من الخطأ الفادح اعتقاد أن «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» انكسر بعد الإشارات الأخيرة التي جاءت من تركيا ورغبتها إعادة تطبيع العلاقات السياسية مع دول محور الاعتدال العربي، والتي بدأت عملياً مع مصر والسعودية، في سياق خطوات من الجانب التركي للتقارب بعد المتغيرات الدولية، وخاصة وصول «الديمقراطيين» للبيت الأبيض، وهو العامل المؤثر في متغيرات السياسة الدولية.
واحدة من الخطايا المكررة الخلط بين «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» كتنظيم وبين أدواته وأذرعه الإعلامية والدعوية وغيرها النشطة والظاهرة، باعتبارها أدوات من طبيعتها الظهور والبروز، بل وحتى التأثير، فهذا هو المطلوب من كل الأذرع والأدوات الحركية، بينما التنظيم ككتلة منذ نشأ في مطلع القرن العشرين مازال على ذاته منذ أسسه حسن البنا قادر على التخفي، بل قادر على امتصاص الضربات والتعامل مع العواصف وإن اشتدت، واعتقد منّ اعتقد أنها نهاية التنظيم، تماماً كما حدث للتنظيم في العهد الملكي المصري عندما اعتقد البعض أنه قد تم القضاء عليه، ولكنه وجد من السجون بيئة جدد فيها نفسه، وتكررت في فترة خمسينيات القرن الفائت في مصر الناصرية.
صحيح التنظيم يتعرض مرحلياً لواحدة من مراحل الضغط العالي، لكن لابد من توسيع القراءة والنظرة حول ماذا ينتظر التنظيم من خطوة تالية؟ وهذا ليس تساؤلاً مبهماً، بل في سياق واقعية القراءة الواجب استحضارها في متابعة «التنظيم الدولي» الذي له تكتيكاته وخططه المعدة سلفاً، وهي التي لطالما سعت لتجنب انكسار التنظيم ونهايته، وهذا ما يعيدنا لعام 2013 بعد أن أطاح الشعب المصري بحكم «الإخوان» في مصر، مما استدعى لقاء قيادات من التنظيم الدولي مع قيادات من الحرس الثوري الإيراني في اجتماع حدث آنذاك، وتقرر معه عدة خطوات هي للأسف ما حدث ويحدث.
تقرر أن تكون اليمن حزام استنزاف للسعودية، وليبيا استنزاف لمصر، وأن يظل التنسيق بين «الحرس الثوري الإيراني» و«التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» قائماً للحفاظ على المصالح المشتركة بينهما. ومن المؤسف أن هناك خطوات للتنظيم في اليمن الذي بات خاضعاً بشكل كامل بين مقررات تنظيم «الإخوان» والحرس الثوري الإيراني، ولا توجد فرصة ممكنة لتفكيك هذا التحالف في اليمن الذي بات موقعاً متقدماً لحركة التنظيم وتأثيره، بما في ذلك عدن التي لطالما كان يعتقد أنها مكان طارد للتنظيم فكرياً، لكنها باتت في قبضة «التنظيم»، لولا محاولات المقاومة الجنوبية الرافضة للوجود «الإسلاموي».
الخطر من تنظيم «الإخوان» تضاعف عن ما كان عليه في 2013، حتى وإن تركوا ملاذاتهم الخارجية ككوادر وإعلاميين ونشطاء، فهم يمتلكون نفوذهم السياسي والإعلامي، بل باتت هذه الملاذات نفسها في موضع تكرار ما عرفته السعودية في الستينيات الميلادية، عندما حولها «التنظيم» لمركز نشوء «الصحوة الإسلامية» وتفريخ الأفكار المتطرفة، باستغلالهم حادثة جهيمان في الحرم المكي وتوظيفها للتغلغل في المناهج التعليمية وغيرها من مناحي الحياة الاجتماعية.
قيادات «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين»، حتى وهي تعيش هذه المرحلة الصعبة بالتأكيد، لكنها تدرك في المقابل أنها مجرد مرحلة يستطيع التنظيم التعامل معها بما لديه من براغماتية وأدوات تجعله يستطيع امتصاص الصدمات، خاصة وأن التنظيم عملياً يؤثر في قرار عدة دول عربية تحيط بمحور الاعتدال العربي، وهذا ما يبقي للتنظيم حضوره في المشهد السياسي، ويعطيه الفرصة الممكنة للتعامل مع الواقع، ويبقى في المقابل أن لا يتم الاستغفال عن حركة التنظيم وإبقاء العيون مفتوحة على تحركاته وما يمكن أن تكون له من ردات فعل عنيفة لتغيير الواقع السياسي، فحالة الاختناق التي يعيشها التنظيم لا تعني أنه سيموت.