بالنسبة للاغتيالات السياسية التي تقوم بها إسرائيل، ووضعتها على رأس أولوياتها
أحب افكر حضراتكم بأشياء:
أولا: الحرب العالمية الأولى قامت باغتيال سياسي لولي عهد النمسا، وهي حرب مدمرة راح ضحيتها عشرات الملايين، ولم تؤد لانتصار حاسم وواضح لطرف ضد آخر، بل أضعفت كلا الطرفين روسيا من الحلفاء، وتركيا والنمسا من المركز، كذلك أضعفت بريطانيا وفرنسا بإعلانات متتالية لاستقلال مستعمراتهم من ضمنها مصر بثورة 1919 والاستقلال 1922
ثانيا: الرئيس الأمريكي جون كيندي تم اغتياله سنة 1963 في عز الحرب الباردة المشتعلة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولم يؤد ذلك لتضرر أمريكا بشئ، بل جرى استبداله برئيس آخر..
ثالثا: في التاريخ ظهرت فرق دينية متطرفة تخصصت في الاغتيال السياسي، مثل الخوارج والحشاشين في الإسلام، والزيلون والسيكاري في اليهودية..وبرغم ذلك لم تنجح هذه الفرق في تشكيل دولة قوية، أو إقامة مشروع فكري أو نهضة من أي نوع.
رابعا: حوادث اغتيال سياسي كثيرة لم تدفع الدول والمجموعات لتغيير سياساتها أو إضعافها، فاغتيال غاندي لم يقض على مشروع السلام الهندي الباكستاني، واغتيال السادات لم يقض على مشروع السلام المصري الإسرائيلي، واغتيال مارتن لوثر كينج لم يقض على مشروع التحرر من عنصرية البيض، فدائما يؤدي الاغتيال السياسي بهذا الشكل لتعصب وتمسك أكثر بثوابت الضحية، والدخول في تحد أخلاقي كبير لإنجاح مهمته..
خامسا: حديثا في الشرق الأوسط اغتيل العشرات من قادة مقاومات لبنان وفلسطين، ومع ذلك لا تزال هذه المقاومات قوية وراسخة على الأرض، ومترابطة بشكل جيد، وتحارب العدو الصهيوني بأِشكال مختلفة، وتتلقى الدعم أيضا بأشكال مختلفة..
سادسا: في مصر اغتيل الآلاف من قادة وجنود الشرطة والجيش المصري، في سلسلة أعمال إرهابية ممتدة منذ السبعينات حتى اليوم، ورغم ذلك لم يؤثر ذلك على قوة وترابط ودعم الأجهزة الأمنية، بل اكتسبت خبرة عميقة للتعامل مع مثل هذه الحوادث، وشكلت نقطة في فهم سيكولوجيا الإرهاب والتعامل معه وفقا لطبيعته..
فلسفيا الاغتيال السياسي يثير أسئلة عن الأخلاق والقيم التي تدفع مرتكبيها لهذا الفعل، فالحروب مهما كانت عنيفة توجد منها بقعة ضوء أو نافذة للحوار السياسي والسلام، وهذا الاغتيال ينشر الحقد الموروث بين الأجيال، فيقضي على السلام، وتنشأ الأجيال بروح انتقامية ثورية، وهذا متحقق في فلسطين، فأحد أسباب شدة العنف فيها ودوام الحرب هو الاغتيالات السياسي التي تحدث منذ إنشاء دولة إسرائيل وإلى اليوم..
الاغتيال السياسي لا يصنع نصرا أو سلاما، بل ينشر الخوف وانعدام الثقة، كمقدمة لأعمال انتقامية ثورية، والخوف ليس قرينة فقط للضعفاء، بل أيضا للأقوياء، فأحد دواعي البطش عند الأقوياء هو شعورهم بالخوف أساسا..
كذلك فالقوة عند المقاومة ليست صنيعة فرد، بل صنيعة شبكة معقدة ومتنوعة من العواطف والأمنيات والعقائد والنظريات والقناعات، هي التي تنتج القوة العسكرية والبشرية والمادية، فاغتيال فرد سواء عنصر أو زعيم، لا يؤثر في طبيعة عمل هذه الشبكة، التي تحتاج لردود فكرية ومشاريع أخلاقية وسلام وتسامح لهضمها
سياسة إسرائيل العامة منذ إنشاءها بالاغتيال السياسي لم تجلب لها القوة، بل الذي جلب لها القوة عاملين اثنين فقط (الدعم الأمريكي والغربي) و (الحروب الأهلية الدينية والقومية بين العرب والمسلمين) عدا ذلك فإسرائيل دولة بائسة للغاية، ولديها مكامن ضعف اجتماعية كبيرة خاصة بطيعتها الاستيطانية والشرح في ذلك يطول..
الحروب بشكل عام لا يصنع نصرها إلا التخطيط الجيد، والأهلية العسكرية، والتكيف مع الظروف، والذكاء بعدم صنع أعداء كثر، أو الاستهانة بالخصوم، فضلا عن تماسك المجتمع، وامتلاك المشروع الأخلاقي والقيمي للبقاء، وإسرائيل فاقدة لمعظم هذه الشروط، فهي تصنع أعداء جدد من لا شئ، وتستهين بخصومها بوضوح، وفاقدة للمشروع الأخلاقي الذي يمكنهم من عدم تجاوز القوانين والأعراف البشرية كقتل الأطفال والنساء مثلا أو القيام بأعمال إبادة جماعية..
باختصار: سياسة الاغتيال السياسي الصهيونية، ليست معيبة فقط أخلاقيا وإنسانيا، إنها معيبة سياسيا وعسكريا، وهي أحد أوجه الضعف الكبرى لهذا الكيان، والتي ستؤدي في النهاية لزواله، إما بالقضاء على الاحتلال واستقلال الشعب الفلسطيني، أو بتدمير الدولة الإسرائيلية نفسها بمذابح بشعة ورهيبة، وشخصيا لا أتمنى النموذج الثاني، فلست من أنصار المذابح ضد المدنيين، يكفي زوال الاحتلال كنتيجة لهذا العبث الصهيوني لإقامة سلام حُرمنا منه على مدار 76 عاما هي عمر الكيان