يتحدثون عن الحرب في غزة بين حماس والقوات الإسرائيلية ولا يعترفون أن المشكلة هي صراع بين الشعب الفلسطيني والدولة الصهيونية التي اغتصبت الأرض وشردت السكان وما تزال تمعن فيهم قتلاً وسلباً ونهباً وتنكيلاً لم يشهد له التاريخ مثيلاً منذ قتل قابيل لأخيه هابيل.
ويقولون أن المشكلة بدأت يوم 7 أوكتوبر الماضي حينما شنَّت حركة حماس هجمتها على المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في ما يسمى بــ"غلاف غزة" ولا يرغبون في الاعتراف بأن المشكلة لم تبدأ يوم 7 أوكتوبر 2023م بل بدأت منذ وعد بلفور العام 1917م (أي قبل قرن ونيف) وتواصلت حينما دشنت عصابات الهجانا الصهيونية حربها على الشعب الفلسطيني بتواطؤ معروف من قبل القوات البريطانية المحتلة لفلسطين في ذلك الزمان والترحيل المشهود فيما عُرِف بعام النكبة 1948م وإعلان دولة إسرائيل التي استوردت مواطنيها من شتى بقاع العالم.
يقولون أن هدف الحملة الصهيونية وحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني تستهدف تحرير الأسرى الإسرائيليين والذين لا يتجاوز عددهم المئات، ولا يتحدثون عن أكثر من عشرة ألف شهيد أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء وأكثر من 90% منهم من المدنيين وأكثر من عشرين ألف جريح فلسطيني محرومين من حق العلاج والاستشفاء، ثم لا يتحدثون عن قرابة خمسة آلاف سجين فلسطيني في المعتقلات الإسرائيلية بدون اتهامات وبدون محاكمات منهم مئات القاصرين والنساء.
إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني مبررةً كل جرائمها بالدفاع عن النفس، فتقتل النساء والأطفال وتقصف المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس وتهدم المباني فوق ساكنيها تحت هذه الحجة البائسة، لكن أحداً لم يتحدث عن حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم، وكأن الإسرائيليين هم وحدهم البشر أما الفلسطينيون فهم مجرد "وحوش بشرية" كما قال عنهم وزير الدفاع الإسرائيلي صبيحة 7 أوكتوبر 2023م.
تزويغ المفردات ومعانيها ليس حماقةً أو خطأً لغوياً، لكنه عملٌ سياسيٌ بامتياز يهدف من خلاله الإعلام الصهيوني ومؤيدوه تجزئة القضية الفلسطينية ومسخها وإفراغها من مضمونها الإنساني الوطني والسياسي، وبالتالي التحيز المسبق للمشروع الصهيوني والقائم على تجريم نضال الشعب الفلسطيني في سبيل تحقيق أهدافه الوطنية في التحرير والاستقلال وبناء دولته المستقلة على أرضه التاريخية المعترف بها دولياً.
ليست المشكلة في ما يقوم به الإعلام الصهيوني ومؤيدوه من شتى بلدان النفوذ الصهيوني في دول النفوذ الدولي، بل إن المشكلة في أن الكثير من وسائل الإعلام العربية وبعض القادة العرب يتعاطون مع هذه القضية على النحو الذي تقدمه وسائل الإعلام الصهيونية ومؤازروها في العالم، فيبادرون بإدانة حماس ويطالبون بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيلين متجاهلين الحرب العدوانية والحصار الشامل على غزة وعلى كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وحرمان أهل غزة (كل أهلها) من أبسط وسائل الحياة من الماء والغذاء والدواء والوقود والحق في العلاج للجرحى وحتى الحق في الحصول على ملاجئ آمنه لا يطالها القصف العدواني الصهيوني.
"وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون".