الساخطون على ميثاق الشرف الجنوبي

2023-05-11 11:20




في القضايا التي ينقسم الناس بشأنها إلى فريقين متخاصمين أو أكثر تعلمنا الحكمة المكتسبة أن ردود أفعال خصوم هذه القضية أو تلك هي معيار النجاح أو الفشل سواءٌ كانت تلك المواقف رضىً أم غضباً، تأييداً أم اعتراضاً.
وعند الحديث عن القضية الجنوبية ومساراتها التاريخية وما توصلت إليه بعد تحرير الجنوب من الغزو الثاني في 2015م وبالذات بعد قيام المجلس الانتقالي لا يمكن النظر إلى المشهد الجنوبي بمنأى عن كل تلك التفاعلات التي تبرهن كل يوم مضي الشعب الجنوبي بوتائر متصاعدة باتجاه استعادة دولته وهو الحق المشروع الذي لا ينازعه فيه إلا المتنطعون وجماعات النهب والسلب والفيد والاستباحة.


وبالعودة إلى مخرجات اللقاء التشاوري الجنوبي المنعقد في عدن (4-8 مايو 2023م) وخصوصا ما يتعلق بميثاق الشرف الجنوبي الموقع من قبل جميع المكونات والشخصيات والهيئات السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار، فإن حالة السخط والغضب والهستيريا التي أصابت بعض المواقع الإعلامية المناوئة للحق الجنوبي بما في ذلك بعض الأكاديميين والكتاب حاملي شهادات الدكتوراه (وما أكثرهم هذه الأيام)، أقول إن هذه الحالة هي من يتحدث عن مستوى النجاح الذي حققه الجنوبيون من خلال بناء الاصطفاف الوطني الجنوبي، تحت شعار استعادة دولة الجنوب بحدود 21 مايو 1990م، وهو القاسم المشترك الأعظم بين جميع الفعاليات السياسية والوطنية الجنوبية.


لم يستوعب الكثير من الساخطين على نتائج مؤتمر الحوار الجنوبي معنى ومضمون الحدث الذي شهدته عدن عاصمة الجنوب (العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية) خلال الاسبوع المنصرم، وبدلا من الغوص في حيثيات الحدث وأبعاده واستنطاق مضامينه المنطقية ومحاولة استكشاف آفاقه المستقبلية راح الكثيرون يفتشون في جراب السنوات الخوالي مما ورَّثته أجهزة ومطابخ المخابرات العائلية حينما كانت لا تفسر أية ظاهرة احتجاجية أو فعالية مطلبية إلا على إنها مؤامرة خارجية تستهدف "الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية"، بينما كان أصحاب هذه الشعارات يبتعدون يوما إثر آخر عن كل معانيها حتى سلموها بكل ما فيها من قيم ومضامين إلىى أحفاد إمامة القرون الوسطى.


تركزت معظم الأطروحات وردود الأفعال الصادرة من قبل الشريحة الإعلامية والأكاديمية (الشقيقة) خلال الساعات ما بعد إعلان ميثاق الشرف الجنوبي على أربعة محاور تكرس محاولة الهروب من تناول أهم نقطة محورية في القضية الجنوبية، وهي الحربين العدوانيتين اللتين شنتا على الجنوب واستمرار نتائج حرب 1994م ماثلةً للعيان رغم كل المتغيرات التي شهدتها الساحة، وتتمثل المحاور الأربعة في:
1.
الحديث عن مؤامرة لتمزيق اليمن، ويتجنب هؤلاء الحديث عن أن اليمن الواحد لم يعد له وجود اليوم حتى بدون القضية الجنوبية وأن الواقع القائم اليوم يقول أن اليمن (المفترض) يعيش وضع الدولتين، دولة في الجنوب ودولة في الشمال حتى وإن كان الشماليون هم من يدير الدولتين الجارتين، لكن هؤلاء لا يبصرون هذه الحقيقة ويتصرفون كما تفعل النعامة في سلوكها المعروف.
2.
لم يكفّْ هؤلاء عن تكرار الاتهام الخاوي الممل الذي يرون بموجبه أن المجلس الانتقالي صنيعة إماراتية وأن الإمارات تستهدف صناعة دولة جنوبية تكون عميلة لها (أي للإمارات) ودمية بيدها، ويكررون نفس المعزوفة الخائبة التي تسوق لأكذوبة إن الإمارات تستهدف الموانئ والمطارات والجزر اليمنية (يقصدون الجنوبية).
3.
لم يمل هؤلاء تكرار نفس الأنشودة المتقادمة عن إن المجلس الانتقالي متمرد على الشرعية، وأنه من ناحية يتقاسم السلطة مع الشرعية، ومن ناحية أخرى يقوض هذه الشرعية ويكرس مشروع الانفصال (كما يقولون).
4.
وعندما تعييهم الحيلة يتذكر بعضهم أن كل هذه الحجج والأقاويل قد فقدت فاعليتها لكثرة استهلاكها يلجأون إلى معزوفة قديمة لكنهم يعتقدون أنها مجدية بعد كل ما شهده مؤتمر الحوار الجنوبي والتوقيع على ميثاق الشرف فيتحدثون عن مقاطعة بعض الأسماء والرموز أو اعتذار البعض أو غياب البعض ليستنتجوا من كل هذا ذلك الاستنتاج الأخرق وهو: إن مؤتمر الحوار مناطقي وفئوي ولا يعبر عن الكل الجنوبيين.
لكل هؤلاء يمكن أن يقال الكثير والكثيرر لكننا سنختصر مناقشاتهم في الحقائق التالية:
1.
إنكم تتحدثون عن وحدة لا وجود لها، فقبل 2014م كنا نقول أن الوحدة الندية التشاركية الطوعية في العام 1990م قد ابتلعتها حرب الغزو والاجتياح وتحولت من وحدة إلى احتلال، ولا يستطيع كائن من كان أن ينكر هذه الحقيقة، لكن الذين يتجنبون الحديث عن هذه الحقيقة يتحدثون عن كيان لا وجود له وينكر خالةً موودة، فيلومون أنين الضحايا.

*- عيدروس نصر النقيب