لن أتوقف كثيراً عند تقييم مستوى الحضور في لقاء الهضبة بحضرموت والذي دعا إليه حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، فنسبة الحضور قد لا تكون المعيار الوحيد للحدث وأهميته، في ظل معرفتنا للظروف التي يأتي فيها، وقدرات الناس المحدودة وتباعد المنطقة وصعوبة الوصول على البعض، وفي ظل وجود قوات عسكرية جاثمة على الوادي والصحراء من غزاة 1994م يبلغ تعدادها عشرات الآلاف من الجنود والضباط ليس بينهم جندياً أو ضابطاً واحداً من أبناء حضرموت، ووجود آلاف النازحين المدعوم معظمهم من أطراف سياسية واستخباراتية وعسكرية شمالية، لكن أعود وأقول أن معيار الكثيرة والقلة ليس هو المعيار الوحيد للدلالة على مضمون اللقاء من عدمه.
وسأتوقف هنا عند ما تضمنه البيان الصادر عن اللقاء الذي ينبغي النظر إليه بالأخذ بالاعتبارات التي تعرضت لها للتو وأشير إلى النقاط التالية:
1. إن المطالب التي يطرحها البيان هي مطالب كل الجنوبيين، وهي مطالب تتصل بالصراع مع السلطة المركزية اليمنية التي ما تزال هي المتحكم الرئيسي في صناعة القرار السياسي وفي السياسات الاجتماعية والاقتصادية على أرض الجنوب ومنها حضرموت.
2. حول ما يتعلق بالسلطة المحلية، أو ما أسماه البيان بـ"الحكم الذاتي"، هو أمر وارد في وثائق المجلس الانتقالي من خلال الحديث عن دولة جنوبية فيدرالية، وأتمنى من قيادة المجلس الانتقالي أن تنظر إلى هذا المطلب بإيجابية فالمشكلة فيها تدخل ضمن الصراع مع الدولة المركزية اليمنية التي لم يبق تحت هيمنتها سوى مناطق الجنوب بعد أن سلب الحوثيون منها دولتها وأرضها وشعبها ومواردها وقرارها السياسي.
3. أما المطالب المتصلة بتوفير خدمة الكهرباء وتجنيد أبناء حضرموت لحماية أمن منطقتهم فأتصور أن هذا مطلب معقول ومشروع، وهو مطلوب ومشروع لكل مناطق ومحافظات الجنوب.
4. ربما يأخذ البعض قضية أساسية لم يتطرق لها البيان وهي قضية وجود قوات المنطقة العسكرية الأولى، وشخصياً كنت أتوقع أن يشير البيان إلى رفض وجود قوات وافدة من خارج المحافظة في ظل التحريض على قوات النخبة الحضرمية وبعض الألوية التي يعتقد البعض أنها محسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي، لكن الحقيقة أن البيان قد ألمح إلى هذه القضية بلغة غاية في الذكاء والمرونة، وهي الدعوة إلى فتح باب التجنيد لأبناء حضرموت وأن أهل حضرموت هم أولى بحماية أمن محافظتهم وأعتقد أن هذا مطلب معقول لا يمكن التنازع عليه.
لقد جاءت دعوة اللواء فرج البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي إلى وحدة الصف الحضرمي وفتح باب الحوار بين أبناء حضرموت بجميع مكوناتهم السياسية والاجتماعية والتي أيدها اللواء أحمد سعيد بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، لتأكد أن لا طريق أمام حضرموت ومعها كل الجنوب سوى طريق الحوار المفتوح والإقرار بحق الاختلاف واعتبار هذا الاختلاف بوابة صحية لبناء القواسم المشتركة بين أبناء الجنوب على طريق التحرر الشامل واستعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي للبلد وتحريرها من المعانات التي لم يكن للشعب الجنوبي في إنتاجها ذنباً وإنما هي من إنتاج وحدة 1990م الكارثية وسلطات 7/7 التي ما تزال هي المتحكم الأوحد بمصير الجنوب وأبنائه وبناته وحرمانهم من تقرير مصيرهم واختيار مستقبلهم المنشود .