اطلعت على بعض المنشورات التي كتبتها بعض الصفحات التي تنشر الأيديولوجيات المضللة، والتي تروج لأفعال شركات معينة، مثل شركة الاستيطان اليمنية "هائل سعيد أنعم"، وتُظهر تلك المنشورات أن هذه الشركة قد قامت بمشروع تنموي ضخم، وهو في الحقيقة مجرد حديقة بسيطة نفذتها تلك الشركة، لا يتجاوز حجمها مشروعًا صغيرًا. ومن المؤسف أن بعض الأبواق الإعلامية قد رسمت من هذا المشروع البسيط صورة لمشروع عملاق، في محاولة لتضليل الرأي العام عن الدور الحقيقي الذي تلعبه تلك الشركات.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن أن نغفل عن تاريخ هذه الشركات ودورها في تأجيج الأزمات وتحقيق مصالحها الخاصة. فقبل أسبوعين، وقعت نفس الشركة على مشروع استيطان للنازحين اليمنيين في الجنوب، وهو مشروع يأتي في سياق عملية تحكم الشركات الكبرى على الأراضي والمصادر الطبيعية في المنطقة. وهذا يعيدنا إلى تاريخ طويل من التعاون بين هذه الشركات وقوى الاستعمار والاحتلال.
يجب أن نتذكر أن هذه الشركات لم تكن مجرد كيانات اقتصادية محايدة؛ بل كانت في السابق شركاء أساسيين في تموين المجهود الحربي خلال صيف 94، ومن ثم أصبحت جزءًا من عمليات النهب وتقاسم الفيد التي عانى منها الشعب الجنوبي. هذه الشركات ليست بريئة في علاقتها بالمجتمع بالمحتل اليمني قديما وحديثا، بل كانت وما زالت جزءًا من شبكة اقتصادية تساهم في تعزيز الهيمنة الاقتصادية على الجنوب.
المحتلون في كل زمان ومكان لا يبنون وطنًا، ولا يعملون من أجل التنمية المستدامة التي تخدم المواطنين وتحقق العدالة الاجتماعية. هؤلاء المتنفذون، الذين يرتبطون بمصالحهم الشخصية، لا يسعون لإحداث تغيير حقيقي في حياة الناس. بل كل ما يهمهم هو السيطرة على الموارد وتحقيق أرباح طائلة من خلال عمليات الاستحواذ والنهب، دون مراعاة لاحتياجات المجتمع المحلي.
أيها المطبلون، إذا كنتم تؤمنون بأن هناك مشاريع تنموية حقيقية في مدن الجنوب التي أنشأها شركاء النهب والفيد، فأنا أطلب منكم أن تُظهروا لي مشروعًا واحدًا تم تنفيذه لصالح سكان الجنوب، من خلال تلك الشركات التي تديرون لها الدعاية الإعلامية. هل هناك مشروع تنموي واحد في هذه المنطقة يحقق مبدأ المواطنة ويعود بالفائدة على المواطنين المحليين؟ أو أن كل المشاريع التي نفذتها هذه الشركات كانت لصالح مصالحها الخاصة، ولم تقدم أي فائدة حقيقية للناس؟
هذه الشركات، مثل "هائل سعيد أنعم"، لا يمكن أن تُعتبر جزءًا من الحل أو من مشاريع التنمية المستدامة في الجنوب. فشركاتهم ومؤسساتهم هي جزء من إرث الاستعمار القديم ( الشركاء اليهود) والهيمنة والاحتلال اليمني( الهضبة الزيدية) على الأرض، بداية من الشوارع الرئيسية في عدن مثل شارع المعلا، مرورًا برصيف ميناء عدن، وصولًا إلى المشاريع الكبيرة مثل المدينة الخضراء وساحل أبين ومثلث العند ومدن حضرموت. هذه الشركات تملك الحصة الأكبر من الأراضي في الجنوب، وتستفيد من الموارد الطبيعية بدون أن يكون لها دور حقيقي في تحسين حياة الناس.
عجبًا لكم أيها الأبواق المأجورة! في الأمس، كنتم تهاجمون مشروع دولة الإمارات في مجال الطاقة الشمسية وتصفونه بأنه "شيء لا يُذكر"، وتقللون من أهمية دعمها لقطاع التعليم، الجامعات، المدارس، الأمن والدفاع المدني في جميع أنحاء الجنوب. وفي نفس الوقت، تصفون هذا الدعم بأنه "احتلال". ولكن، هل يمكن مقارنة ذلك بما تقدمه "هائل سعيد أنعم" من استثمارات؟ هل يمكن اعتبار الشركات التي تساهم في النهب والتقسيم جزءًا من عملية بناء وطن؟
من المثير للدهشة أن نفس الأبواق تعتبر هذه الشركات الكبرى التي تسيطر على مقدرات الشعب الجنوبي يدًا "طيبة" أو شريكًا في الخير. في الواقع، هذه الشركات هي جزء من الدولة العميقة التي تحكم البلد، التي تواصل استنزاف موارد الجنوب لصالح فئات محدودة، بينما تترك الغالبية العظمى من الناس يعانون من الفقر والبطالة.
ما نحتاجه اليوم ليس مزيدًا من المشاريع الصغيرة التي تتخفى تحت مسمى "التنمية"، بل نحتاج إلى استثمارات حقيقية تخدم المجتمع المحلي، توفر فرص العمل، وتحسن من بنية البلاد التحتية. يجب أن يكون هناك توجه حقيقي نحو تحقيق تنمية مستدامة بعيدًا عن هيمنة الشركات الاستعمارية التي لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة. فهذه الشركات لا يمكنها أن تكون جزءًا من الحل، بل هي جزء من المشكلة التي يعاني منها الجنوب.
*- د. صبري عفيف العلوي