كان كاتب هذه السطور من بين كثيرين ممن طالبوا بتشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلين (غير الحزبيين) الذين يتوافق على تسمياتهم طرفا الشرعية والمجلس الانتقالي الموقعين على اتفاق الرياض في نوفمبر ٢٠١٩م وكان هذا هو نفس رأيي الذي اقترحته عند تشكيل حكومة الاستاذ خالد بحاح في العام ٢٠١٤م التي انقلب عليها الحوث-عفاشيون بعيد أشهر على منحها الثقة، لكن هذا الرأي لم يُؤخَذ به لأن الأطراف السياسية كانت مشغولة بتضخيم حصصها في الكعكة حتى لو كانت هذه الكعكة عبارة عن مجموعة من السموم القاتلة بالنسبة للشعب، فالشعب هو آخر من يفكر فيه السياسيون النازحون أصحاب السجلات المشهورة عندما يتعلق الأمر بالجنوب والجنوبيين.
كانت مناصفة ٢٠١٩م زائفة ومغشوشة بكل المعاني، ولم يكن الجنوب، صاحب الأرض والثروة والقاعدة الديمغرافية المستهدفة بالحسبان، فقد وزع كل حزب من أحزاب الغزو والحرب والعدوان على الجنوب، وزع وزراءه بين الجنوب والشمال وا٦تبروا هذا التوزيع هو المناصفة، وبقي الانتقالي الذي يفترض أنه ممثل الجنوب المستهدف وصاحب الارض والثروة كما قلنا، بقي هو الكيان الأفقر في تلك المناصفة المغشوشة، فهو إذ يمثل النصف المقصود مقارنةً بشقيقة النصف الثاني، (الشمال) ليس لديه نصفاً شمالياً كما هو حال بقية المكونات، وفاز بخمسة أو ستة وزراء، هم تقريباً أقل من عدد وزراء حزب شمالي كالمؤتمر (قائد الحربين على الجنوب، والذي لا تبلغ حاضنته الاجتماعية عدة مئات وربما عدة آلاف، (خصوصاً بعد فضيحة تحالفه مع دعاة الولي الفقية وعودة الملكية المقيتة).
لم تعالج المناصفة أية قضية من تلك المتصلة بمعاناة الناس في الجنوب، ولن نعدد أوجه المعاناة المؤلمة التي يعيشها الجنوبيون فهي معروفة للجميع.
المنجز الوحيد الذي حققته سلطات ما بعد ٢٠١٩، و ٢٠٢٢م هي توزيع السخط الشعبي الجنوبي بين طرفيها، لا بل إدخال المجلس الانتقالي الجنوبي، صاحب مليونيات التفويض إلى دائرة الغضب الشعبي، بسبب اعتقاد الناس البسطاء ضحايا المجاعات والحرمان والبؤس والإفقار وحرب التجويع والخدمات، اعتقادهم بأن المتسبب في معاناتهم هو المجلس الانتقالي الجنوبي، وليس هوامير الفساد والسلب والنهب والغش والاستحواذ الذين تصلهم ملايينهم وملياراتهم من موارد وثروات الجنوب إلى مقار إقامتهم في الرياض واسطنبول وبقية المدن الآسيوية والأوروبية والأفريقية، بينما المجلس الانتقالي براءٌ مما يعانون من ويلات وعذابات.
سيقول قائل: ولماذا يقبل المجلس الانتقالي الشراكة في سلطة هي من يفعل كل هذا بالشعب الجنوبي؟ ولماذا لا يفُضُّ الشراكة مع هذه السلطة البائسة؟
لست مفوضاً بتبرير مواقف المجلس الانتقالي من هذه القضية وغيرها من القضايا، لكنني أتفهم وجود ضغوط ومؤثرات خارجية تجعل المجلس الانتقالي بين مطرقةٍ وسندانٍ، لكنني مع ذلك كنت قد سبق وأن تعرضت لهذه القضية وقلت فيها الكثير، وملخص رأيي هو:
إما شراكة ترفع الظلم والقهر والذل والعذاب والبؤس والتجويع والإملاق وحرب الخدمات عن الشعب الجنوبي، وإما لا شراكة، . . والعودة إلى الشعب الجنوبي فهو صاحب الحل والعقد في ما يتعلق بمصيره ومستقبله السياسي.
وأخيرا
رسالتي لزملائي في قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي:
شريككم لا يهتم بمعاناة الشعب الجنوبي، ولا بالسخط الشعبي الذي يتنامى يوماً عن يوم ضد سلطة المناصفة بكل اطرافها وأنتم جزءٌ منها.
بل إن هذا الشريك يزداد زهواً وسعادةً وبهجةً كلما تنامت المعاناة وتضاعف الغضب الشعبي الجنوبي، فجماهير الجنوب ليست جماهيره، والحلم بالرضى الشعبي الجنوبي معدوم لديه، لكن سعادته تتضاعف حينما يرى الجماهير الجنوبية توزع سخطها بينه وبينكم.
فذلك سيكون النجاح الوحيد لسلطة المناصفة التي أصروا على تسميتها هكذا وصدَّقناهم.