تقع جزيرتا "ديوميدي" جنبا إلى جنب في "مضيق بيرينغ" (Bering Strait) الفاصل بين ألاسكا في الولايات المتحدة وسيبيريا في روسيا
*- شبوة برس – متابعات عامة
هل تخيّلت يوما أن تكون على ضفة جزيرة، في حين يقف صديقك على ضفة جزيرة أخرى مقابلة لا تبعد عنك سوى قرابة 4 كيلومترات، لكنك لو ذهبت إليه تكون قد انتقلت 21 ساعة في الماضي؟
هل ستفكر حينئذ في السفر إلى صديقك؟ علما أن المسافة ستكلفك فقط 40 دقيقة سيرا على الأقدام (وذلك بالطبع حال تجمّد المياه الفاصلة بينكما)، أو أقل من ذلك لو امتطيت سفينة عابرة.
ستعبر بك هذه الرحلة عبر المكان والزمان، إذ ستصل إلى صديقك في اليوم الذي يسبق يوم سفرك؛ وكأنك سافرت اليوم لتصل أمس، ومن ثمّ تكتسب 21 ساعة إضافية.
قد تفعل ذلك حبًّا في السفر إلى الماضي، وبالطبع من أجل رؤية صديقك! لكن هل سيوافق صديقك أيضا على تلبية دعوتك في السفر إليه عبر هذه المسافة القصيرة، التي ستفقده 21 ساعة من توقيته؟ ليجد نفسه في اليوم التالي، مع أنه لم يقطع سوى 40 دقيقة فقط؟
جزر غريبة
هذا ليس مشهدا في رواية خيال علمي خيالية تسافر فيها عبر الزمن، إنما حقيقة واقعية يمكنك تجربتها عمليا بمجرد أن تسافر إلى "جزر ديوميدي" (Diomede Islands).
اكتشف هذه الجزر المستكشف الدانماركي-الروسي فيتوس بيرنغ، وسمّيت نسبة إلى القديس ديوميدي؛ إذ صادف يوم اكتشافها يوم احتفال الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بذكرى ذلك القديس.
ومكانيا، تقع جزيرتا "ديوميدي" جنبا إلى جنب في "مضيق بيرينغ" (Bering Strait) الذي يفصل بين ألاسكا في الولايات المتحدة وسيبيريا في روسيا؛ إذ تتبع جزيرة "ديوميدي الكبرى" (Big Diomede Island) روسيا، أما جزيرة "ديوميدي الصغرى" (Little Diomede Island) فتتبع الولايات المتحدة. ومن ثمّ فإن هاتين الجزيرتين الصخريتين تتوسطان المسافة الفاصلة بين قارّتي آسيا وأميركا الشمالية.
وزمانيا، فإن الجزيرتين تقعان على جانبي "خط التاريخ الدولي" (International Date Line)، وهو خط وهمي فاصل يمر عبر المحيط الهادي ويبدأ من عنده توقيت اليوم، وعنده ينتهي. ومن ثمّ فإنه يعدّ الحد المميز بين تقويم اليوم وتقويم الأمس. ولذلك، فإن أي مسافر عبر هذا الخط الفاصل لا بد من أن يعدل من توقيته الزمني يوما كاملا.
حقائق أخرى مثيرة
ولذلك، فإن جزيرة "ديوميدي الكبرى" -التي تعرف بجزيرة المستقبل- تسبق شقيقتها "الصغرى" -التي تعرف بجزيرة الماضي- بيوم كامل، وذلك على الرغم من قرب المسافة بينهما، التي لا تتعدى 3.8 كيلومترات. ومن ثمّ فإن جزيرة "ديوميدي الكبرى" تعدّ أقصى نقطة زمنية ومكانية في شرق الكرة الأرضية، أما جزيرة "ديوميدي الصغرى" فتعدّ أقصى نقطة في غربها.
ولذلك فإن القيام بهذه الرحلة يعد أمرا مثيرا جدا، ذلك لأن الانتقال بين هاتين الجزيرتين يأخذك من الماضي إلى المستقبل، ومن قارة أميركا الشمالية إلى قارة آسيا، ومن الولايات المتحدة إلى روسيا، ومن أقصى نقطة في غرب الكرة الأرضية إلى أقصى نقطة في شرقها.
والآن بعد معرفتك بهذه الحقائق، هل تحمّست للقيام بهذه الرحلة المثيرة؟ إذًا، أود أن أضيف إليك معلومتين أخيرتين؛ إحداهما سارّة والأخرى محزنة. أولا، لو أردت الذهاب فاغتنم فصل الشتاء؛ حيث تتجمد المياه الفاصلة بين الجزيرتين فيمكنك قطع المسافة بينهما سيرا على الأقدام، أو تزلّجا على الجليد؛ وهي بالطبع تجربة جميلة يمكنك أن تضيفها إلى سفرك عبر الزمن.
غير أنني أقول لك، بكل أسف، إنك لن تستطيع القيام بهذه الرحلة -ليس لأسباب مادية؛ فبالطبع أنت تستطيع ذلك- بل لأن الانتقال بين هاتين الجزيرتين غير مصرّح به قانونيا. فمع أن جزيرة "ديوميدي الصغرى" مأهولة بنحو 110 أشخاص من سكانها الأصليين -كما تذكر جريدة "ميرور" (Mirror) البريطانية، لكنّ شقيقتها الكبرى التابعة لروسيا قد أُغلِقت حدودها منذ أكثر من 70 عاما بعد اندلاع الحرب الباردة. إذ أعادت الحكومة السوفياتية توطين سكان "ديوميدي الكبرى" قسرا إلى سيبيريا في الجانب الشرقي من روسيا منذ ذلك الحين.
وأخيرا، فلماذا كان فارق التوقيت بين الجزيرتين 21 ساعة بدلا من يوم كامل؟ ذلك لأن لألاسكا -التي تتبعها جزيرة "ديوميدي الصغرى"- 4 توقيتات زمنية، غير أن الولاية صوّتت على توحيد هذه الفروق الزمنية لتصبح زمنا واحدا. لذا يكون الفارق بين الجزيرتين كالفارق بين جزيرة "ديوميدي الكبرى" وأي مكان بعيد آخر في ألاسكا ذات التوقيت الزمني الموحد.
المصدر : ديلي ميرور + مواقع إلكترونية