إن قضية الرواتب وبصورة عامة، تعتبر من القضايا الهامة والحساسة جدا، فالراتب يمثل المصدر الوحيد للقمة العيش الكريم لمستحقيه، لذلك لا يمكن لأحد أن يتصور بأن توقفه أو انقطاعه لعدة شهور أمرا يسيرا، بل حدوث مثل هذا الشيء يعني انتزاع الحياة من مستحقيه والدفع بهم إلى الهلاك، لذا من المعروف أن السلطات في كل بلد تولي مسألة الرواتب عناية شىديدة، وتمنحها الأولوية في الميزانية السنوية، فبند الرواتب يمثل خط أحمر يمنع المساس بمخصصاته المالية، وجميع السلطات تدرك جيدا أن أي تقصير أو تفريط في هذه المسألة تعتبر جريمة بكل معنى الكلمة.
ولا ريب أن ما حدث في الأعوام القليلة الماضية من تعثر لبعض رواتب العسكريين، قد تسبب لهم بالأذى الشديد، كما خلق حالة سخط شعبي كبير، ومع ذلك فقد شهد العام الماضي بعض الانتظام والثبات لرواتبهم، ولكن في عامنا هذا عاد لهم كابوس تعثر صرف الرواتب وبشكل قبيح ومخجل، حيث بلغت الأشهر المتوقفة حوالي ستة أشهر، فذلك الأمر عكس صورة سلبية للسلطة أو السلطات التي تمسك بزمام الأمور في العاصمة عدن.
في الحقيقة لا يعقل ما يجري مع العسكريين، فكيف بلغ الأمر بالبنك المركزي هذا العام دفع رواتب أشهر قليلة متخطيا لجزء كبير من رواتبهم الشهرية المستحقة؟!، وكيف قبلت السلطة أن يتحول الراتب الشهري لمنتسبي القوات المسلحة والأمن إلى راتب فصلي؟!، في الوقت الذي لا يغطي هذا الراتب متطلبات العيش للشهر بكامل أيامه مع موجة الغلاء الحاد التي عصفت بالبلاد، فما بال العسكري وكيف يكون حاله عند استلامه راتب شهر واحد كل ثلاثة أشهر ؟!، لقد ألحق بهم هذا العبث ضررا كبير دفع البعض للاحتجاج والإعتصام أمام بوابة التحالف وبوابات أخرى لميناء عدن، ومع ذلك تجاهلت السلطة تلك الوقفة الاحتجاجية، وكأنها تعبر عن مطلب ثانوي كتحسين أوضاعهم المعيشية، رغم أن مثل ذلك من حقهم ولا حرج فيه، بعد أن قضى الكثير منهم ربيع عمره في خدمة الوطن باخلاص وتفانِ وارتقوا في آخر عهدهم رتب عالية، ولكن وللأسف لم يدر في خلدهم أن تتجاهل السلطة اعتصامهم على مطلب أساسي وهام وهو تعثر دفع رواتبهم المستحقة، فوجعهم المكتوم هذا لا يستوجب عدم مبالاة السلطة.
ليس من المستغرب، بعد تغاضي السلطة والتحالف لمطالبهم أن يتخذ المعتصمون اجراءات تصعيديه كأغلاق بوابات ميناء عدن، والتي حينها دفعت الأخ أحمد حامد لملس محافظ محافظة عدن والأخ أحمد سعيد بن بريك للتفاوض معهم، وقد توصلا لإتفاق، وبناء عليه قدم المحافظ وعده بتسليمهم رواتبهم بصورة منتظمة وبزيادة راتب شهر مع كل راتب لتسديد متاخرات رواتبهم، فعلى ضوء ذلك الاتفاق والوعد، فتح المعتصمون بوابات الميناء، يحدوهم الأمل أن يتم بدء التنفيذ بعجالة كي تُرفع عن كاهلهم بعض المعاناة، ولكن لم يتحقق أملهم، فلم يصرف سوى راتب شهر واحد ولمنتسبي الداخلية والأمن فقط ودون أي إضافة.
لا تستحق قضية رواتب العسكريين كل هذا التلاعب وتسويق الوعود والمماطلة، فالقضية واضحة وحساسة وجميع القيادات من حكومة شرعية ومجلس انتقالي جنوبي وقيادة التحالف يدركون جيدا بأن هذا المطلب يحمل في ظاهره وباطنه أقوى الحجج، إذن ينبغي عليهم وقف هذا العبث على الفور .
عبدالله ناصر العولقي