مجلس الشيوخ الجنوبي.. عودة الجذور وصناعة المستقبل

2025-04-08 16:26
مجلس الشيوخ الجنوبي.. عودة الجذور وصناعة المستقبل
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

يمثل تأسيس مجلس شيوخ الجنوب العربي تحولاً نوعياً في مسار العمل الوطني الجنوبي، بوصفه مؤسسة جامعة لرموز الزعامة التقليدية والقبلية التي لطالما شكلت ركائز راسخة في النسيج الاجتماعي والسياسي للجنوب، وقد جاء الإعلان عن تشكيل اللجنة التحضيرية لهذا المجلس بقرار من الرئيس عيدروس قاسم الزُبيدي في 27 مارس 2025، ليعيد الاعتبار لدور السلاطين والمشايخ والأمراء كمرجعية موثوقة ومؤثرة، قادرة على تعزيز التلاحم المجتمعي والمساهمة في بناء أسس الدولة الجنوبية المنشودة.

إن نشأة هذا المجلس تأتي في ظل تعقيدات سياسية واجتماعية، وتفاعلات متسارعة تشهدها الساحة الجنوبية، مما استدعى العودة إلى المكونات التقليدية التي طالها التهميش لعقود طويلة، سواء في فترة الحكم الاشتراكي أو خلال ما أعقب حرب صيف 1994م، ويُنتظر من المجلس أن يضطلع بدور جسر يربط الماضي بالحاضر، ويستثمر الإرث التاريخي والاجتماعي في رسم معالم المستقبل.

تتولى اللجنة التحضيرية، برئاسة الشيخ علي الكثيري، مسؤولية وضع اللبنات الأولى لهذا الكيان، من خلال إعداد لائحته التنظيمية وتحديد قوامه الذي سيضم في هيئته المركزية 121 عضواً، وفي هيئته التنفيذية 15 عضواً، يمثلون كافة مناطق وقبائل الجنوب، بما يضمن تمثيلاً شاملاً وتنوعاً يعكس الواقع الاجتماعي.

ويُعَوَّل على المجلس في إحداث أثر سياسي بالغ من حيث تعزيز الوحدة الجنوبية وتوحيد الرؤى في مواجهة التحديات، إذ سيعمل كمنصة للتشاور والتنسيق بين القوى الفاعلة، مما يخفف من حدة الانقسامات ويقوي موقف الجنوب في مختلف المحافل، كما يُضفي طابعاً شعبياً واسعاً على شرعية المجلس الانتقالي الجنوبي عبر إشراك القيادات المجتمعية في صنع القرار، وهو ما يعزز القبول المحلي والدولي لهذا الكيان.

وعلى مستوى حماية المشروع الوطني، فإن المجلس يشكل حصناً سياسياً واجتماعياً في وجه التدخلات الخارجية ومحاولات الاختراق، بفضل تجذره في المجتمع وارتباطه الوثيق بالهوية الجنوبية، ومن خلاله يمكن تعزيز الحضور الجنوبي في الساحات الإقليمية والدولية، ورفع مستوى التمثيل السياسي لقضية الجنوب.

وفي المسار الاجتماعي، يبرز دور مجلس الشيوخ كضامن للسلم الأهلي وحل النزاعات، انطلاقاً من المرجعية العرفية والاجتماعية التي تحظى بثقة المجتمعات المحلية، كما يسهم في تعزيز الهوية الجنوبية وحماية الموروث الثقافي، ويحقق نوعاً من العدالة الاجتماعية من خلال ضمان تمثيل متوازن لمختلف المكونات، وتكريس ثقافة المشاركة الشعبية التي تعمق الثقة بين القاعدة والقيادة، وتسهم في نقل هموم الناس وتطلعاتهم إلى صناع القرار.

وفي المجال الاقتصادي، يشكل المجلس رافعة للتنمية عبر توفير بيئة مستقرة، والمشاركة في رسم السياسات التنموية بناءً على دراية دقيقة بالاحتياجات المحلية، كما يعزز العدالة في توزيع الموارد، ويدفع باتجاه التعاون بين المناطق الجنوبية، ويمنح المشاريع التنموية المحلية غطاءً اجتماعياً وسياسياً يعينها على النجاح.

وعلى صعيد الأرض والحدود، فإن المجلس يمثل صوتاً قوياً للحفاظ على الهوية الجغرافية والتاريخية للجنوب العربي، ويضطلع بدور حيوي في توثيق الحدود استناداً إلى المعاهدات والوثائق التاريخية، كما يقف بالمرصاد لمحاولات التغيير القسري للخارطة الإدارية، ويعمل على إعادة الاعتبار للتقسيمات التقليدية، بما يحفظ الإرث التاريخي ويكرس السيادة على الموارد الطبيعية.

 

ورغم هذه المزايا، فإن هناك مخاوف من أن يواجه المجلس تحديات كبيرة، منها التدخلات والضغوطات التي قد تسعى لها بعض الأطراف للتأثير على قراراته، وصعوبة تحقيق تمثيل عادل وشامل لكافة الشرائح الجنوبية، إلى جانب أهمية ضبط العلاقة بينه وبين بقية المؤسسات السياسية، والتعامل مع محاولات التشكيك التي تحاول النيل من فكرة المجلس، ومن أجل تجاوز هذه العقبات، يجب دعم المجلس مؤسساتياً وإعلامياً، وضمان استقلاليته، وتوسيع مشاركته لتشمل الشباب والنساء، ووضع آلية واضحة للتنسيق مع القيادة السياسية.

إن مجلس شيوخ الجنوب العربي ليس مجرد إطار تشاوري، بل هو أداة استراتيجية تعكس الوعي بأهمية توظيف الموروث الاجتماعي في صناعة المستقبل، وإذا ما تم دعمه وتمكينه، فإنه سيكون ركيزة أساسية في بناء الدولة الجنوبية المستقلة، وضمان استقرارها السياسي والاجتماعي، وتحقيق تطلعات شعبها نحو العدالة والتنمية والكرامة والسيادة .

 

 

 

*- شبوة برس – الجريدة بوست