها وحرفها، وهو ذاته الواقع الذي أعاد نفسه عند قيام مراكز القوى بركوب واختراق ثورة فبراير 2011 م ومحاولة احتوائها وحرفها عن مسارها كما احتوت انقلاب سبتمبر وحرفته عن تحقيق أهدافه.
ومع تنصيب صالح رئيسا تم تقسيم السلطة بين ثلاثة مراكز قوى عسكرية وقبلية ودينية. وكان ذلك التقاسم يعني تقاسم الثروة والسلطة، أي أن كل واحد من الثلاثة له حصته سواء في التعيينات لكبار المسئولين أو لصغارهم أو في التجنيد في الجيش أو في الموازنة العامة للدولة أو القطاعات الاقتصادية أو في غير ذلك، وبدأ عصر مراكز القوى في تسخير كل مقدرات الوطن لمصالحهم وتم التعبئة للهوية اليمنية وبناء الدولة بهدف الحفاظ على تماسك البلد خدمة لزيادة ثرواتهم، والجنوب كان أحد الأطماع الاستراتيجية لمراكز القوى التي تم التخطيط والتنفيذ لها بعناية ودهاء.
** البعد القانوني **
الشعب في الجنوب المقيم على أرضه منذ آلاف السنين إنما دخل الوحدة على أساس اتفاقية شراكة مع شعب الجمهورية العربية اليمنية، وهو في هذه الحالة لم يبع أرضه وثرواته ومؤسساته ولم يرهنها لأحد بل كان دافعه للوحدة هو الإخاء اليمني والعربي والإسلامي والقومي، ولكن هذه الوحدة ضربت في الصميم بإعلان الحرب في 1994 م من قبل سلطات صنعاء.
إن الوحدة التي قامت بين الدولتين في الشمال والجنوب لم تكن قائمة على أسس وقواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية كما أن اتفاقية الوحدة المبرمة لم تكن بين دولتين ذات سيادة وأعضاء في العديد من الهيئات والمنظمات الدولية والعربية ولم تشرك أي من هذه الهيئات وتحديداً منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في التوقيع على هذه الاتفاقية ولو حتى كشهود ولم تنشر تلك الاتفاقية أو تودع لدى الهيئات الدولية ولا يعلم الشعب في الجنوب والشمال عن هذه الاتفاقية شيئا سوى ما تسرب بأنها من صفحة ونصف الصفحة وهي مساحة لا تكفي حتى لعقد تأجير محل.
** البعد السياسي **
باعتماد سلطة الحرب والأساليب العسكرية والأمنية المختلفة لإحكام مراكز القوى في صنعاء سيطرتها على جغرافيا الجنوب والفيد والنهب المستمر على مقدراته وثرواته، مستخدمة مختلف الأساليب والسبل لاستدعاء جراحات وخلافات الماضي بهدف تفكيك البنية الاجتماعية والسياسية، فاتبعت سياسة التعاقدات الانتقائية لضمان التمثيل الشكلي للجنوب وإفراغه من محتواه كمؤسسات دولة قامت على النظام والقانون.
حرب صيف 1994 م أحدثت تصدعات عميقة في جدار الوحدة، ومما زاد الأمر سوءاً الممارسات التي أعقبت الحرب وانفراد السلطة في صنعاء بحكم دولة ما بعد 94 م، كما أنها لم تقم لحل المشاكل الناجمة عن حرب، بل إنها استعذبت نتائجها المأساوية ووظفتها لتكريس سياسة النهب والإقصاء والاستبعاد والتسلط في حين يردد مواطنون من الجنوب أن السلطة اإى جانب تسريح عشرات الألاف من المدنيين والعسكريين عقب الحرب الأهلية في 1994 م، قد أطلقت يد الفاسدين والنافذين لنهب أراضي الجنوب وبيع مؤسساته العامة إلى المقربين، إلا أن قرار تسريح آلاف العسكرين والمدنيين هو من أطلق شرارة (الحراك الجنوبي).
** البعد الاقتصادي **
(أقسم الرئيس علي عبدالله صالح، بتحويل عدن إلى قرية) قد تكون من الاقاويل التي يرددها الناس وقد لا يكون القسم حقيقياً لكنه بالتأكيد ما جرى على أرض الواقع، فبموجب اتفاق الوحدة أصبحت مدينة صنعاء عاصمة الكيان الجديد. وبسقوط صفة العاصمة السياسية عن عدن، وعدم مصداقية تحويلها إلى عاصمة اقتصادية وتجارية عانت مدينة عدن من تدهور لكل مقومات الحياة فيها وبشكل خاص في الجانب التجاري والاقتصادي.
وقد أسهمت هذه السياسة في الجنوب بتعطيل مصالح التجار وانتشار الفساد بصورة غير موجودة في مناطق أخرى في اليمن.
وأمرت الدولة مكاتب شركات النفط العاملة في اليمن والتي كانت قد اتخذت من مدينة عدن مقراً لها بالانتقال إلى صنعاء وإغلاق كافة مكاتبها في عدن، كما عملت الدولة على فرض تعرفات مختلفة للخدمات الأساسية أرخص في الشمال عن الجنوب،وعلى سبيل المثال فإن مكالمة هاتفية داخل مدينة صنعاء أرخص ب 40 % عنها في عدن وبـ 50 % عنها في المكلا، كما أن سعر الكيلو وات/ساعة من الكهرباء في الشمال للبيوت السكنية أو للأغراض التجارية والصناعية أرخص عنها في الجنوب بفروقات تتجاوز الـ 30 %.
** البعد الثقافي والاجتماعي **
يشير الواقع إلى أن هناك ثقافة مدنية تأسست لعقود في الجنوب أحدثت تحولاً في سلوكيات الجنوبيين، فبات ترسيخ مبدأي النظام والقانون والاحتكام إليهما المؤشرين الرئيسيين للدولة في الجنوب.
إن هذه النهضة الثقافية الاجتماعية في الجنوب والتي للأسف تم القضاء عليها بعد قيام الوحدة مباشرة في العام 1990 م بفعل السياسات الخاطئة والممنهجة لسلطات صنعاء وبشكل سافر بعد حرب صيف 1994 م، فبدلاً من تسخير قدرات البلد وثرواته في تطوير التعليم، باعتباره احد اهم ركائز بناء الإنسان وأداة التنمية وهدفها والثروة الحقيقية لأي مجتمع، حدث تراجع كبير لما تم إنجازه في مرحلة ما قبل الوحدة، حيث عملت عقلية المنتصر بعد حرب صيف 1994 م على صياغة سياسة تعليمية تنسجم ومصالح الفئة الأقل والمسيطرة على مقدرات الجنوب ومستقبل أبنائه، بالإضافة إلى تدمير منظومة القوانين الاجتماعية، التي أسست لقيم إنسانية حضارية وعلاقات متكافئة بين جميع أفراد المجتمع في الجنوب. لقد تحقق للمرأة الجنوبية المساواة وتكافؤ الفرص في مواقع صنع واتخاذ القرار من سبعينات القرن الماضي فهي اول قاضية واول نائب وزير واول عميد كلية اقتصاد واول مذيعة تلفزيون واول مذيعة إذاعة واول مالكة ورئيسة تحرير لصحيفة على مستوى الجزيرة العربية.
إحياء النعرات والثأرات القبلية واستخدام الدين من قبل السلطات الشمالية كانت اللعبة الأخطر في السياسة اليمنية الداخلية، حيث بدأ السلطة في الشمالي بالإعداد لحرب 1994 بالترويج لفكرة «إن الجنوبيين ما هم إلا شيوعيون كفرة » وان قتلهم ونهبهم وانتهاك أعراضهم حلال وجاءت فتوى رجل الدين عبدالوهاب الديلمي عضو مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح سيئة الصيت لتحفر جرحا غائرا في قلوب الجنوبيين.
إن الحصيلة السوداوية لما أسمي بالوحدة كانت كافية لإسقاط مشروع يمنن الجنوب وتراجع المدافعين عنه وخروجه من وعي الجنوبيين إلى الأبد.
** المدخل **
القضية الجنوبية هي قضية شعب ودولة وهوية، تعبر عن حقوق تاريخية، قانونية، اقتصادية، ثقافية، واجتماعية لشعب الجنوب. لقد أعلنت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 م بين كيانين مستقلين ذوي سيادة منفصلة، إذ تحقق للجنوب استقلاله في 30 نوفمبر 1967 م كدولة ذات سيادة وبشخصية اعتبارية في منظومة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وكذا جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية ذات الصلة وينطبق نفس ما ورد أعلاه على الجمهورية العربية اليمنية التي تحققت ثورتها في 26 سبتمبر 1962 م.
إن حل القضية الجنوبية يحظى اليوم باهتمام دولي بالغ لما له من تأثير في استعادة الأمن والاستقرار والتوازن السياسي في اليمن والإقليم بشكل عام ولما يشكله عدم الحل من خطر داهم ليس على الإقليم فحسب، ولكن على الاستقرار العالمي.
إن الوحدة اليمنية التي هرب نحوها النظامان الشموليان في الشمال والجنوب كمخرج لهما أصبحت في واقع الأمر مأزقاً دفع بشعب الجنوب نحو الهاوية جراء السياسات والمكائد للسلطات في صنعاء التي دفع الجنوب ثمنها باهضاً من مقدراته وثرواته وحقوق الانسان التي شهدت تدهوراً في الجنوب لم يسبق له مثيلاً في تاريخه.
فنحن أمام بناء سياسي مدمر أبرز سماته حالة اللا دولة من مايو 1990 حيث جرى إلغاء الشرعية السياسية للدولتين شمالاً وجنوباً تحت غطاء إعلان الوحدة بينما فشل الإعلان الوحدوي ولم تقم شرعية سياسية بديلة فبدأت الأزمة التي انتهت بحرب أبريل 1994 م التي قضت على كل محاولات الإبقاء على مشروع الوحدة، وتدرجت هذه الأزمة القائمة في تشكل حلقاتها عبر فترات زمنية مختلفة منذ ما بعد حرب صيف 1994 م وظهور قضية الجنوب وطرفيها الجنوب والشمال، شمال أراد فرض الوحدة بالقوة وجنوب رافض لواقع فرضته القوة والحرب.
شهدت حرب 1994 م تسخير وتعبئة دينية وقبلية تحت شعار المحافظة على مشروع الوحدة اليمنية بينما الحقيقة لم تكن سوى بهدف نهب مراكز النفوذ لثروات الجنوب حتى وقتنا الحاضر.
والصدام المسلح الذي حدث في عام 2011 م بين علي عبدالله صالح وآل الأحمر لم يكن بسبب موالاتهم للثورة بل لرفض آل الأحمر توجه علي صالح في توريثه الحكم لابنه والانحراف عن الاتفاق الذي أبرم عند تنصيبه رئيسا أن تكون المرجعية لمراكز القوى.. كانت حربا للحفاظ على السلطة وتثبيت مرجعية مراكز القوى الثلاث على حساب مرجعية أسرة علي صالح.
إن آخر مشاهد القضية الجنوبية في تعبيراتها السياسية والشعبية تتبلور في المشاهد المليونية الضخمة، وهي تعبير صارخ على أن القضية الجنوبية تتجاوز الرؤى المعزولة والنظرات السياسية الضيقة والزعامات السياسية والوجاهية إلى تشكيل موقف الشعب في الجنوب، وليس هناك اكثر من هذا الدليل يستطيع أن يؤكد ويثبت القضية الجنوبية بكونها حقيقة حاضرة وماثلة أمام العيان ليس بحاجة لذاكرة ماضوية أو خيال مستقبلي إلا في سبيل العبرة، وفي سبيل وضع الحلول التي لم تعد تقبل المراوغة والتحايل، فالمسألة أكبر من تفاصيل مصلحة صغيرة، وهي اليوم كبيرة بمستوى الشعب الذي يخرج إلى الشارع بالمليونيات.
** أولا: البعد التاريخي **
نشأة الهوية اليمنية ظهر اسم اليمن أولا باسم يمنات كمنطقة في إطار كيان يشمل معظم جنوب الجزيرة العربية وليست كدولة. ولم يظهر اسم اليمن كمسمى دولة، إلا في عهد المملكة اليمنية المتوكلية في عام 1918 م التي أعلنها الإمام يحيى حميد الدين، وعلى أراضي الدول القديمة سبأ ومعين وجزء من أراضي أوسان وقتبان وكذا أراضي ما كان يعرف بالدولة الإدريسية التي أصبح معظمها ضمن الأراضي السعودية بعد اتفاقية الطائف عام 1934 م. ولم تكن عدن والمحميات الغربية من هذه الأراضي.
وفي هذا العام تحولت اليمن لأول مرة من جغرافيا إلى هوية، فاسم اليمن لم يكن قبل هذا التاريخ إلا دلالة على اتجاه جغرافي ولم يكن يمثل هوية أو دولة.
** احتواء الهوية الجديدة **
الاستغلال السياسي والديني والاقتصادي للهوية اليمنية لمراكز القوى للبسط على ثروات اليمن والجنوب.
قرن من الزمان أو يقل عن ذلك منذ ظهور أول فكرة لليمننة السياسية في منطقة جنوب الجزيرة العربية، وذلك بإعلان قيام المملكة اليمنية المتوكلية عام 1918 م، في محاولة للخروج بمشروع الدولة الوطنية بعد إدراك الإمام يحيى حميد الدين عمق المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الأولى، خصوصاً بعد أفول الإمبراطورية العثمانية وتقاسم إرثها بين أطراف محلية وأخرى دولية.
