مؤرخ السلفية الوهابية والإخوان المتأثرين بها الدكتور علي الصلابي يكذب دعاوي الوهابية الصومالية بأن الصوفية ولاسيما القادرية كانوا مع الاستعمار الأوروبي
*- شبوة برس – السيد نذير السيد نور (*)
يحدثنا الصلابي في كتابه الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط عن مشروع الجامعة الإسلامية لمقاومة الإستعماروالتنصير في العالم الإسلامي في أواخرالقرن الثالث عشر الهجري الذي حركه الخليفة العثماني السلطان عبدالحميد الثاني بالتنسيق مع مشائخ الطرق الصوفية فيقول :
"شعرت الخلافة الإسلامية المتمثلة بالسطنة العثمانية التركية على خطورة التفكيك والإلتهام الذي يتعرض له العالم الإسلامي من قبل القوى الإستعمارية الأوروبية التي بسطت نفوذها على كثير من البلدان الإسلامية وتريد الإجهاز على الخلافة التي وصفوها بالرجل المريض فرأى الخليفة العبقري فقيد الإسلام عبد الحميد الثاني مواجهة هذا الخطر وتوحيد شعوب العالم الإسلامي تحت راية الخلافة وهو المشروع الذي عرف بمشروع الجامعة الإسلامية
فكان من الوسائل التي اتخذها السلطان عبدالحميد في تنفيذ مخططه للوصول الى الجامعة الاسلامية، الاتصال بالدعاة، وتنظيم الطرق الصوفية، والعمل على تعريب الدولة،"(1)
أولا: تنظيم الطرق الصوفية
بما أن الصوفية هم المعدن الأصيل في دنيا الناس، وما انتصرت الأمة في أيامها الكبرى إلا بهم، وما انتشر الإسلام في ربوع المعمورة إلا بأخلاقهم، وما تخرج الرجال إلا من زواياهم ومجامعهم، فان الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى تفعيل وإعادة دور الطرق الصوفية في مواجهة الاستعمار العالمي.
وتنفذا لمخططه استهدف الخليفة عبدالحميد – كما نقل الصلابي - الطرق الصوفية في كسب ولائها للدولة العثمانية، والدعوة الى فكرة الجامعة الاسلامية، واستطاع أن يكون رابطة بين مقر الخلافة -استانبول- وبين تكايا(*) ومراكز تجمع الطرق الصوفية في كل أنحاء العالم الاسلامي واتخذ الخليفة من حركة التصوف في العالم الاسلامي وسيلة للدعاية للجامعة الاسلامية، ..وتكونت في عاصمة الخلافة لجنة مركزية ، مكونة من العلماء وشيوخ الطرق الصوفية حيث عملوا مستشارين للخليفة في شؤون الجامعة الاسلامية: الشيخ (أحمد أسعد) وكيل الفراشة الشريفة (أي الخلافة) في الحجاز، والشيخ (أبو الهدى الصيادي) شيخ الطريقة الرفاعية، والشيخ (محمد ظافر الطرابلسي) شيخ الطريقة المدنية (الشاذلية)، والشيخ رحمة الله (الهندي - صاحب كتاب إظهار الحق في الرد على النصرانية - أحد علماء الحرم المكي، كانوا أبرز أعضاء هذه اللجنة المركزية للجامعة الاسلامية، وكان معهم غيرهم،
وكانت الدولة العثمانية تنتشر فيها هيئات فرعية في كافة الأقاليم خاضعة لهذه اللجنة (الصوفية)، ومن أهمها:
- الهيئة التي كانت في مكة (في مركز الحضرة المدنية الإدريسية) تحت إشراف شريف مكة ومهمتها نشر مفهوم الجامعة الاسلامية في موسم الحج بين الحجاج،
- وأخرى في بغداد،(في مركز الحضرة الكيلانية) وتقوم بنفس المهمة بين اتباع الطريقة القادرية، الذين يأتون بكثرة من الشمال الأفريقي لزيارة الشيخ عبدالقادر الكيلاني مؤسس الطريقة، وقد قدرت أعداد هؤلاء في إحدى السنوات بحوالي (25.000) نسمة. وكانت لجنة بغداد تعمل على تهيئة القادمين لحمل فكرة الجامعة الاسلامية ، ولمقاومة الاستعمار في أفريقيا ووصفت المخابرات الفرنسية ما قام به هؤلاء القادمون من أهل الشمال الأفريقي من بغداد، من أعمال ضد الفرنسيين وضد الاستعمار الفرنسي بأنها: (استفزازات بعض رجال الدين التابعين للطريقة القادرية) وللجنة المركزية للجامعة الاسلامية في استانبول، فرع أفريقي يعمل في شمال أفريقيا، وهو يعمل في سرية تامة، مهمته تنسيق العمل بين الجماعات الدينية هناك، لمقاومة الاحتلال الغربي، وهذه الجماعات هي: (الشاذلية والقادرية والمدنية).
