الشعوذة الدبلوماسية والشعوذة الاستراتيجية الأمريكية

2025-09-27 21:54
الشعوذة الدبلوماسية والشعوذة الاستراتيجية الأمريكية
شبوه برس - خـاص - عــدن - بيروت

 

*- شبوة برس – نبيه البرجي

لماذا يختبئ توم براك وراء الزجاج، وهو الذي أتانا بالشعوذة الدبلوماسية التي قد تدفع بالشرق الأوسط إلى الخراب؟ إنه يتماهى مع الشعوذة الاستراتيجية لرئيسه دونالد ترامب، والتي قد تدفع بالعالم إلى الخراب. للمرة الأولى نقول، بعيداً عن أي لغة أخرى، إن ثمة شيطاناً في البيت الأبيض، يحاول بكل الوسائل قيادة الكرة الأرضية بالعصا. ألا تلاحظون أنه، بصلاحياته الدستورية، يحاول أن يتجاوز صلاحيات الله؟

 

أمريكا تريد أن تكون كل المنطقة، بما فيها تركيا وإيران، في قبضة بنيامين نتنياهو، الذي يضمن له البقاء للولاية الثالثة. ذلك ليتحقق الوعد الإلهي بـ"إسرائيل الكبرى"، التي تحولت بفعل الدفع الأمريكي إلى "إسرائيل العظمى".

 

يفترض بالرئيس اللبناني جوزف عون أن يضع كل أوراقه أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية، تماماً كما يفعل الرئيس السوري بشار الأسد الذي جرى تركيبه أساساً ليفتح أبواب دمشق أمام المغول الجدد. خلافاً للرئيس اللبناني، الذي ترعرع داخل مؤسسة تمثل كبرياء لبنان وعنفوانه، أياً تكن النتائج.

 

الآن هناك إصرار على نزع سلاح "حزب الله". متى ضمنت أمريكا سلامة سوريا، وهي متاحة لكل حثالات الدنيا من الشيشان إلى الأيغور والأوزبك؟ ومع وجود العراب التركي في جدران قصر الشعب، لتضمن سلامة لبنان؟

 

براك حدد مهمة الجيش اللبناني بنزع سلاح "حزب الله"، أي بتفجير الحرب الأهلية، لا من أجل حماية لبنان الذي وصفه لامارتين الفرنسي بـ"أريكة القمر" إن لم يكن "أريكة الآلهة". ليكون لبنان تحت وصاية إيال زامير، الذي كما تجثم دباباته على أبواب دمشق، يجب أن تجثم على أبواب بيروت! بعدما وضعنا المبعوث الأمريكي أمام خيارين: إما رفع الرايات البيضاء، أو استكمال مهمة نتنياهو بتحويل الجنوب والضاحية الجنوبية وحتى البقاع، وربما بيروت، إلى أرض يباب.

 

الإسرائيليون يدركون استحالة الاستسلام بوجود المقاومة، التي خبر الإسرائيليون مدى قدرتها على المواجهة ودحر العدو إلى آخر نقطة دم.

 

باختصار، لن يستسلم لبنان أمام تلك الذئاب المجنونة، كما تدعو قوى لبنانية اعتادت تأجير ظهورها للغزاة، بل تستقبلهم بالزغاريد ونثر الورود.. ورود العار!

 

هل هؤلاء لبنانيون فعلاً، حين يبهرهم دونالد ترامب بشخصية كاليغولا، وحين يراهنون على بنيامين نتنياهو كناطق باسم الأنبياء الأشد هولاً في التوراة، للبقاء على عروشهم التي صنعت من وحول القرن التاسع عشر، والتي لا تليق حتى بالدجاج؟ وهذا رأي يهوشوا ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أثناء اجتياح عام 1982: "من يسند رأسه إلى هذا النوع من الحلفاء كمن يسند رأسه إلى صدور الغانيات".

 

كما جرى تعرية سوريا، وأصبح بشار الأسد مجرد هيكل عظمي على أبواب الهيكل، يفترض بلبنان أن يكون هكذا. ولكن هل استسلم أبطال غزة بتلك الظروف المستحيلة؟ مع أننا نعلم الاختلال الهائل في موازين القوى بين الأرمادا الأمريكية وتابعتها الأرمادا الإسرائيلية، والمقاومة اللبنانية بإمكاناتها المحدودة، حيث سكاكين الداخل أشد خطراً عليها من سكاكين الخارج. حتى إن بعض ملوك الطوائف أصيبوا بالبارانويا، وقد هالهم اتساع الهوة بين الرياض وتل أبيب، وربما إلى حد المواجهة العسكرية. تابعوا مقالات "يسرائيل هيوم"، ما دامت تعمل بإصرار لشق الطريق إلى الدولة الفلسطينية، متجاوزة اللاءات الأمريكية التي لكأنها لاءات يهوذا.

 

ألم يظهر نتنياهو عارياً أمام العالم حين غادر العديد من القادة القاعة لدى بدء كلمته في نيويورك؟ ليظهر أين هي إسرائيل وأين هي فلسطين في الضمير العالمي. نسأل: ما هي ردة فعل دونالد ترامب حين تابع هذا المشهد الموجه أساساً إلى الرأس الكبير BIG BOSS؟

 

بالطبع لا نريد الحرب، وقد عشنا ويلاتها وأهوالها. لكن كما يدعو البعض: "مع أمريكا، لا بد أن نتكيف كما نتكيف مع القضاء والقدر". هل يعني ذلك أن يدفننا بنيامين نتنياهو ونحن أحياء، خصوصاً عندما نكون في حضرة المجانين في واشنطن وتل أبيب؟ بعدما بات جلياً أننا لا نعني للإدارة الأمريكية شيئاً، وكأننا "منتجات هامشية"! الحاخامات يرفعون الصلوات إلى "الملائكة المدمرة" لـ"محقنا" كديدان بشرية!

 

في كل الأحوال، لبنان أمام أزمة وجودية: إما التصدع الداخلي، أو توزع الطوائف على كل الجبهات. لا أحد في الشرق الأوسط على الخارطة الأمريكية سوى الدولة العبرية. هذا ما قاله يهوه، وهذا ما قاله "الكتاب المقدس" بحسب السناتور الراحل جون ماكين، وما تقوله مورغان أورتاغوس التي باتت تزورنا من أجل الاستجمام الدبلوماسي.

 

في مصر خائفون، في تركيا خائفون، في إيران يهددون بالويل والثبور. فيما يتردد لدى المراجع العليا أن التقارب بين الرياض وطهران قد يؤدي إلى تصور ما لحل مشكلة السلاح، كون المعلومات السعودية تؤكد ما ألمح إليه توم براك، وما صرح به نتنياهو شخصياً: الاجتياح البري.

 

دبلوماسي أوروبي قال: "اسألوا دانتي صاحب 'الكوميديا الإلهية'، أين مكان الشرق الأوسط في الجحيم؟"