في ضوء هذا المعطى الجديد كبرت أحلام الإمام وحلفائه من القبائل وزادت أطماعه في ضم المزيد من الأراضي لزيادة مداخيله من الخراج من مناطق يحلم بضمها إلى مملكته فكان أن اعتبر أن ما هو جنوب الطائف ومكة إلى مضيق يمين الكعبة يدخل ضمن حدود مملكته الطبيعية، ولذلك دخل حروبه المعروفة ضد الأدارسة في إقليم عسير ونجران وضد سلطنات الجنوب ابتداء من بداية القرن الماضي لينتهي به الأمر إلى توقيع اتفاقية الطائف بعد خسارة حربه ووصول القوات السعودية إلى بيت الفقية قرب الحديدة في 1934 م واتفاقية اعتراف مع سلطنات الجنوب وبريطانيا في الجنوب، لينسحب بموجبها من بعض الأطراف التي احتلتها قواته في حدود المناطق الجنوبية ويقر فيها بالحدود القائمة بين الطرفين.
الهوية اليمنية الجديدة شكلتها وغذتها مراكز القوى الثلاثة الرئيسية في صنعاء،وهي ارتكزت - هذه الهوية - على التوسع وضم كافة المناطق التي تقع تحت مسمى (اليمن) أسموها الفروع وضمها إلى الأصل صنعاء. هذا التماسك بين القوى الثلاث تعرض مع المتغيرات المحلية والإقليمية للضعف، شهدت فيها المراحل اللاحقة الضعف المستمر لأحد تلك المراكز في مقابل زيادة نفوذ القبائل الأخرى وسلطة صنعاء.
ومع اندلاع ثورة سبتمبر 1962 م شعر الائتلاف القبلي بموجة التغيير القادمة فركب الموجة واخترقها ومثلت فيها حاشد القوة الرئيسية المدافعة عن الثورة حتى اعتقد الكثير من أبناء حاشد أن الثورة لم تقم إلا بسبب ما لحق بمشايخ حاشد من قبل الإمام أحمد، وكانت الكثير من القبائل التي حاربت مع الملكيين تنظر إلى الثورة على أنها ثورة حاشد، وهو ذاته الواقع الذي أعاد نفسه عند قيام نفس القوى بركوب واختراق ثورة فبراير 2011 م واحتوائها كما احتوت انقلاب سبتمبر.
ورغم التقاسم بين مراكز القوى الثلاث والذي تم الحفاظ عليه طيلة فترة حكم القاضي عبدالرحمن الإرياني مع تغيير في أسماء شاغلي المواقع، فقد كان واضحا أن هناك هيمنة ومنافسة بين اطراف القبيلة.
وفي هذا المنعطف التاريخي بالذات برز شيخ حاشد كصانع للرؤساء..وفي عهد صالح تم تقسيم السلطة بين المراكز الثلاثة. وكان ذلك التقاسم يعني تقاسم الثروة والسلطة، أن كل واحد من الثلاثة له حصته سواء في التعيينات لكبار المسئولين او لصغارهم أو في التجنيد في الجيش أو في الموازنة العامة للدولة أو في غير ذلك، وبدأ عصر القبيلة في تسخير كل مقدرات الوطن لمصالحها وتم التعبئة للهوية اليمنية وبناء الدولة بهدف الحفاظ على تماسك البلد خدمة لمصالحها وتوسيعها.
قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية استفادت اليمن بعد ثورة سبتمبر من حالة المد القومي التي عمت المنطقة العربية والدعوة إلى توحد الأمة لكي تعيد إحياء مشروع الأئمة في إلحاق «اتحاد الجنوب العربي » بما يسمى اليمن ولعبت العناصر اليمنية المهاجرة إلى الجنوب دورا رئيسيا في الترويج للفكر القومي وأن الوحدة اليمنية هي الخطوة الأولى لتحقيق هذا الحلم العربي العظيم. وفي اطار هذا التوجه القومي تم تسمية دولة الجنوب بعد الاستقلال جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية رغم أن هذه التسمية لم تكن من الخيارات الأولى المطروحة حينها.
قامت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بتحويل اسم الدولة المستقلة عن الاحتلال البريطاني وهي اتحاد الجنوب العربي في تاريخ 30 نوفمبر 1967 واعترفت 80 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الجديدة بتاريخ 5 ديسمبر 1967 م وكان مقعد الأمم المتحدة يحمل اسم اتحاد الجنوب العربي كهوية تاريخية نهائية لها ولمواطنيها ولم يطلق اسم اليمن بأي اشتقاق تاريخي على الجنوب سوى منذ 30 نوفمبر 1967 .
* عن الأيام