*- شبوة برس - رائد عفيف
في صيف عام 1994م، لم يكن اجتياح الجنوب مجرد مواجهة عسكرية، بل كان لحظة فاصلة طُمست فيها هوية شعب، وأُجبر فيها الجنوبيون على العيش تحت واقع جديد فرض بالقوة. شاهد الناس مدنهم تُحكم بقبضةٍ غريبة، وشعروا أن صوتهم الذي كان يومًا عاليًا قد اختفى تحت وطأة الهيمنة السياسية.
في تلك اللحظة، بدا أن الجنوب قد دخل مرحلة الصمت، حيث قبلت الغالبية الساحقة، بنسبة 99.9%، بالأمر الواقع، وانخرطت في الأحزاب اليمنية، ليس عن قناعة، بل بحثًا عن أي فرصة للبقاء داخل منظومة لا تعترف بهم إلا كجزء تابع.
لكن وسط هذا القبول العام، برزت مجموعة صغيرة بالكاد 0.01%، رفضت الاستسلام، وأدركت أن الطريق نحو استعادة الجنوب طويل ومليء بالتحديات. لم يكن لديهم منصات إعلامية، ولا قوة سياسية، لكن كانوا يمتلكون الإيمان الراسخ، والإرادة التي لا تتراجع، والأمل الذي لا يموت.
وفي عام 1996م، وسط التضييق الأمني والمخاطر، تأسست حركة "حتم" بقيادة عيدروس الزُبيدي، كإشارة أولى لرفض الهيمنة ومحاولة لاستعادة الهوية الجنوبية. لم يكن الطريق أمامهم سهلًا، بل كان محفوفًا بالمطاردة، والملاحقة، والعزلة السياسية، لكنهم كانوا يعلمون أن القضية العادلة لا تُباع ولا تُشترى.
مرت السنوات، وكبرت الفكرة، وانتشرت بين الناس، حتى تحولت من صوت هامشي إلى تيار شعبي جارف، وأعاد الجنوب فرض وجوده على الأرض، بعد أن ظن البعض أنه قد اختفى.
واليوم، بعد كل تلك التضحيات، يظهر من كانوا بالأمس يسابقون الزمن في صنعاء بحثًا عن المصالح، ليصفوا الزُبيدي بالخيانة العظمى، متجاهلين كل تاريخه النضالي، ومستندين إلى أزمة الكهرباء في عدن، وكأن القضية الجنوبية تختصر في خدمة مؤقتة!
لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع أن القضية الجنوبية ليست مجرد أزمة كهرباء، إنها قضية وطن وهوية، قضية دماء وتضحيات، قضية إرادةٍ لا تنكسر.
اليوم، الجنوب أمام لحظة تاريخية جديدة، فإما أن يواصل طريقه نحو تحقيق تطلعاته، أو يعود إلى الحسابات الضيقة التي أعاقت مسيرته لعقود. لكن المؤكد أن التاريخ لا ينسى، والحقائق لا تتغير مهما حاول البعض الالتفاف عليها.