وبلغ من نفوذ هذه الحركة وهيبتها: أن وصفتها إدارة المخابرات الفرنسية في شمال أفريقيا بقولها: (ويمكن للسلطان عبدالحميد - بصفته رئيساً للجامعة الاسلامية- أن يجمع من خلال ارتباطاته الوثيقة بالجماعات الدينية في شمال أفريقيا- جيشاً محلياً منظماً، يتمكن -إذا لزم الأمر- أن يقاوم به أي قوة أجنبية).
ولم تستطع المخابرات الفرنسية أن تكشف وسائل التنظيم للطرق الصوفية التابعة للخلافة الاسلامية في شمال أفريقيا
وأرسل السلطان عبدالحميد مجموعة من الزهاد والمتصوفة الى أطراف العالم الإسلامي ، لتعمل على القضاء على محاولات المستعمرين الداعية الى سلب الخلافة من العثمانيين، لإعطائها الى العرب – على حد زعمهم- .
وهناك اتصالات بين السلطان عبدالحميد بوصفه رئيساً للجامعة الاسلامية ، وخليفة المسلمين ، وسلطان الدولة العثمانية ، وبين تجمعات الطرق الصوفية وشيوخها.. بعضها كشف عنها النقاب ، وأكثرها لم تكشف عنه الوثائق بشكل كافٍ بعد.(2)
لقد نجح السلطان عبدالحميد الثاني في جمع الطرق الصوفية وتنظيمها لخدمة فكرة الجامعة الإسلامية الكافلة لتوحيد المسلمين ومقاومة الإستعمار والتنصير
ولولا أن العدو كان متفوفا في القوة وأن الجرح قد كان عمق من قبل - مما عجل تقويض مشروع الخليفة واسقاط الخلافة بواسطة العملاء والخونة من الأتراك والعرب - لكان لهذا المشروع شأن آخر في إعادة عزة الإسلام ووحدة المسلين تحت راية الخلافة فانا لله وانا اليه راجعون"(3)
وكجزء من هذه الحملة الصوفية العالمية لنشر الدعوة والتعليم وتوعية الشعوب المسلمة ومقاومة الإستعمار الغربي وحملات التنصير بالوسائل المتاحة في كل بلد وصل الى منطقة القرن الإفريقي عدد من هؤلاء المرشدين الصوفية القادمين من الحجاز أوالعراق فجددوا معالم الدين والثقافة العربية في المنطقة في تلك الفترة أو قبلها بقليل منهم :
-مولانا عبدالرحمن بن محمود شيخ الطريقة الرحمانية الإدريسية (الأحمدية)القادم من الحجاز والذي من خلفائه في أوغادين السيد محمد ويتين صاحب زاوية عين
-ومنهم نجل السابق السيد أحمد بن السيد عبد الواحد بن السيد عبد الرحمن المكي أحد رموز الإدريسية القادم من الحجاز والمدفون في عين
-ومنهم الشيخ عبد الرحمن الزيلعي الملقب بنوريه (أي منوّر البلاد)
-ومنهم الشيخ أويس البراوي شيخ الطريقة الأويسية القادرية القادم من بغداد في العراق،
-ومنهم الشيخ محمد بن قوليد شيخ الطريقة الصالحية الإدريسية وناشرها في الديار الصومالية
-ومنهم السيد محمد عبد الله حسن شيخ الدراويش الصالحية وقائد الثورة الجهادية (4)
_____________________________
(1)محمد علي الصلابي :الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط - لمؤرخ الوهابية -ج 2 / ص 52-55
(2) نفس المصدر
(3)الشيخ عثمان(حيدغ) الشيخ عمر الشيخ داودعلسو,وعبد الحكيم علي:بحث في الطرق الصوفية في الصومال ص1-3
(4) نذير السيد نور : الإسلام والعروبة في الإقليم الصومالي (أوغادين) عبر التاريخ
*- رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ورئيس المحكمة العليا للشريعة الإسلامية في الإقليم الصومالي سابقا
*- من صفحة الكاتب على فيسبوك